ما زال الناس يتعاملون بشيء من الاستخفاف واللامبالاة مع هذا الفيروس الخطير، مستخدمين حالة الذعر كمادة للضحك والتسلية على منصات التواصل الاجتماعي، فلماذا استغل بعض مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي فيروس كورونا كمادة للضحك و والتسلية؟ هل طلباً للإعجابات والمشاركات؟ أم هو جهل بمستوى الخطورة، أم لتبديد المخاوف؟...

وسط المخاوف والقلق والعجز الذي يعيشه العالم جرّاء ذلك القاتل المجهول الذي لا تراه العين المجردة، ومن دون سمة دخول تسلل وعبر الحدود وراح يصول ويجول ويبطش دون رحمة ولا هوادة، لا يفرّق بين عالم وجاهل ولا بين غني أو فقير ولا بين شيخ أو صغير ولا بين عاطل عن العمل أو سياسي أو وزير، إنه "فايروس كورونا" الذي دوّخ العلماء وقادة الدول والأطباء والعرفاء، وأثر على الحياة العامة؛ حيث أغلق الأسواق وأوقف الصلوات وأقفل الكنائس والمعابد وعطّل المدارس والجامعات وألغى قمماً وبطولات رياضية دولية وعطّل مطارات وضرب اقتصاد العالم؛ وجعل المدن بعد الضجيج مدن أشباح.

لكن، على الرغم من ذلك كلّه ما زال الناس يتعاملون بشيء من الاستخفاف واللامبالاة مع هذا الفيروس الخطير، مستخدمين حالة الذعر كمادة للضحك والتسلية على منصات التواصل الاجتماعي، وراحوا يطلقون النكات و"التحشيش".

فلماذا استغل بعض مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي فيروس كورونا كمادة للضحك والتحشيش والتسلية؟ هل طلباً للإعجابات والمشاركات؟ أم هو جهل بمستوى الخطورة، أم لتبديد المخاوف؟ ثم من هم هؤلاء الذين يجلسون خلف "الكي بورد" ويصدرون لنا تلك النكات والفيديوات الكوميدية التي تستخف وتستهزأ بحالة الذعر التي يعيشها الناس، وهل من المعقول أن نواجه هكذا خطر ــ حصد عشرات آلاف الأرواح وما زال ــ بالسخرية والهزل؟

حب الحياة

الطالب جامعي حسام فيصل ناصر يقول في حديث لشبكة النبأ المعلوماتية "نحن كشباب نرى أن الحياة بهذه المتاعب وهذه الظروف القاهرة لا شيء يستحق فيها للقلق، فنحن نخفف من هذه الهموم بالنكات والضحك وعدم اعطاء الأمور أهمية أكبر من حجمها".

وبعد ضحكات أطلقها (حسام) قال: نحن العراقيون نحب النكات وشعب يحب "التحشيش"!.

أما مصطفى باقر، 25 عاما، سائق تكسي، بدأ حديثه بهذه العبارة: " شر البلية ما يضحك "، مردفًا قوله: نحن على الرغم من الألم والمآسي فنح كشعب وكشباب نحب الحياة ونحب أن نعيش المتعة والمرح، وكما يقول المثل الشعبي الدارج " كلمن يموت بيومه "، فلا داعي من الانغماس بالهموم والأحزان ونحن ننتظر ساعة الرحيل من هذه الدنيا.

وباتسامة عريضة بادلني الحديث متهربًا مرّة ومتلفتًا أخرى (زيد هاشم)، 19 عامًا، بعدما سألته: هل لديك آخر نكتة عن كورونا، فضحك وقال: "موبايلي مليان بالنكات والفيديوات". فسألته: طيّب (زيد) من أين تحصل على هذه النكات وغيرها؟ أجابني: من أصدقائي ومن صفحات خاصة على الفيسبوك وقنوات التليكرام واليوتيوب المليئة بذلك، وأنا متابع لها وكثيرًا ما آخذ منها تلك المنشورات والنكات وأنشرها أو أشاركها.

هل أهلك هل يشجعون على ذلك، هل يشاركونك في جو المزحة؟. أجاب مبتسمًا: نعم، أحيانا أعرض بعض المنشورات والفيديوات على بعض أفراد عائلتي ووالدتي بشكل خاص، وهم يستمتعون بها ويضحكون.

أمر قبيح ومستهجن

لم تحصل المنشورات الساخرة والفيديوات الكوميدية بشكل عام وعلى موضوع التعامل مع فيروس كورونا خصوصًا؛ على استحسان وقبول جميع روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، فأم زهراء، موظفة، 47 عاما، اعتبرت أن أي نكتة حول موضوع فيروس كورونا هي قلّة حياء، لأن هذا الموضوع ليس للسخرية وليس مادة للدعابة والضحك.

سالم محسن الجابري، ضابط، قال: نحن في الواقع أمام كارثة ووباء عالمي، وللأسف البعض الى الآن لا يدركون حقيقة ما تواجهه البشرية من خطر.

ويستغرب الجابري من هؤلاء الذين يستخدمون هذا الوباء مادة للسخرية والضحك، قائلا: أنا أعجب من هؤلاء الذين يحاولون قلب حالة الموت المحدق بالبشرية الى سخافة واستهتار. مضيفًا: لماذا لم يستخدموا طاقاتهم ومواهبهم للمشاركة الجماعية في مواجهة الفيروس من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أليس الأولى أن يكونوا جادّين عبر اطلاق حملات توعوية؛ بدلًا من تلك النكات التي لا فائدة منها.

أما ابرهيم صادق، كاسب، 63 عامًا، قال: من الخطورة جدًا أن تصبح السخرية وما يطلقون عليها اليوم بـ "التحشيش" أن تصبح اسلوب حياة في مجتمعنا.

وأضاف، ما المضحك وأنا أرى الناس يتألمون من المرض، ويتالمون لإصابة أحبائهم وفقدان بعضهم، أو محاصرون في بيوتهم والأسواق والشوارع وأماكن العبادة خالية!.

علي سامي شاكر، 50 عامًا، كانت له نظرة أخرى فيما طرحناه عليه، فقال: لم يكتف بعض روّاد مواقع التواصل الاجتماعي ببث النكات ومنشورات الاستخفاف؛ بل راح البعض منهم يتناول هذا الوباء العالمي الخطير من باب الشماتة والتشفي ببعض الدول، معتبرين أن اصابتهم بهذا الفيروس ما هو إلّا عقابا إلهيًا لذلك الشعب أو لتلك الدولة!!، متناسين أن هذا الوباء هدد كل دول بلدان العالم بالإصابة والموت؛ بما في ذلك بلدنا،

واستدرك قائلا، نتمنى من الجميع أن يترفّعوا عن خلق الشماتة، وكذلك التعاطي مع الموضوع بمزيد من الجديّة؛ وخاصة من قبل الشباب، والالتزام بإجراءات الوقاية والسلامة.

الخوف بنكهة الضحك

الدكتور غالب الدعمي رئيس قسم الصحافة في جامعة أهل البيت، يرى أن النكات وإن كان فيها جانب ايجابي؛ للتنفيس عن النفس البشرية، لكن البعض منها خارج السياق ومخالف للذوق، وهذا يتبع المستوى الثقافي والمكانة الاجتماعية لمستخدمي ومطلقي تلك النكات، مبينًا أن وقت الفراغ لدى البعض له دور في الانشغال بهذا الأسلوب.

ونصح الدعمي الشباب الذين يحاولون إظهار السخرية "المبتذلة" قائلًا: إن هذا غير مقبول، ونتمنى الإنتباه الى الظرف الصحي الخطير المحدق الذي يهدد البشرية، وأرجو الإلتفات الى حالة القلق التي تعم العالم، وأن يكون شبابنا العزيز عاملًا ايجابيًا وليس سلبيًا؛ لتطويق هذه الأزمة؛ حتى يخرج شعبنا سالمًا معافى.

الدكتور مسلم عباس، استاذ جامعي، يرى أن النكتة هي الوجه السلبي والقاتم في التعامل مع هذا الوباء العالمي؛ فاستخدام النكتة في هذه الظروف الصعبة ونشرها قد يكون من باب الجهل أو من باب الاستخفاف وربما يأتي من باب الفراغ، لكن نحن نريد أن نعرف من هو مؤلف ومُطلق هذه النكات؟

ويقول عباس بحسب مطالعاتي فإنني أجد أن النكتة ولسنين استخدمت في تغذية الجوانب العنصرية ولأغراض سياسية ولتمرير رسائل وآيديولجيات معينة.

وأضاف، قد تكون النكتة بابًا للترفيه والتخفيف عما يعاني منه الناس، وتقلل من التوتر العام، لكن الإفراط في استخدامها له آثار سلبية، يعني عندما يتحول هذا الوباء العالمي الى نكتة؛ فممكن أن تتحول حياتنا كلها في لحظة ما الى نكتة، وتباد مدن وقرى بأكملها؛ بسبب اللامبالاة تجاه فيروس خطير، متمنيًا المزيد من الجديّة في التعامل، وألّا يتحول الموضوع الى الاستخفاف والافراط.

بينما يرى الدكتور عدنان عبيد المسعودي، اختصاص علم النفس، أن هناك بعض الناس ربما يلجؤون بدافع الخوف إلى الإستخفاف أو الإستهزاء بهذا الوباء، هناك فرق كبير بين روح النكتة أو الرغبة في إشاعة أجواء من الفرح او التفاؤل في ساعات الشدة وبين أساليب الإستهزاء او السخرية أو عدم الشعور بمعاناة الآخرين ...

وأضاف، ونحن نعيش أوج الأزمة فإننا نحتاج الى الضحك كي نخفف عن آلامنا، فدعونا نضحك؛ فالضحك أفضل من البكاء والتشاؤم؛ لما فيه من تنفيس لمكبوتات النفس، فهي أفضل من تفريغها عن طريق العدوان .

