قد لا نأتي بجديد حينما نردد إن المثقف هو فيلسوف الحق والإنسانية تجاه شعبه، والمثقف الواعي لا يمكن أن يكون غير هذا، أي ليس هناك مزايدة أو مفاضلة تجاه هذا المثقف أو ذاك وهنا أريد أن أقول شيئا وقولي هذا مقدمة ضرورية لأدراك الوعي التاريخي...

قد لا نأتي بجديد حينما نردد إن المثقف هو فيلسوف الحق والإنسانية تجاه شعبه .. والمثقف الواعي لايمكن أن يكون غير هذا، أي ليس هناك مزايدة أو مفاضلة تجاه هذا المثقف أو ذاك وهنا أريد أن أقول شيئا وقولي هذا مقدمة ضرورية لأدراك الوعي التاريخي للمراحل التي مرت بها الثقافة العراقية والمثقف، فالتاريخ سجّل رغم ان الكثير منه قد انتابه التشويش أي انه سجل مواقفا وطنية واعية للمثقف العراقي حتى إن السلطات والحكومات بقيت تخشاه وتحاول تهميش دوره وعلى مر المراحل بقيت هناك فئتان الأولى مقربة من السلطة والثانية مغيبة ومهمشة لا لسبب وطني او جهادي فحسب إنما كانت السلطات غير ديمقراطية.

فتصادر الرأي المعارض مصادرة تعسفية سواء من المقربين للسلطة او البعيدين عنها وهكذا حتى دكتاتورية صدام التي جيرت بعض المثقفين لها والبعض الآخر ضدها .. وأكيد أغدقت بامتيازات مغرية للمقربين جعلت البعض منهم مترفين إلى حد التخمة وأسمائهم مكررة في مهرجانات العراق سواء في الداخل او الخارج، ولن تعد وزارة الثقافة آنذاك إلا تابع لهذه السياسات، وحينما سقط الصنم كانت فرحتنا نحن المثقفين لا توصف وتركنا الإبداع باتجاه واضح إلى التنظير وبناء قاعدة ثقافية مؤسساتية وفق الدستور الدائم باعتباره الوثيقة الأسمى والأعلى في تنظيم الحياة العامة.

وتحرك المثقفون كل من مكانه في هذا التنظير ومع الأسف غاب العمل الجماعي وجُيرت الأعمال والتنظيرات لأحزاب وصحف منحازة وبقي الاتحاد العام للأدباء على نظامه الداخلي وتحركه البطيء ولم يصله الدعم الحكومي الواضح بسبب دخول البلاد في نظام المحصصات التي تمادت في خلق احباطات سكّنت الفعل الثقافي النقدي الذي انتفض صادقا وجادا بعد السقوط وجعلت وزارة الثقافة محدودة الجانب ومؤسسة الصحافة من جرائد ومجلات ضيقة الافق ذات ولاء حزبي او طائفي.

وبدأ المثقف المهمش يزداد تهميشا خاصة وان المثقفين العراقيين قد ملوا الأحزاب والتكتلات وهكذا جُردوا مرة أخرى من حقوقهم المشروعة وبدأوا العزلة عن السلطات وإصدار مشاريعهم الخاصة بجهد شخصي وفردي ومن لقمة معيشتهم الضنكة وبقي ينشدون وتتعالى أصواتهم لبناء دولة مدنية ديمقراطية تتحقق في ظلها كل الآمال والتطلعات وفق مواد الدستور الذي ضمن للجميع حقوقهم وهذا الآمر كان من صلب واجبات المثقف.

ومن بين التطلع للمستقبل والواقع المعاش ظهرت دكتاتوريات ثقافية جديدة انحازت لأسماء معينة بصحف كانت محجوزة لهذا وانساقت وزارة الثقافة ضمن هذا وحتى اتحاد الأدباء هو الآخر قد لاذ بالصمت بل وساهم في المفاضلة بين أعضائه واصدر عدة مجاميع شعرية وقصصية ومجاميع مشتركة لم تضم كل الأسماء المعروفة في الساحة الثقافية، وظلت الأسئلة تتوالد والشكوك موجودة و(عادت حليمة لعادتها القديمة)، ولكن إنصافا لتاريخ هذه المرحلة فهي حملت صفة ايجابية في إطلاق عنان الرأي وحدث ان كان هناك ترسيخ ومحاولة إيجاد تقاليد ثقافية تعنى عناية خالصة بالثقافة.

ومن هذه المقدمة نبرر قولنا ان القائمين على ثقافة العراق في الخارج ليسوا هم الطموح ولا حتى في الداخل وبقيت ثقافة التهميش تعيد نفسها من جديد وبدأت مصادرة الرأي تتعافى ... ومن هنا فان الثقافة العراقية بصورة عامة بعد التغيير لم تكن بمستوى الطموح وكل نشاطاتها شابها بعض الجمود نتيجة حتمية لاستمرار ثقافة التهميش حيث ظهرت مفاضلات بين مثقفي الداخل والخارج حتى اندفع من هم خارج المنظومة الثقافية بوضع معظم مثقفي الداخل في صف الدكتاتورية وعدهم أقلام مأجورة، وأنا أتحدث عن المثقف الواعي والمثقف المزيف قلت في شأن هذه المفاضلات وشأن التهميش وإلا فأن المثقفين الواعيين الذين يدركون فعل الثقافة وحجمها ليس لهم شأن لا في التهميش ولا في المصادرة والمشكلة في تعثر الثقافة العراقية ليست في المثقف الواعي إنما في اطر الدولة المنظمة والراعية لدور هذه الثقافة وهي تجتر أنظمة السلطة التعسفية والتي كثيرا ما تستغفل معظم مثقفي العراق وتحاول تهميشهم كما فعلت الدكتاتورية من قبل وحتى منظمات المجتمع المدني التي تعنى بالثقافة والتي تناسلت وتكاثرت في ظل الديمقراطية سارت على نفس النهج.

والدعوة لمناصرة حقوق المثقفين هي الاجتماع والتعاون ومتابعة جميع الأسماء الفاعلة وخاصة في الشبكة الالكترونية العالمية لان صحفنا ومجلاتنا قد وقعت في فخ التهميش ثم إنها لا تثمن جهد المثقف وكأنما تمن عليه حينما تنشر له مقالا وبدون أي مكافأة ولابد من الحكومة أن تضع أمام أنظار مجلس النواب قانونا جديدا ليتم تشريعه يتضمن الحفاظ على المثقف كقيمة إنتاجية حضارية وصيانة الإبداع الأدبي والفكري وإخراج المثقف من حالة العوز الذي ينهش بفكره وإبداعه وبدل أن يبقى نهبا لحاجاته المعاشية يتجه بكله إلى الكتابة والإبداع وتفعيل الثقافة النقدية لكل مفاصل الدولة .. فان المبدع قد ينتج بالسنة على اقل تقدير إما رواية أو مجموعة قصصية أو ديوان شعر أو كتاب في صنف فكري معين.

وهنا إلا يستحق هذا المبدع ان نوفر له مؤنة سنة أو سنتين عيشة هانئة .. بل ونترك الدعوة مفتوحة لجعل مثقفي العراق مستشارين للحكومة ولمجلس النواب وبراتب مستشار غير مجير بل هو حر طليق في انتقاداته لتقويم عمل الحكومة وعمل البرلمان ويبقى حرصنا قائما في مساواة المثقفين المبدعين بفتح الايفادات وتمثيل العراق في المحافل الدولية والله نسأل التوفيق للجميع.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق