إسلاميات - الإمام الشيرازي

ما هي عواقب الاستسلام للغرب المتقدم؟

قراءة لمحاضرة صوتية لسماحة الإمام الراحل السيد محمد الشيرازي –طاب ثراه-

على الشعوب الاسلامية التأثير في الشعوب الاخرى، لا أن تبقى متأثرة وتابعة للآخرين، لأن استثمار الاموال والقدرات في الغرب، كما يشير سماحة الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي، هو الذي يجعل بلادنا تعيش الازمات السياسية والحروب، بل ويجعلها مشلولة أمام الازمات والكوارث مثل ازمة كورونا...

مقدمة:

الاستلاب الثقافي، ثم التنكّر للتاريخ والتراث والتقاليد، من أشد وأمضّ معالم مرحلة ما بعد الاستعمار الذي يعتقد مفكرون ومثقفون في بلادنا أنه لم يكن بذلك السوء الموسوم به في أدبياتنا السياسية، بعد أن أيقض لدى هذه الجماعة مشاعر متضاربة من الدونية والاحتقار، وايضاً؛ الحاجة الى الارتقاء بما لدى هذا الاستعمار من علوم ومعارف وتجارب من شأنها –حسب اعتقادهم- تغيير أحوال بلادنا الاسلامية الى أحسن الحال!

أصل النوايا طيبة وخالصة، فمن هاجر، وكتب، ونظّر، للتغيير إنما كان يبغي وراء ذلك انتشال ابناء مجتمعه من حياة الذل والعبودية والتخلف، في ظنهم أن الثمن لن يكون باهضاً، او انه لن يولد نتائج عكسية على هذا المجتمع او ذاك، وهذا ما يسلط عليه الضوء سماحة الامام الشيرازي في هذا المقطع الصوتي القصير بأن السعي للحصول على مظاهر التطور في الحياة له عواقب وخيمة في الحاضر والمستقبل.

لنقرأ ثم نستمع:

"البعض يقول: إن دولاً في العالم تتفوق علينا في بعض الجوانب مما يستوجب استبدال ما لدينا بما لدى الآخرين، فهل هذا يصحّ من الناحية العقلية؟

لنفترض أن لك ولدٌ قبيح الشكل، ولدى جارك ولدٌ جميل، هل تقبل استبدال ولدك بولد الجيران؟!

في مسائل التطور والتقدم لابد من رؤية ثاقبة بعيدة المدى، فالتخلف الموجود في بلادنا لا يزول بإنشاء محطة قطار، ولا بإنشاء مطار حديث، ولا بإنشاء مستشفيات حديثة فقط، وإنما من خلال نقل علومنا في الاقتصاد والاجتماع وغيرها الى بلاد الغرب والتأثير عليهم، حتى لا يحصل العكس، كما يحصل اليوم، حيث نلاحظ أن الغرب هو الذي يتحكم بالبلاد الاسلامية ويسلبها أمنها واستقرارها من خلال زرعها الكيان الصهيوني في قلب العالم الاسلامي.

فعندما نجري وراء مظاهر التطور ونطلبه من الشرق والغرب، فهذا يعني أننا ساعدنا هذه القوى في استثماراتها وفي تعاظم قواها في بلادنا، وهو ما يكرس واقع التخلف والهزيمة أكثر.

ولذا علينا مقاطعة الشرق والغرب رغم ما لديهم من تطور تقني وعلمي حتى لا يستغل الغرب فلسطين، ولا يستغل الشرق أفغانستان –في فترة الاحتلال السوفيتي في عقد الثمانينات- في مقابل الحصول على مظاهر التطور البسيطة، وذلك استناداً على قاعدة "الأهم والمهم" وهي قاعدة عقلائية يجب اتباعها".

النظرة السطحية والحصول على القشور

سجل المفكرون والمنظرون طيلة القرن الماضي نقاط التراجع أمام الغرب الاكثر تطوراً، وبينوا الحالات والعوارض الدالة على عمق الهزيمة النفسية، بعد الهزيمة العسكرية والسياسية أمام قوى ذات امكانات علمية هائلة، لكن غابت عنهم الاسباب الكامنة وراء نشوء هذا الواقع، ولذا نجد أحفاد أولئك الذين قرأوا كتب مالك بن نبي، وخالد محمد خالد، وابو الأعلى المودودي، وغيرهم ممن كتبوا عن الاستعمار وآثاره في البلاد الاسلامية، ما يزالوا يتطلعون الى الغرب على أنه الأمل الوحيد في الحياة المثالية –طبعاً هذا قبل أن تشن كورونا حملتها الشعواء وتكشف حقيقة الغرب-، وأنه منقذهم من واقعهم السيئ.

مشكلة الانسان المسلم أنه ابتعد كثيراً عن معالم حضارته وتمدنه وهو بعد لم يلامس الاستعمار الغربي، فقد كان يعيش الحرمان والاستعباد والتخلف بكل اشكاله، حتى كاد يقترب الى نمط حياة الانسان المسيحي في القرون الوسطى تحت رحمة الكنيسة التي لا تسمح له سوى العمل لكسب قوة يومه ثم العودة الى البيت، مع الالتزام بالطقوس الدينية والانصياع لأوامر الكنيسة والقساوسة، والحذر من مغبة مخالفتهم مهما كانت الاسباب.

علماً أن المشكلة عندنا لم تكن فكرية كما هو الحال في الغرب، إنما هي عقدية بامتياز، فقبل أن تغيب الديمقراطية –وفق المصطلح الحديث- من نمط أنظمة الحكم في البلاد الاسلامية في القرون الخوالي، كانت قد غابت شمس العقيدة الحقّة عن القلوب، فقد حدد الأئمة المعصومين، عليهم السلام، طيلة فترة وجودهم بين افراد الأمة وحتى أواخر القرن الثالث الهجري، معالم النظام الاسلامي في جميع ابعاده وميادينه، ولم يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلا وسلطوا الضوء عليها، ولذا نجد أن الحكام على طول الخط كانوا يسعون لإبعاد الناس عن مصدر الإشعاع الحضاري، وإبقائهم في قبضة السلطة، وقد التقت مصالحهم مع مساعي بعض المحسوبين على الشريحة المتعلمة ممن استوردوا الثقافة الغربية بظنهم أنها صالحة لانتاج وعي جماهيري يحقق الحرية والعدل والمساواة والرفاهية، بيد أن الطريق لم يكن ذاك الذي سار عليه الاخيار والمحررون والمضحون، فالحرية الحقيقية والكرامة تأتي من مقارعة الحاكم الظالم، او تقويم نظامه حكمه، والنظام الاجتماعي يستقيم بإيمان افراد المجتمع بالقيم الاخلاقية والدينية.

فاذا كان الواحد منّا يعتقد أن الحرية، هي تلك التي يهبها الحاكم للسفر بأحدث الطائرات، والتنزّه في الحدائق الجميلة، وأن يعمل ما يشاء في السوق من ربا ونصب واحتيال، وفي بعض الاحيان؛ تركه يتحدث بما يشاء ضد هذا الوزير وذاك المدير، وأن النظام الاجتماعي قائم على الاستجابة لرغبات النفس، وما يقتنع به كل شخص حسب مزاجه وطريقة تفكيره، فمن الطبيعي أن يتبرأ من كل شيء من حوله عندما تضيق به الأمور لتغيير حاله، والاستعانة بأي أحد حتى وإن قيل له بانه سيقتله فيما بعد، لأن الاجابة ستكون بأنه أفضل من الواقع الذي أعيشه اليوم! لأن ببساطة؛ لا شيء يمتلكه يستحق الاحتفاظ به والتضحية من أجله.

وفي هذا المقطع الصوتي يأتي سماحة الإمام الراحل بمثل بسيط عن عدم قبول أي انسان عاقل باستبدال ولده القبيح بولد الجيران الجميل، لان الولد يتصل بالأب ليس بشعره الأشقر، وعيناه الزرقاوان –مثلاً- وإنما بالجانب التكويني والاخلاقي والشرعي، فالابن محسوب على أبيه مهما كان وحصل، بينما هذه المعادلة العقلائية لم تتبناها معظم شعوبنا وبلادنا عندما تعلق الأمر بظواهر الحياة من مأكل وملبس ومسكن وسيارة، ومستلزمات الحياة الاخرى، فمن الطبيعي ان لا يكون نصيبها من هذه الحياة سوى القشور، أما اللباب فهو لغيرهم ممن ينتجون ويبتكرون ثم يسوقون بضاعتهم ويفرضون افكارهم وطريقة حياتهم من خلال هذه المنتجات الاستهلاكية.

ومن "كورونا" نستفيد

حتى وقت قريب كان الاعتقاد السائد، بل والإيمان المطلق بأن الغرب هو منطلق العلم والتقدم الى العالم، فبعد أن تسابق الحكام في السر والعلن لربط مصير البلاد والعباد بمصالح الشركات والمؤسسات الضخمة، راح الناس أنفسهم، وبشكل جماعي وغير مسبوق لتسجيل اسمائهم في سجل نفوس الساكنين في البلاد الغربية؛ سواءً في أوربا، أو في اميركا الشمالية، حتى حدا بالكثير لأن يبيع ممتلكاته في وطنه للحصول على وطن آخر ما وراء البحار! ولسنا هنا بوارد الخوض في أسباب هجرة العقول، وهجرة عامة الناس الى الغرب، إنما العبرة في طريقة التخلّي عن كل ما لدينا والجري بسرعة جنونية باتجاه سراب واسع يحسبه الظمآن ماء، وعندما حلّت أزمة صحية من نوع غريب حيّرت العقول واستوقفت العلماء، عرفنا أن العلم في الغرب ليس كل شيء، وفي الحديث عن "كورونا"؛ لماذا لم يتحدث أحد في بلادنا عن الاستعانة بالتقنيات الطبية، او الخبرات العلمية لمواجهة وباء "كورونا المستجد" الذي يجتاح العالم اليوم حاصداً يومياً المئات من الارواح؟

وبعيداً عن عالم الطب والتقدم العلمي لدى الغرب، لننظر ما لدينا في الشرق لمواجهة هذا الوباء، وكيف ان بعض البلاد الاسلامية حافظت على معدل منخفض للإصابة والوفيات مقارنة بالدول الاخرى في العالم، ومثالنا في هذا؛ العراق، الذي طالما راح البعض ينفث بروحه السلبية متوقعاً إصابات بالآلاف كون العراق يعيش في أزمات سياسية واقتصادية، وانعدام للمنظومة الصحية، كما لو ان العراقيين يعيشون وسط غابة، بينما وجدنا العراقيين الذين لا يفتقدون للكفاءة العلمية، فهم يمتلكون ما هو أهم شأناً من العلم وهو؛ الانسانية والتكافل الاجتماعي، الى جانب الالتزام بالنظام، والشعور بالمسؤولية الاجتماعية، ما خلا بعض التصرفات الفردية.

وهذا ما دعا اليه سماحة الامام الشيرازي في المقطع من محاضرته، بان على الشعوب الاسلامية التأثير في الشعوب الاخرى، لا أن تبقى متأثرة وتابعة للآخرين، لأن "استثمار الاموال والقدرات في الغرب"، كما يشير سماحته، هو الذي يجعل بلادنا تعيش الازمات السياسية والحروب، بل ويجعلها مشلولة أمام الازمات والكوارث.

اضف تعليق


التعليقات

Osamah Alkhursan
Iraq
احسنتم وفقكم الله لكل خير2020-03-31
حامد الجبوري
العراق
عموماً، مقال رائع جداً، وكان منسجم بشكل كبير مع فكره قدحت اليوم في بالي عن كتابة مقال بعنوان مقارب كأن يكون " الإنسان قيمة جوهرية بحد ذاته" أو " الإنسان قيمة جوهرية لا مصلحية" أو " الإنسان مرتكز والمادة هامش" يعني بهذا الصدد.
نعم، الغرب قريب من حقوق الإنسان ولكن ليس بأرقى الدرجات وأسماها، كونه يحترم الإنسان في إطار القانون والمواطنة والاقتصاد، أي الإنسان محترم وله حقوق سياسية واقتصادية بحكم القانون، أي هي حقوق لم تكُن نابعة من ذات الإنسان الغربي تجاه الإنسان الآخر سواء كان من بلده ام لا بل تابعة لقوة القانون والاقتصاد، فاحترام الإنسان الغربي للآخر لم يكُن نابع من ذاته على اعتبار الإنسان قيمة إنسانية بحد ذاته بعيداً عن ما يلتصق به من جنس او عرق أو لون او جغرافيا...إلخ، بل كان تابع لقوة القانون والاقتصاد وبالتالي فاحترامه للإنسان هو احترام مصلحي أكثر مما هو احترام جوهري، فاصبح الإنسان هامش والمادة مرتكز، ولذا فالمطلوب هو عكس هذه النتيجة لتصبح القاعدة الأساسية في التفكير البشري لترتفع قيمة الإنسانية ويتحقق السلام والأمن والاطمئنان.2020-03-31