يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الصحة النفسية لهن، والاستعانة بالعديد من التدابير الإيجابية التي تساعد على العناية بسلامتهن النفسية. أوقات الأزمات وزيادة التوترات نتيجة بقاء الناس في منازلهم وقلة الموارد وزيادة الضغوط النفسية، تزيد حدة العنف الموجه ضد النساء من قبل شركائهم أو أفراد أسرهم...

مقدمة:

انتشر كوفيد 19، المستجد من سلالة فيروس “كورونا”، في أنحاء العالم. صنفته “منظمة الصحة العالمية” تحت مسمى وباء اجتياحي، يعاني الآلاف في المستشفيات ويحارب الملايين لمنع انتشار الفيروس وذلك بالامتثال إلى تعليمات “منظمة الصحة العالمية”، التي تشمل الحظر، والحجر الذاتي، وإتباع سبل النظافة الواجبة، والتدابير المُتخذة من طرف معظم حكومات الدول المصابة بالوباء.

وفى إطار اهتمام مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون بالسلامة النفسية للنساء في مثل هذه الفترات العصيبة نقدم هذه الورقة ضمن أنشطة برنامج رعاية طبية آمنة للنساء إذ نرى أن الأمر غاية في الأهمية، لأنه يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الصحة النفسية لهن، والاستعانة بالعديد من التدابير الإيجابية التي تساعد على العناية بسلامتهن النفسية.

فمن الملاحظ أنه في أوقات الأزمات وزيادة التوترات نتيجة بقاء الناس في منازلهم وقلة الموارد وزيادة الضغوط النفسية، تزيد حدة العنف الموجه ضد النساء من قبل شركائهم أو أفراد أسرهم.

وجاء في بيان للخط القومي الساخن للعنف المنزلي في الولايات المتحدة “إن إساءة المعاملة مرهونة بالسلطة والسيطرة. حين تضطر النساء للبقاء في المنزل بالقرب من الجناة، يكون بإمكان الجناة استخدام أي وسيلة للتحكم في ضحاياهم، حتى لو كانت أزمة وطنية مثل فيروس كورونا المستجد”.

وفي دراسة جديدة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا (الإسكوا) ووكالات أممية شريكة لجائحـة 19-COVID بينت أن للجائحة تأثيـرا كبيـرا علـى مختلـف أشـكال العنف ضد المرأة والعنـف القائـم علـى التمييـز بين الجنسـين. واعتبرت الدراسة أن العنف الأسري هو أحد مظاهر اللامسـاواة في العلاقات بين الجنسـين، وأداة لممارسـة السـلطة والسـيطرة.

ولفتت إلى أن معدلات العنف ترتفـع في حـالات الطوارئ، بما فيها حالات تفشـي الأوبئة.

وعزت الدراسة ارتفاع معدلات العنف الأسري إلى التعايش المشترك ألقسري بين المرأة والرجل، وتفاقم الضغوط الاقتصادية، وانعدام الأمن الغذائي، والقلق من التعرض لفيروس كورونا.

وقالت الدراسة انه من المؤسف أن عددا قليلا فقط من الدول العربية توثق حالات العنف الأسري، مما يعني أن النطاق الحقيقي لهذا العنف وعواقبه خلال هذه الفترة الاستثنائية لا يزال غير واضح.

وأضافت الدراسة انه قـد يكتسـي العنـف القائـم علـى التمييـز بيـن الجنسـين أشـكالا مختلفـةّ فـي خضـم هـذا الوبـاء العالمـي. فإضافـة إلـى المخاطـر والأضرار الجسـدية والعاطفيـة الاعتياديـة التـي تتعـرض لهـا المـرأة فـي بعـضِ البلـدان العربيـة، يمكـن أن يقـدم المعتـدون عليهـا إلـى عزلهـا بالكامـل وحرمانهـا مـن أي تفاعـل اجتماعـي مـع العائلـة والأحباء، حتـى عبـر الانترنـت، أثنـاء تفشـي الفيـروس.

وبينت الدراسة إن المنطقة العربية ستشهد زيادة في وتيرة العنف عبر الإنترنت والتعقب الالكتروني. ويؤدي ذلك إلى تفاقم القلق المزمن والاكتئاب للضحايا، مما قد يدفعهن إلى حافة الانهيار أو الانتحار.

وبينت الدراسة انه في ظل انتشار الوباء العالمي، يصعب على الناجيات من العنف الأسري طلب المساعدة وتلقيها. وقد يعزى ذلك إلى القيود المفروضة على التنقل، أو إلى محدودية توافر الخدمات، أو نقص المعرفة بالخدمات المتاحة.

وبين التقرير فـي حالـة الناجيـات مـن العنـف اللواتـي فقـدن وظائفهـن، أو اللواتي لا يحصلـن علـى دخـل ثابـت، قـد يصبـح من الصعب ترك الشـريك المسـيء حـال انتشـار جائحـة 19-COVID، ّ نتيجـة لاعتمادهن عليـه إعالتهن.

وبحسب التقرير فانه في المنطقة العربية، تشغل النساء، من طبيبات، ممرضات وقابِلات قانونيات وموظفات دعم، جُلّ الوظائف في مجالَي الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، ما يزيد من خطر إصابتهنّ بالعدوى. أمّا ضمن الأسر، فغالبًا ما تتولى النساء دور تقديم خدمة الرعاية الصحية، ما يثقل عليهنّ جسديًا ومعنويًا، ويزيد من احتمال تعرّضهنّ لهذا الخطر.

وقد نشرت منظمة الصحة العالمية تقريراً عن الصحة النفسية في حالات الطوارئ، في 11 يونيو 2019 جاء به أنه "من المرجح أن يُعاني غالبية الأشخاص المعّرضين لحالات طوارئ، إن لم يكن كلهم، من ضائقة نفسية، ومعظمهم يمكن أن تتحسن حالتهم بمرور الوقت" وأن "الأشخاص المصابون باضطرابات نفسية شديدة ُمعّرضون للخطر بالأخص أثناء حالات الطوارئ ويحتاجون إلى إتاحة الرعاية الصحية النفسية والاحتياجات الأساسية الأخرى". كما جاء بالتقرير أن الاكتئاب يُشيع عادةً بين النساء أكثر من الرجال.

في حين أكد المعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين أن “انعدام الأمان المالي الذي كثيراً ما يمنع الناجيات من ترك منتهكيهم قد يزداد حدة في أعقاب الأزمة”. قد يمنع الخوف من إصابة الوالدين بالعدوى بعض الناجيات من العنف المنزلي من مغادرة المنزل وإنهاء العلاقة المسيئة. وقد يمنعهم اكتظاظ المؤسسات الصحية والخوف من الإصابة بالعدوى، من الحصول على الرعاية الصحية اللازمة إذا تعرضوا للانتهاك الجسدي.

أنواع المشكلات:

هناك أنواع شتى من المشكلات الاجتماعية والخاصة بالصحة النفسية تجلبها أي حالة طوارئ كبرى.

المشكلات الاجتماعية:

- المشكلات الموجودة أصلاً: مثل الفقر وتمييز الفئات المهمشة.

- المشكلات المترتّبة على حالات الطوارئ: مثل الانفصال الأُسَري، وانعدام الأمان، وفقدان أسباب الرزق، واختلال شبكات النسيج الاجتماعي، وانخفاض درجة الثقة والموارد.

- المشكلات المترتّبة على الاستجابة الإنسانية: الاكتظاظ، وفقدان الخصوصية، وتقويض الدعم المجتمعي أو التقليدي.

مشكلات الصحة النفسية:

- المشكلات الموجودة أصلاً: الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب أو الفُصام.

- المشكلات المترتّبة على حالات الطوارئ: الحزن والأسى، وردود الفعل الحادة الناجمة عن الإجهاد، والاكتئاب والقلق، بما في ذلك اضطراب الكرب.

- المشكلات المترتّبة على الاستجابة الإنسانية: القلق الناتج عن انعدام المعلومات بشأن توزيع الغذاء أو كيفية الحصول على الخدمات الأساسية.

ومن ضمن الآثار النفسية المترتبة على الأزمات ما يلي:

- أعراض جسدية مثل الصداع المزمن واضطرابات الجهاز الهضمي واضطرابات القلب والأوعية الدموية وآلام الحيض الشديدة.

- أعراض نفسية مثل الاكتئاب والقلق أو التفكير بالانتحار.

- تأثير سلبي على السلوك الصحي مثل شرب الكحول أو الإدمان على الأدوية أو تعاطي المخدرات.

- العواقب المترتبة على العلاقات العائلية والاجتماعية مثل الانفصال والعزلة وقطع العلاقات العائلية أو الخوف من العلاقات الحميمة.

- التخوف من التأثير على نمط الحياة والعمل كتقديم الاستقالة أو تبديل مكان العمل أو وقوع المشاكل في العمل أو فقدان الوظيفة.

- القلق من الفقر أو زيادة خطر الوقوع في براثن الفقر.

- الخوف والقلق من فقدان السكن أو التشرد.