الاعلامية والناشطة وصال الأسدي، قالت، نحن بدل من أن نحاول الوصول الى إيجاد الحلول للتحديات التي تواجهنا، وبدل من التثقيف على الالتزام بإجراءات الوقاية في مواجهة كورونا؛ راح البعض يسخر ويستهزئ من عدو خفي وفتاك تحدى أعتى امبراطوريات العالم، ناهيك عن قلة الوعي والثقافة الصحية وضعف الواعز الأخلاقي.

وأضافت، نحتاج الى إعادة ضبط المصنع لعقولنا حتى يتم برمجتها بطريقة أكثر دقة، وهذا يتطلب نهضة فكرية تكتسح الغث والرديء من المجتمع على يد المثقفين المتسلحين بالعلم والعقيدة. مضيفة، إن احترام النفس واحترام الآخرين ومشاعرهم ثقافة، وهي جزء لا يتجزأ من منظومة الفرد الأخلاقية والإحساس بالمسؤولية.

كن مواسيًا ولا تكن خارج السرب

لم نتكتفِ بآراء المواطنين والأكادميين والاعلاميين؛ بل انتقلنا الى المؤسسة الدينية، كون الدين إنما جاء لضبط سلوكيات الانسان وضبط ايقاع الحياة، فالتقينا برجل الدين السيد ابراهيم خضر المولى الذي يعمل استاذًا في الحوزة العلمية، الذي قال: إن الاستخفاف بما يمر به الناس وعدم مراعاة وما يمرون به من ظرف مؤلم وخيف للجميع يدل على عدم الإهتمام بالمسلمين وبالبشرية والرسول صلى الله عليه وآله يقول: (من بات ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).

وأضاف، هناك حديثً للإمام علي عليه السلام يضم عشرين حقا للمؤمن على أخيه المؤمن؛ ومنها "المواساة"، وهذا يعني أن يُطبب المؤمن جراح أخيه المؤمن ويخفف من آلامه وخوفه واضطرابه، ولكن ليس بإسلوب الاستهزاء المفرط؛ لدرجة أن المقابل يشعر بأنك تعيش وتغرد خارج السرب.

إن الشارع المقدّس أوجب علينا ألّا نستهين بهذا الوباء الذي يصيب العالم كله، وأن نهيء كل الإمكانات التي تجعلنا في منأى عن هذا الوباء، والمسلم مطالب بأن يحفظ نفسه والآخرين من الضرر والخطر، لذلك وجب علينا ان نطبق جميع الوصايا والتعليمات الصادرة من أصحاب الاختصاص، وهذا لا يتنافى مع التوجه الى الله بالدعاء.

هدرًا أن تأخذ الأمور بهذه البساطة

نحن أمام خطر كبير أهلك عشرات الآلاف من البشر وما زال؛ فلا مجال لخفة الدم والظرافة من خلال ما يطرح من مواد فيديوية كوميدية ومنشورات فكاهية تقلل من شأن الخطورة التي تهدد حياة البشرية، ومن أوجب الواجبات اليوم هو توظيف جميع الامكانات والقابليات في تثقيف الناس وارشادهم في كيفية الوقاية والتعامل مع فيروس كورونا، لا هدر تلك الطاقات فيما لا ينفع. وهنا يأتي دور المؤسسة الاعلامية والتربوية في ادارة الأزمة وعدم جعل الساحة مفتوحة لما ليس به فائدة. وكذلك للأهل دور كبير في ايقاظ حس المسؤولية عند الأبناء وتوجيههم؛ لأن يكونوا صالحين ومؤثرين ايجابيين بعيدًا عن السخف والسخرية المفرطة التي تقتل شخصايتهم. والأمر المهم أيضا هو التأثر بالقدوات الحسنة والجيدة.

لا بأس من أن يخفف الإنسان عن نفسه بالنكتة والاستظراف في بعض المواقف ليزيل عنه الكبت والضغوط النفسية؛ لكن هناك مواقف لا تحتمل الاستخفاف والمزاح، فليس من المعقول ولا المقبول أن يطلق الانسان نكتة في مجلس عزاء أو في موكب تشييع جنازة، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على سذاجة وسفاهة ذلك الشخص، والذي ستقلّ قيمته بين أصدقائه ومتابعيه، لأنه لم يراعِ أي فواصل بين الجد والفكاهة والهزل.

أما عن وقت المزاح، فليتخير من يرغب في ذلك الوقت المناسب، فلا يمزح في وقت الجد، يقول ابن خلدون "إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث؛ فاعلم أن الفقر قد أقبع عليهم وهم قوم بهم غفلة واستعباد ومهانة؛ كمن يساق للموت وهو مخمور".

اضف تعليق


التعليقات

أمير سلام الزيادي
العراق
أحسنتم وبوركتم.. تحقيق ممتع وقيم وقد إستعرض كل الآراء لكافة نماذج المجتمع العراقي لكن المشكلة نفسهم صناع النكات والتحشيش ومتابعيهم لا يقرأون فلذلك من الصعب أن نؤثر عليهم.2020-04-09