ناقش مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية في ملتقاه الشهري موضوعا تحت عنوان: (الحكومة العراقية 2018: متطلبات مواجهة ثنائية التدمير \"الفساد والارهاب\") بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي عُقد يوم السبت 2/كانون الاول/2018 بمقر مؤسسة...
تحرير: عصام حاكم/مراجعة: د. حسين احمد السرحان

 ناقش مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية في ملتقاه الشهري موضوعا تحت عنوان: (الحكومة العراقية 2018: متطلبات مواجهة ثنائية التدمير "الفساد والارهاب") بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي عُقد يوم السبت 2/كانون الاول/2018 بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.

قدم الورقة البحثية أ. م. د. حسين أحمد السرحان، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، وأكد على انها تضمن متغيرين: الاول، الحكومة العراقية الحالية وطبيعتها، والثاني، المتطلبات والمقومات اللازمة لمواجهة الفساد والارهاب. وهما من أخطر المهام واكثرها الحاحا للقضاء عليها ومواجهتها بحزم ونجاح في المستقبل المنظور. تضمن البرنامج الحكومي للحكومة الحالية هذين الهدفين. لذا نعتقد ان بدون النجاح في مجابهتهما لن تتمكن الحكومة الحالية القدرة على استكمال بناء مؤسسات الدولة. ولو استمرت الحكومة العراقية على نفس النهج السابق للحكومات السابقة في مواجهة الارهاب والفساد، ستكون هناك أربع سنوات اخرى عصبية تنتج معاناة كبيرة من التدهور والحرمان والتخلف.

نجحت الحكومة السابقة في مهمة الهزيمة العسكرية للتنظيمات الارهابية، لكن هذا المنجز العسكري لم يتوج بإجراءات امنية واصلاح للمؤسسات الامنية لضمان تحقيق هدف الهزيمة العسكرية بتحقيق الامن. لذا، لازال الوضع الامني هش على الرغم من انخفاض الحوادث الامنية، ولازالت التنظيمات الارهابية والخلايا حاضرة في المناطق النائية وعلى الحدود العراقية -السورية.

فيما يتعلق بالمتغير الحكومة العراقية الحالية وطبيعتها، لابد ان نفهم ان الحكومة هي شكل من اشكال ممارسة السلطة في المجتمعات لإدارة شؤونها. وهذا النوع من ممارسة السلطة موجود في التجمعات الرسمية وغير الرسمية، فمثلا على مستوى العائلة هناك رب العائلة، وايضا على مستوى النادي والشركة والمؤسسة كل هذه هي نوع من انواع الحكومات، لكن مصطلح (الحكومة) يطلق عادة على الحكومات التي تدير شؤون مجتمع أو امة أو دولة. كما ان الحكومة هي أقدم المؤسسات السياسية التي اوجدها الفكر السياسي على مستوى تنظيم ادارة شؤون المجتمعات أو في إطار ممارسة السلطة. فضلا عن ذلك، الحكومة هي الجهاز التنفيذي (السلطة التنفيذية) للنظام السياسي الذي يتضمن المؤسسة التشريعية والتنفيذية والقضائية وإذا ما كانت تلك المؤسسات متوافقة وفق اطر تشريعية، مؤكد ستقود المجتمع الدولة الى الخير والرفاهية. فضلا عن ذلك، النظام السياسي هو ليس الدولة، فالدولة هي الإطار الاكبر الذي يتضمن المجتمع والنظام السياسي وهي عبارة عن الخيمة والإطار الاكبر التي تجمع كل تلك المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والفئات الاجتماعية.

اما عن صلاحية الحكومة، فإنها تختلف طبقا لطبيعة النظام السياسي اذا كان رئاسي أو اذا كان شبه رئاسي او برلماني، واذا كان فيدرالي او غير فيدرالي. لذا هناك عدة انواع من الحكومات منها الحكومة المعينة كما في الولايات المتحدة الامريكية، وحكومة الاغلبية وهي التي يشكلها الحزب الحال على اغلبية مقاعد السلطة التشريعية وتوجد في الانظمة البرلمانية اذا كانت ملكية أو جمهورية. وهناك حكومة ائتلافية والتي تشترك في تشكيلها بعض او جميع الاحزاب والقوى السياسية التي لديها اعضاء في السلطة التشريعية، وذلك لعدم حول أي حزب على اغلبية مقاعد البرلمان او مجلس النواب والتسمية تختلف من دولة الى اخرى. وهذه النوع شهده العراق بعد ولكن الاختلاف هنا، ان المكلف بتشكيل الحكومة هو من يختار الوزراء ولا يفرضون عليه كما يحصل في العراق. كما يوجد نوع من الحكومات التي تسمى حكومة وحدة وطنية ويظهر هذا النوع في الدول التي تشهد حروب اهلية أو ازمات سياسية أو صراعات داخلية، وبالتالي هي تذهب باتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية.

وهناك حكومات عسكرية، وحكومات انتقالية أو الحكومات المؤقتة وتظهر في الدول التي تشهد انهيار للنظام السياسي نحتاج إلى من يدير شؤون البلد خلال المرحلة الانتقالية، فنذهب باتجاه الحكومات المؤقتة وهي ايضا تكون بالتعيين والتوافق بين الاحزاب الكبيرة والشخصيات الاجتماعية والثقافية وحسب اختلافها من دولة الى اخرى. وهناك نوع من الحكومات تسمى الحكومات الصورية أو البعض يسميها الحكومات العميلة التي يشكلها المحتل، حتى يحافظ على وجوده وعلى دوره في الدولة التي يحتلها. كذلك هناك حكومة تصريف الاعمال وتكون ضمن اطار قانوني داخلي، وهذه الحكومات تظهر عندما تنتهي المدة الدستورية للحكومة أو يتم سحب الثقة عنها لاسيما في الانظمة البرلمانية.

ومع اختلاف انواع الحكومات، الا ان هناك عناصر مشتركة لكل تلك الحكومات وهي يمكن حصرها بخمسة عناصر: الاول: تنظيم قواعد السلوك، فعادة أي مجتمع تكون قواعد تنظيم السلوك في هذا المجتمع هي من واجب الحكومة بالأطر القانونية وغيرها. العنصر الثاني، السيادة، أي انها تمتلك سلطة استعمال القوة في داخل حدود الدولة وحق الاكراه الشرعي. والعنصر الثالث، هو الشرعية، فأما تكون حالة على ثقة البرلمان في الانظمة البرلمانية، وفي الانظمة الرئاسية يعينها رئيس الجمهورية وهو منتخب من قبل الشعب بشكل مباشر. العنصر الرابع: الاختصاص القضائي أي تنفيذ القوانين التي تشرعها السلطة التشريعية.

من الممكن أن نصنف الحكومات العراقية بعد (2003) وحتى الحكومة الحالية وهي أقرب ما تكون إلى الحكومة الائتلافية، البعض قد يراها بان حكومة وحدة وطنية، وهذا الامر غير دقيق فقد تجاوزنا تلك المرحلة في العام (2006/2010) وكانت هناك حكومات تشاركية، لكن بالمجمل يمكن تصنيف الحكومة الحالية بانها حكومة ائتلافية لم يكن للمكلف بتشكيلها حرية اختيار الشخصيات التي يراها مناسبة، ولكن الفرق رئيس الوزراء ليس مطلق اليد باختيار الشخصيات من الاحزاب التي تشترك في تشكيل الحكومة. اعطى الدستور لهذه الحكومة صلاحية صنع وتنفيذ السياسة العامة للدولة الداخلية للقطاعات المختلفة، والسياسة الخارجية.

عندما نتكلم عن مواجهة الفساد والارهاب، فالموضوع لا يتعلق في الحكومة فقط، بل بجميع قطاعات ومؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية. ولكن تم التركيز على الحكومة لان كلا المتغيرين وهما (الفساد والارهاب) يرتبطان بالسياسات العامة، الا ان الحكومة تحتاج للأطر القانونية والتشريعية اللازمة لتنفيذ جزء كبير من سياساتها العامة.

المتغير الثاني، هو المتطلبات اللازمة لمواجهة (الفساد والارهاب). ما انفك العراق بعد العام (2003) وإلى اليوم وهو يعاني من خطر الارهاب، نعم تم الاعلان نهاية عام 2017 عن القضاء على داعش عسكريا. الا ان الجانب الامني لازال في خطر، والمؤسسة الامنية تعاني الكثير خاصة على مستوى التشكيل والاداء وهذا خلل واضح. اما بالنسبة للفساد فالكل يعرف طبيعة ووضع الفساد في العراق وهو مستشري طالما هناك فساد سياسي فلابد أن يكون هناك فساد مالي واداري.

الارهاب والفساد كلاهما يغذي الآخر وهنا اساس الاشكالية، فالحكومات السابقة لم تفلح في مواجهة الفساد والارهاب كليا. والحكومة الحالية تواجه مهمة كيفية تفكيك الحلقات المترابطة بين الفساد والارهاب، وذلك لان الفساد هو من جاء بالإرهاب، والارهاب هو من يهيئ البيئة المناسبة للفساد وبالنتيجة هو ينم عن هشاشة امنية. ناهيك عن أن القوى السياسية الموجودة لا تملك رؤية ومشروع وطني واضح لبناء الدولة، لذلك جميع التوافقات السياسية الموجودة هي توافقات غائب عنها المشروع الوطني، لذلك هي تعتبر تخبطات وليست توافقات وفيها تجاوز كبير على الاعراف والقوانين، وايضا فيها تجاوز كبير على فلسفة ورؤية النظام الديمقراطي الذي يُراد بناءه في العراق.

اذا ما تكلمنا عن مرحلة ما بعد 2003، الفساد والارهاب من ابرز الازمات التي رافقت بناء النظام السياسي في العراق بعد 2003، وهما اساس الاداء السيء في مؤسسات الدولة. البرنامج الحكومي للحكومة الحالية يتضمن اعلان صريح بضرورة مواجهة الفساد وستكون هناك اجراءات، لكن نفس الاعلان لا يتضمن آليات واجراءات عملية واهداف مرحلية. ورغم ان برنامج الحكومة الحالية، الذي تجاوز الـ (130) صفحة، هو اوسع وأكثر تفصيلا من البرامج الحكومية السابقة، الا انه من الصعب تنفيذه وفق التوقيتات التي تضمنها في ظل وضع صعب يمر به رئيس الحكومة لاسيما وانه يعاني من صعوبة استكمال كابينته الوزارية. كما ان رؤوس الفساد في العراق يتمتعون بحماية وبالتالي يصعب مواجهتهم.

 الحكومة الحالية ضعيفة أكثر من الحكومات السابقة، وهذه الحكومة وقعت في فخ عدم وجود كتلة نيابية كبيرة داعمة لها في مجلس النواب، تجاوز تحديد الكتلة النيابية الاكثر عددا اشكالية جديدة تضاف الى اشكاليات النظام السياسي. ايضا وجود حكومة تستند إلى اتفاق سياسي بين كتلتي الاصلاح والبناء، يجعل الحكومة دائما تقف على ارض رخوة، كما يجعل الحكومة غير قادرة على العمل باستقلالية ومستندة على كتلة نيابية كبيرة داعمة لها.

رئيس الحكومة جاء بتوافق أكبر تحالفين نيابيين، وبالتالي بقاء الحكومة مرتبط بهذا الاتفاق الهش لاسيما وان التوتر في تصاعد بسبب وزارتي الداخلية والدفاع. لذلك تحتاج هذه الحكومة، حتى تنجح في مواجهة الفساد والارهاب، فهي بحاجة الى مساعدة مجلس النواب في توفير الاطر القانونية للعمل. لذا لابد من التفكير في بلورة مقومات ومتطلبات اساسية لمواجهة ملفي الفساد والارهاب.

وللاستئناس أكثر بآراء الاخوة الحضور نطرح الاسئلة التالية:

السؤال الاول: ما هي العقبات التي تقف امام الحكومة العراقية في مواجهة موضوع الفساد والارهاب؟

فجوة كبيرة بين الشعب والحكومة 

الدكتور قحطان حسين الحسيني/باحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، يرى "ان قضية الفساد ارقت الحكومة والشعب على حد سواء، فالكل يعرف أن الارهاب والفساد هما وجهان لعملة واحدة، وهما مرتبطان ارتباط وثيق بل ربما يكاد أن يكون هذا الارتباط على شكل علاقة طردية، فكلما زاد الفساد كلما كانت الامور مهيأة لنشوء الارهاب وانتشاره بشكل مخيف، وايضا كلما تأسس لفكر ارهابي ولعمل ارهابي سيكون بمثابة باب لانتشار الفساد، فمن هو المسؤول عن ضبط الدولة ومن المسؤول عن انتشار الفساد والارهاب؟".

اضاف الحسيني "بالتأكيد في كل الانظمة السياسية وفي كل الدولة الحكومات هي المعنية بشكل اساسي والمسؤول الاول لمواجهة الارهاب ومواجهة الفساد. فضلا عن ذلك، الارهاب والفساد هو دليل دامغ على أن الحكومة مع مؤسساتها قد اخفقت في مهمتها، فعندما نكون امام دولة يشيع فيها الفساد والارهاب فالحكومة مقصرة وفاشلة. اما بخصوص العقبات الاساسية التي تواجه الحكومة للحد من الفساد والارهاب، فدائما النظام السياسي وفلسفة الدولة وفعاليات المؤسسات المرتبطة بالحكومة، عندما تعمل بشكل غير مدروس وبغياب منهجي وتخطيط واضح، اكيد سنكون امام دولة تعاني من الفساد والارهاب، بالتالي فان العقبة الاساسية امام الدولة هي اعادة النظر في فلسفة الدولة السياسية".

يضيف الحسيني، "أن الحكومات التشاركية هي التي افضت إلى وجود بيئة مناسبة للفساد الاداري والمالي، وهنا قد يسأل سائل هل العراق هو دولة مؤسسات وهل التشريع والقرارات التي تصدر من مؤسسات الدولة، تصدر من دولة مؤسسات؟ بالتأكيد الجواب لا العراق الان هو ليس دولة مؤسسات، العراق هو دولة احزاب سياسية ودولة شخصيات سياسية متنفذة. فكل التشريعات والقرارات لا يمكن أن تصدر الا ان يؤخذ بنظر الاعتبار مصالح الاحزاب ومصالح الشخصيات السياسية، واخر ما يتم التفكير به عندما يشرع القانون أو تتخذ القرارات وتنفذ هو مصلحة الشعب. وهذه هي التي خلقت حاجز كبير وفجوة كبيرة بين الشعب وبين الحكومة".

الموائمة ما بين الكتل

حسين محمد صادق موسى، باحث دكتوراه في الجامعة الاسلامية/قسم القانون الدولي العام بيروت، يرى ان "اهم عقبة تواجه السيد (عادل عبد المهدي) هو عدم امتلاكه لأي كتلة نيابية سواء اكانت صغيرة أو كبيرة، الا ان رئيس الوزراء الحالي لديه معرفة مسبقة بكل التيارات الاسلامية، بالتالي هو يمتلك القدرة والدبلوماسية للموائمة ما بين الكتل. إلى جانب ذلك له علاقة مميزة جدا مع رئيس الجمهورية وهذا مما يجعل من مهمة السيد (عادل عبد المهدي) أقرب للنجاح منها للفشل".

عدم وجود فضاء من الحرية وحرية التعبير

الدكتور ايهاب علي، أكاديمي وباحث في مؤسسة النبأ، يرى ان "موضوعة مواجهة الارهاب والفساد دائما ما تتضمن الكثير من العقبات، ولكن هذه العقبات قد تتقلص في حال معالجة الاسباب التي ادت إلى ظهور الفساد ومنها النظام الانتخابي، الدستور والقوانين، والوضع الاقتصادي. كما ان عدم وجود فضاء من الحرية وحرية التعبير، ادى إلى تعاظم الفساد والإرهاب".

غياب ثقافة حكم القانون

حيدر الاجودي/باحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، يرى ان "الفساد والارهاب من اهم المشاكل التي تعترض الواقع السياسي اليوم، وأن محاربتهما تشكل أحد المحاور الرئيسية للبرامج الحكومية في الآونة الاخيرة. ومن المعوقات التي تعيق عمل الحكومة الحالية هو غياب ثقافة حكم القانون. وهذا ما يؤدي الى غياب الجرأة القوية والحاسمة في الكشف عن المفسدين والمتسترين والمتسببين".

تزاوج بين الفساد والارهاب

الحقوقي احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، يرى انه "يوجد حالة تزاوج بين الفساد والارهاب فعندما يراد محاسبة الفاسدين تعلق هذه القضية على شماعة الارهاب، وايضا عندما يراد مواجهة الارهاب تثار قضية الفساد بالتالي هناك حالة تلازم ما بين الفساد والارهاب، كما ان العقبة الاساسية هي الانسان العراقي فهو (يحب الخيرين وليس منهم ويكره اهل الشر وهو منهم)، وهذه اشكالية عظيمة فهذا الانسان دائما ما يتكلم عن الفاسد وينتقد الفاسد الا انه بالمقابل لا يحارب الفاسد ويرحب به ويستقبله".

المحيط الدولي والاقليمي من يغذي الفساد

علي حسين عبيد، كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، يعتقد "بعدم امكانية نفي الفساد في العراق وبكل مفاصل الدولة العراقية التشريعية منها والتنفيذية والقضائية وفي الثقافة، لذا المشكلة واسعة ومتعددة الجوانب ولا يمكن حصرها في نقطة واحدة، لذا فان حل مشكلة الفساد يعتبر من الامور المعقدة والمعقدة جدا". المحيط الدولي والاقليمي هو من يغذي الفساد".

أعظَمُ المَصائِبِ الجَهلُ

 الشيخ علي الرميثي، رئيس تحرير مجلة النبأ السابق، أكد ان "امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، قال (أعظَمُ المَصائِبِ الجَهلُ)، وهنا الامر لا يقتصر فقط على جهل الحكومة بل حتى جهل الشعب وأن كلا الطرفين يجهل الثقافة القانونية، التي يستطيع من خلالها مراقبة الفساد والمفسدين. الشيء الاخر أن حكومة السيد (عادل عبد المهدي) هي من اقوى الحكومات خاصة وأنها تمتلك الكثير من الدعم الشعبي والدولي، يضاف إلى ذلك فان المحيط الدولي والاقليمي هو من يغذي الفساد الذي من خلاله يستطيع النفوذ". إذا لم يكون هناك كتلة معارضة في البرلمان لا يمكن تحقيق أي اصلاح."

الصراع على السلطة

عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، يعتقد ان "العراق يعاني من مشكلتين اساسيتين، مشكلة ثقافية، ومشكلة الصراع على السلطة بين الاحزاب الحاكمة الذي تحول فيما بعد إلى خصومات وعداوات ما بين رؤساء الكتل، فنحن نعاني من مشكلة وجود شخصيات بينها عداوات وبغضاء وعلاقات متشنجة وهم يمثلون رؤساء كتل واحزاب كبيرة، وعلى رئيس الوزراء أن يجيد اللعب بين هؤلاء الاشخاص وأن يرضي الجميع، علما أن رؤساء الكتل يمتلكون اعداد من النواب في البرلمان ويستطيعون استجوابه ووضع العراقيل امامه. اضاف الصالحي "إذا القضية الاولى هي مزاجية الساسة. ما زالت القضية الوطنية ليست في الحسبان بل المهم ازاحة فلان وفلان عن المشهد السياسي، في الدرجة الثانية هي عدم ايجاد مؤسسات مترابطة الايقاع، وبهذه الوتيرة تسير مؤسسات الدولة العراقية، وهذه الثنائية الموجودة وهي البغضاء بين قادة الكتل السياسية والمتنفذين في المشهد السياسي ورئيس الوزراء في كيفية ارضائهم، ايضا لغياب لمؤسسات الدولة وعدم وجود تناغم بينهما بطريقة صحيحة، هذه كلها منافذ لمرور الفساد ومرور الارهاب".

يكمل الصالحي "بالنتيجة من يفسد هو انسان متنفذ في الدولة ولديه كتلة وهذه الكتلة تضطر إلى أن تحميه. لذا فهناك مساحات يمر من خلالها الفساد ويعبد لمرور الارهاب، بالتالي رئيس الوزراء مهما يكون شديد ولديه خطة للعمل، لكن مزاجية رؤساء الكتل المتحكمة في المشهد السياسي وليست لديهم اهمية لا للقضاء على الفساد ولا على الارهاب، فالمهم هو من يسيطر على الساحة وتبقى الثارات فيما بينهم".

انظمة غير متكاملة وهجينة

الحقوقي هاشم المطيري، منظمة العمل الإسلامي، يلخص كلامه بـ "سبب الفساد في العراق هو خارجي وهو آفة الفساد، خصوصا وأن جميع الدول تستفاد عندما يكون العراق دولة فقيرة ومتخلفة ومنتشر فيها الفساد، بل هذه الدول عندما استخدمت اياديها في العراق كانت ايادي فاسدة. اما العامل الداخلي فهو يسير باتجاهين الاتجاه الاول هو النظام السياسي والقانوني في العراق وهو نظام هجين بامتياز وفي جميع المستويات، ايضا الانظمة الرقابية في الدولة هي انظمة غير متكاملة وهجينة، فكيف يتم تعيين النزاهة من قبل السلطة التنفيذية، ايضا كيف تكون دائرة المفتش تحت يد السلطة. الشيء الاخر هو اختلاط المنظومة القانونية السابقة للنظام الديكتاتوري والمنظومة القانونية الحالية، اما السبب الثاني هو عدم وجود كتلة برلمانية لديها ارادة حقيقية لمحاربة الفساد منذ (2003) وإلى الآن، ففي كل شيء الاحزاب السياسية في العراق قد تختلف ولكن في موضوع الفساد هم متفقين. فأساس الفساد هي السلطة.

سؤال الفساد فلسفي

الشيخ مرتضى معاش، المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يجد ان "سؤال الفساد سؤال فلسفي أكثر من كونه سياسي أو اقتصادي، فالإرهاب هو امر عارض وطارئ وهو اشبه ما يكون بالحروب بالوكالة، وهذا واضح جدا خصوصا وأن الارهاب ليس له على ارض الواقع شيء، بل هو عبارة عن حروب بالوكالة بين مختلف القوى التي تريد أن تستخدم الارهاب لضرب الآخر ومصالحه، اما بالنسبة للفساد فهو ايضا بالوكالة وهو يعبر عن مصالح قوى معينة، ولكن أصل الفساد وكما قال (ارسطو) (السلطة المطلقة مفسدة مطلقة)، فأساس الفساد هي السلطة وهي التي تسببت في عملية نشوء الفساد في النظام السياسي".

 واضاف معاش، "هناك ثقافة اجتماعية تشجع على الفساد، هذا كله يأتي بسبب صانع القرار الذي ضيع جوهر السلطة وذهب وراء منافعه الخاصة، وهذا ما يسعى اليها المستبد فهو لا يريد أن يحقق مصالح الناس بل يريد أن يحقق الحكم والسلطة على الناس". يكمل معاش "فلذلك هو يضيع جوهر السلطة وهو حتما سيزول، وايضا اولئك الذين يريدون أن يستخدموا السلطة كوسيلة للبقاء وللاستحواذ فسوف ينتهون، ولكن هذا الامر من المرجح سيتسبب بضرب النظام السياسي ويجعله هشا، وهذا ما نلاحظه اليوم". يضيف ايضا

"اليوم لدينا مشكلة في تفكير الفرد السياسي وصانع القرار السياسي وصاحب السلطة، الذي يفكر في طريقة الغنيمة والاستحواذ والاستبداد، وهنا نتحدث عن صانع القرار بشكل عام وليس في جانب معين".

القابلية للاستعمار

حامد عبد الحسين الجبوري/باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، يستشهد: "بقول للمفكر الجزائري مالك بن نبي (ما استعمروك الا وجودك قابل للاستعمار)، وهذا يطابق إلى حد ما حقيقية التدخل الخارجي على اعتبارها حقيقة اساسية، ولكن هذا التدخل لا يقوم ما لم يكون هناك استعداد داخلي ومجتمعي في داخل المجتمع العراقي لتقبل الفساد، لذا فالعقبة الاساسية التي تعترض طريق الاصلاح هي المحاصصة الطائفية وطغيان الهويات الفرعية على الهوية. لذا لابد أن ننتقل نحو القطاع الخاص لأنه سيشكل علامة فارقة في مجال تجفيف منابع الفساد الارهاب، العقبة التالية تتركز على الوعي السياسي والاقتصادي للمجتمع والانظمة التي تحكمه، الشيء الاخير أن المجتمع العراقي عاش فترات زمنية طويلة من الاحتلال المتعاقب، هذا مما عزز ثقافة الاستبداد لدى الشعب العراقي وجعله كذلك بعيد كل البعد عن الحقوق السياسية والحقوق الاقتصادية".

 السؤال الثاني: ما هي المقومات اللازمة لتحقيق مواجهة ناجحة في إطار العقبات الموجودة؟

- الدكتور قحطان حسين الحسيني، يرى: "إن المعالجات ممكن أن تتم من خلال اربعة اتجاهات الاتجاه الاول وهو الاتجاه السياسي، والذي من خلاله يجب أن تعمل الحكومة في كل مؤسساتها والدولة بكل سلطاتها لأحداث تغيير نوعي في طبيعة النظام السياسي، ويتمثل بتغيير نظام الحكم والية الانتخاب وإلى اخره من مقترحات، فالنظام السياسي حدد على انه احد العوامل المساعدة على شيوع الفساد والارهاب، الجانب الاخر هو الجانب القانوني وهو مهم جدا أن نفعل السلطة القضائية لتكون سلطة رادعة لكل فاسد ولكل ارهابي، الجانب الثالث هو الجانب الشعبي وهو مهم جدا ايضا فللأسف الجمهور العراقي اصبحت لديه قضية الفساد وقضية الارهاب امرا عاديا وطبيعيا، وهذا بناء على تراكم قناعات سلبية، فمن خلال تغيير هذه القناعات وهذه الثقافة، ممكن أن يكون دور للجمهور قوي وفاعل في محاربة الفساد والارهاب، الجانب الرابع وهو الجانب الاعلامي وهذا مهم ايضا على اعتبار الاعلام سلطة رابعة وهي تستطيع أن تفعل ما لا تستطيع باقي المؤسسات فعله في هذا الجانب، على الاقل وأن كانت لا تمتلك ادوات احالت الفاسدين والارهابين للمحاكم ولكنها تمتلك الية فضحهم على مستوى الرأي العام، خصوصا وأن بعض المفسدين لا يخشى العقوبة بل يتحاشى الفضيحة".

- حسين محمد صادق موسى، "يستفسر عن كيفية مواجهة رئيس الحكومة مفهوم الدولة العميقة خصوصا وهو لا يمتلك الكتلة الاكبر في البرلمان وهو حتما سيتعرض للإقالة، لذا لابد أن يتوفر للسيد رئيس الوزراء الدعم الشعبي الذي يأتي من خلال الاصلاحيات الجوهرية في عمل الحكومة، بالإضافة إلى ذلك لابد على السيد عادل عبد المهدي أن يقنع الدول الاقليمية بمحاربته الفساد حتى يحظى بدعمها، وهذا بطبيعة الحال مع توفر الدعم الشعبي سيرسم خارطة المشهد العراقي اليوم بالطريقة الامثل".

 - الدكتور ايهاب علي. يعتقد: "إن من اهم العقبات هي عندما لا تكون هناك استراتيجية شاملة للقضاء على مسببات الفساد والارهاب فدائما يكون قصور في هذا الاستراتيجية، شريطة أن تكون هذه الاستراتيجية على شكل مراحل وتأخذ مديات طويلة الامد، اولى تلك الاصلاحيات هي الاصلاح المجتمعي الذي يقوم على اعادة ترتيب القيم الاخلاقية والاجتماعية من جديد. الشيء الاخر لابد أن نتفق على الآليات التي يمكن من خلالها النفوذ للإصلاح، لذلك أفضل ما نجده في الاصلاح هو ايجاد دولة المواطنة وأن تكون هناك دولة مدنية، ايضا هناك عامل مهم وهو العامل الديموغرافي لشرائح المجتمع العراقي، فنحن الدولة الوحيدة في العالم التي يوجد فيها مناطق محددة لجهة معينة سلفا".

اضاف على "فعملية التعايش السلمي والانصهار المجتمعي متحققة، وبالتالي هذه أحد الاسباب التي تغذي النزاع الطائفي والاحتقان الطائفي والصراع السياسي، وهذه دائما ما تتضاعف في داخل المجتمع العراقي ولا تؤخذ بنظر الاعتبار. ايضا قضية الاصلاح السياسي وهناك نوعان من الاصلاح فأما يكون اصلاح داخلي جزئي واما شامل، فالجزئي يكون من خلال تعديل الدستور وتعديل قانون الانتخابات وقانون الاحزاب، وهذا الاصلاح ممكن أن يتم لان الاصلاح الشامل يعني تغيير النظام وتعديل النظام. وحلقة الوصول في هذا الموضوع هو المجتمع الذي لابد أن يعبر عن رأيه وأن يكون هو صاحب القرار. والاشكالية الابرز هي ليست في الاقتصاد الريعي وانما في تغيير الدور الاقتصادي لمؤسسات الدولة".

- حيدر الاجودي، يرى: "إن اغلب القوانين المرتبطة بالفساد هي قوانين تفرض عقوبات ولا تعالج الاسباب، فالدولة عندما تريد من المسؤول العراقي ومن المواطن العراقي أن يكون نزيها، وهي لا توفر مقومات نجاح النزاهة لاسيما من خلال اعطاء راتب محترم يكفي للعيش الكريم أو سكن مناسب له ولعائلته، وهذا ما اشار اليه الامام علي عليه السلام في عهده إلى مالك الاشتر حينما قال له (وابذل لهم العطاء)".

- الحقوقي احمد جويد، يعلق قائلا: "(حب الدنيا رأس كل خطيئة) وبالتالي حب السلطة والاستئثار بالسلطة هو رأس وسبب الفساد، فالتجربة ما بعد (2003) ظهر فيها الفساد بشكل علني فمن شرعن لهذا الفساد؟ بالتأكيد الاجابة ستكون متجه صوب المشرع والمسؤول العراقي المؤتمن على هذا المال، إلى جانب ذلك فإن غالبية الفاسدين هم من مزدوجي الجنسية ولا يمكن محاسبتهم، بالتالي نحن اليوم امام مسؤولية تطبيق نموذج من اين لك هذا.

- علي حسين عبيد، يعتقد: "إن تدعيم الجانب الثقافي في المجتمع بشكل عام هو عنصر اساسي في مكافحة الفساد، ولا نعني هنا بالثقافة هي كتابة الرواية الجيدة والشعر الجيد بل لابد أن تكون هناك ثقافة عامة للمجتمع".

- الحقوقي هاشم المطيري، يرى: "أول من حارب الفساد في الدولة هو الامام علي بن ابي طالب عليه السلام حينما حارب فساد بني امية وبدون هوادة، بالتالي نحن نستطيع محاربة الفساد على اتجاهين الاتجاه الاول على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء تقديم مشاريع قوانين لأحراج البرلمان في اصلاح النظام القانوني والانظمة الاخرى، وذلك لأجل اصلاح ذلك الازدواج الهجين اصلاح القوانين الرقابية رفع الاجهزة الرقابية الزائدة، اما محاربة الفساد فعلى السيد(عادل عبد المهدي) أن يكون صادق في محاربة الفساد لان هذه الدورة هي نهاية عمره السياسي، وبالتالي عليه فضح الفاسدين من خلال شيئين الاول الشعب ومحاولة اظهار الملفات الحقيقية، والشيء الثاني هي القيادة الحكيمة المتمثلة في المرجعية،

الشيخ مرتضى معاش، يعتقد: "باننا نحتاج إلى تحرير العقول من الافكار الفاسدة التي تنتج افعال فاسدة، علما أن عقلية الشر وعقلية الغاية تبرر الوسيلة هي اشكالية خطيرة جدا، فالإنسان يستطيع من خلالها أن يفعل أي شيء، فهذه العقلية المريضة لابد من التخلص منها، وهي التي جعلت من صانع القرار وصاحب السلطة يقوم بهذا السلوك. ايضا من متطلبات مكافحة الفساد هو تحمل المسؤولية الاخلاقية. وأن هدف الرسالة المحمدية الخالدة يقوم على النص القرآني القائل (ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم)، لذا فان مكافحة الفساد هي مكافحة النزوات والاستعباد النفسي الذاتي للشهوات وللمال وللسلطة والتحرر منها".

اضاف معاش "ان الحرية الداخلية، او الحرية الانسانية الذاتية هي في تحمل المسؤولية الاخلاقية، وعندما لا تكون لدينا مسؤولية اخلاقية نقود البلد نحو الكوارث كما يحصل الان. والتحرر ينجح من خلال التحرر من سيطرة الدولة على الاقتصاد، والتحول من هيمنة القطاع العام إلى فعالية القطاع الخاص الحقيقي، وليس القطاع الخاص المملوك للدولة بصورة غير مباشرة، كما حصل في مصر فبعنوان القطاع الخاص يحولون الثروة إلى شركات مرتبطة بأناس مرتبطة بالدولة، بالتالي لابد أن يكون هناك فصل كامل، واخيرا العدالة تخلق الفضيلة والفضيلة تخلق العدالة".

عدنان الصالحي، يرى: "أن الحديث عن وجود تشريعات او سن قوانين هذا الامر عفى عليه الزمن، فلدينا من القوانين والتشريعات الشيء الكثير والتي تستطيع أن تقصم ظهر الفساد، لكن في الحقيقة هناك مسلسل لبرنامج يومي يقوم على اكتشاف هيئة النزاهة للفساد ويحال للقضاء والقضاء يتخذ القرار ثم يشمل بالعفو وهكذا دواليك، فهناك برنامج يسمى محاسبة الفساد شكليا، أي أن القوانين ما عادة تجدي نفعا وأن الادوات الموجودة من سلطات رقابية وتنفيذية كلها اصبحت ضعيفة امام آفة الفساد، والسبب لان الفساد اصبح ممزوج مع السياسة وتقوده قيادات وعوائل حزبية، لذا فان المعركة مع الفساد ليست سهلة وهي اشبه ما تكون بمعركة تحرير العراق". اضاف الصالحي، نحتاج إلى جماعات ضغط للضغط على القضاء للخروج من الخوف، بالنتيجة نحن نحتاج إلى ثورة شعبية سلمية وتقود إلى اعتصامات وتكون المدة طويلة، شريطة أن تكون تلك الاعتصامات قائمة على مطالب واضحة وهي محاسبة المفسدين محاسبة فعلية وتجاوز حالة الخدمات لأنها تحصيل حاصل، وفيما إذا وصلنا إلى دولة الدستور ودولة المؤسسات".

حامد عبد الحسين الجبوري، يجد: "أن المجتمع لا يقاس في ظل انخفاض الوعي. وعليه فالفساد مقابل الوعي فكلما يرتفع مستوى الوعي يقل الفساد والعكس صحيح، لذا نحتاج العمل على توعية الشعوب والمجتمع فكريا، حتى نواجه الارهاب الفكري

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2018
www.fcdrs.com

اضف تعليق