نصائح بشأن بعض الممارسات التي تحافظ على السلامة النفسية للنساء في أوقات الأزمات:

نقدم فيما يلي بعض الممارسات التي تحافظ على السلامة النفسية للنساء اللاتي تعيش في العزل، وفقًا لنصائح منظمة الصحة العالمية (WHO) وخدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة: (NHS):

1- تحكمى في درجة تعرضك للأخبار واحصلي على الحقائق الصحيحة:

قللي من مشاهدة أو قراءة أو الاستماع إلى الأخبار التي تجعلك تشعرين بالقلق أو التوتر. وحددي مواعيد ثابتة لمتابعة تحديثات الأخبار خلال أوقات محددة من اليوم، مرةً أو مرتين. واجمعي المعلومات فقط من مصادر موثوقة حتى تتمكني من التمييز بين الحقائق والشائعات. كوني حذرة مما يتم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، وضعي في اعتبارك موثوقية المعلومات التي يتم تداولها في الدردشات الجماعية أو مجموعات المناقشة عبر الإنترنت.

2- سلطي الضوء على الإيجابيات واشعري بالامتنان:

لن يكون من السهل القيام بذلك في مثل هذه الأوقات لأسبابٍ مختلفة، لكن جهود التفكير الإيجابي والعمل على نشره ستجذب نفس الطاقة. ابحثي عن الفرص التي تساعدك على تضخيم الصور الإيجابية والقصص المفعمة بالأمل، مثل التي تتحدث عن الأشخاص الذين تعافوا، أو الأبطال الذين يدعمون الأشخاص المتضررين. امنحي الاحترام والتقدير للدور الذي يلعبه مقدمي الرعاية الصحية ومقدمو الرعاية لإنقاذ الأرواح. لقد وجدت الأبحاث أن تدوين 5 أشياء تشعر بالامتنان لها مرةً واحدةً في الأسبوع يمكن أن يحسن من صحتك.

3- اعترفي بمشاعرك وتواصلي للحصول على الدعم:

من الطبيعي والمقبول أن تشعري بالملل أو الإحباط أو الوحدة أو القلق أو الإرهاق. يتفاعل الجميع بطريقتهم الخاصة مع الأحداث الصعبة وعدم اليقين. تقبل أنه من الطبيعي أن تشعر ببعض القلق والخوف. ومن المهم أن تتذكر أن البقاء في المنزل قد يكون صعبًا، لكنك تساعد في حماية نفسك والآخرين من خلال القيام بذلك.

حافظي على التواصل وتحدثي مع الأشخاص الذين تثقين بهم بشأن مخاوفك وشعورك. لا مانع من استخدام الرسائل النصية ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن من الأفضل الحديث عبر الهاتف أو مكالمات الفيديو.

4- حافظي على عقلك نشيطًا:

تمثل العودة إلى ممارسة هوايةٍ قديمة، أو تعلم مهارةٍ جديدة، أحد الأنشطة الروتينية الرائعة، ويمكِّنك ذلك من تشتيت الانتباه عن الحالة التي تثير القلق. اقرأي أو اكتبي أو العبي الألعاب أو قومي بحل الكلمات المتقاطعة أو تعلم رقصةً ما أو حل ألغاز سودوكو أو أكملي احجيات الصور أو حاولي الرسم والتلوين. مهما كانت الأنشطة التي ستقومين بها، ابحثي عن شيءٍ يناسبك.

5- ساعدي نفسك على الاسترخاء:

تجنبى مقارنة نفسك بإنجازات الآخرين أثناء قضائك كل هذا الوقت في العزلة، تخلصي من الفوضى في منزلك وتعلمي لغة جديدة، قومي بممارسة اليوجا كل ذلك في وقتٍ واحد.

6- لا تترددي في طلب الدعم النفسي من المتخصصين في الدعم النفسي، الاجتماعي:

وأخيرا يمكنك الاتصال بنا في مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون يوميا عبر الخط الساخن الخاص بالدعم النفسي للنساء، الناجيات من العنف رقم 01279177326، وكذلك عبر برنامج Whats App، حيث يتم الاتصال بالناجيات خلال 24 ساعة من تاريخ الاتصال بواسطة فريقنا من المتخصصين في الدعم النفسي، الاجتماعي.

وفى هذا الشأن ننوه أيضا إلى أن وزارة الصحة المصرية تقوم بتقديم خدمات الدعم النفسي للمواطنين/ات أثناء فترات العزل المنزلي وكذلك للمصابين والمخالطين، وذلك من خلال الساخن ١٠٥، كما تم تفعيل خطين آخرين هما ٠٨٠٠٨٨٨٧٠٠ و ٠٢٢٠٨١٦٨٣١.

* مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق