الظروف الطبيعية الصعبة في العراق بسبب قلة الأمطار والحرارة الشديدة وقلة الموارد المائية الوطنية إضافة إلى الأراضي الصحراوية تشكّل تحديات بيئية بالغة الصعوبة لأنها ظروف لا يمكن التحكم بها وإنما يمكن فقط التخفيف منها والتكيف معها. وستزداد الأمور صعوبة في المستقبل نتيجة التغيرات المناخية العالمية...
ورقة دراسة موجزة: د. عبد المطلب محمد عبد الرضا
مقدمة:
الظروف الطبيعية الصعبة في العراق بسبب قلة الأمطار والحرارة الشديدة وقلة الموارد المائية الوطنية إضافة إلى الأراضي الصحراوية تشكّل تحديات بيئية بالغة الصعوبة لأنها ظروف لا يمكن التحكم بها وإنما يمكن فقط التخفيف منها والتكيف معها. وستزداد الأمور صعوبة في المستقبل نتيجة التغيرات المناخية العالمية المتوقعة غير الملائمة والتي ستؤثر أيضا على الموارد المائية الوطنية القليلة أصلا مما سيزيد من ظاهرة التصحر وتكرار العواصف الغبارية. ومن هذا المنطلق ينبغي العمل على وضع خطط عملية وإجراءات فعالة للتخفيف من تأثير الظروف الطبيعية من جهة والتكيف مع الظروف المحلية من جهة أخرى.
أولا: التحديات البيئية الناتجة عن الظروف الطبيعية:
أ- الظروف المناخية المحلية والتغيرات المناخية العالمية:
- تقع معظم مناطق العراق ضمن منطقة تتمیز بمناخ قاري أو شبه صحراوي مع قلة الأمطار الساقطة وقلة الغطاء النباتي أو انعدامه وخاصة في المناطق الغربية حيث إن (54%) من مساحة العراق الكلية هي عبارة عن مناطق صحراوية تقل فيها نسبة الأمطار عن (150) ملم سنويا وتبقى المناطق الشمالية والشمالية الشرقية فقط تتمتع بمعدل سقوط أمطار جيدة قد يصل إلى (800) ملم سنويا ولكنها أجزاء صغيرة مقارنة بالمساحة الكلية للعراق.
- إن التغيرات المناخية على المستوى العالمي لها تأثير كبير على الظروف المناخية المحلية فمع تزايد ظاهرة الاحتباس الحراري ستصبح موجات الحرارة على سطح الأرض أكثر شمولية وستكون لها عواقب وخيمة على التنمية الزراعية والاقتصادية والاجتماعية حيث ستنخفض غلة المحاصيل وتشح الموارد المائية في العديد من المناطق ومن ضمنها العراق.
- نتيجة سياسات دول الجوار المائية وظاهرة الاحتباس الحراري وسوء إدارة الموارد المائية بدأت آثار الجفاف بالظهور جليا في العراق في الوقت الحاضر.
ب- محدودية الموارد المائية الوطنية:
- قامت دول الجوار (تركيا، إيران وسوريا) خلال العقود الأخيرة ببناء العديد من السدود على مجاري مياه نهري دجلة والفرات وروافدهما كما قامت بإنشاء العديد من المشاريع الاروائية الزراعية الكبيرة مما أدى إلى انخفاض كميات المياه الواصلة إلى العراق من خلال هذه الأنهار والى جفاف مساحات واسعة من الاهوار والأراضي الرطبة والأراضي الزراعية.
- انخفضت كميات المياه الواصلة كثيرا ومن المتوقع أن تنخفض أكثر مستقبلا بسبب المشاريع الاروائية لدول الجوار. فقد بلغ مجموع كميات المياه الواصلة للعراق عن طريق دجلة والفرات وروافدهما (83) مليار متر مكعب عام 1981 انخفضت إلى (79) مليار متر مكعب عام 1992 ثم إلى (54) مليار متر مكعب عام 2002 لتصل إلى (32) مليار متر مكعب عام 2009 وهو من الأعوام الشحيحة والقليلة الأمطار التي مرت على العراق.
- أشار موقع الأمم المتحدة بخصوص العراق (لمحة عن العراق) في 4/4/2018 إلى إمكانية تعرض نهري دجلة والفرات إلى الجفاف بحلول عام 2040 إذا استمر الحال على ما هو عليه الآن ولم تتخذ الإجراءات المناسبة.
- قلة المياه ستؤثر بشكل مباشر على القطاع البيئي والزراعي والصحي وعلى الحالة الاقتصادية والاجتماعية والى ترك الكثير من المزارعين والفلاحين لأراضيهم والتخلي عن مهنة الفلاحة لحساب مهن أخرى والنزوح من الريف إلى المدن القريبة وانعكاس ذلك كله على البيئة والأمن المائي والغذائي وبالتالي على الأمن الوطني.
ج- التصحر والعواصف الغبارية:
- تم تسجيل حدوث (24) عاصفة ترابية خلال عام 2008 مقارنة بحوالي (9) عواصف ترابية عام 1990 فضلا عن تسجيل مدة زمنية للعواصف اقتربت من (4) أيام متتالية وتزايد حالات انخفاض مستوى الرؤية إلى ما دون (5) أمتار.
- انتشار الصحاري الجرداء وتأثر العراق بالظواهر المصاحبة للتغيرات المناخية وازدياد معدلات الجفاف وزيادة حرارة الجو وقلة تساقط الأمطار عوامل كلها ساعدت على زيادة وتيرة العواصف الغبارية.
- أدت الحروب والعمليات العسكرية العديدة إلى تفكك الطبقة السطحية من التربة وتدهور الغطاء النباتي مما ساعد على سهولة إزالة الهواء لدقائق التربة السطحية ونقلها.
- إن شح المياه وتقلص المساحات المزروعة والمراعي الطبيعية تؤدي إلى جفاف سطح التربة وتفككها وسهولة تعريتها بواسطة المياه والرياح كما إن اختفاء النباتات الطبيعية يؤدي إلى زيادة ظاهرة التصحر وزيادة العواصف الرملية والترابية التي تسبب تلوثا خطيرا للبيئة وتدمر النظام البيئي وتؤثر على الحياة الصحية والنشاط الاقتصادي والنقل التجاري والإنتاج الزراعي.
- تعتبر العواصف الغبارية ناقلا للملوثات الصناعية الناتجة عن أدخنة المصانع والورش وعوادم السيارات حيث تعتبر العواصف الغبارية من أكثر العوامل فاعلية في نقل الملوثات والبكتريا والفيروسات المعدية.
- تنذر ظاهرة العواصف الغبارية بالكثير من الحالات الصحية الخطيرة حيث تؤدي إلى زيادة حالات الإصابة بالأمراض التنفسية وأمراض حساسية القصبات الهوائية والرئتين والجلد والعيون إضافة إلى التسبب بارتفاع ملحوظ في الحوادث المرورية على الطرق الخارجية.
ثانيا: المقترحات والحلول:
- نظرا لقلة الواردات المائية الوطنية والظروف الطبيعية غير الملائمة ينبغي تبني إدارة كفوءة وفعالة وتصور رؤية إستراتيجية ووضع خطة عمل جادة لغرض صيانة الموارد المائية المتوفرة والمحافظة عليها من التلوث والفقد والإسراف.
- القيام بتحلية المياه المالحة سواء أكانت مياه المبازل أو مياه الخليج العربي ومعالجة مياه الصرف الصحي حسب الضوابط والتشريعات البيئية إضافة إلى الاهتمام بالتقنيات الحديثة كالخزن الجوفي للمياه والاستمطار الصناعي وسدود حصاد المياه وغيرها لسد جزء من الاحتياجات المائية.
- نظرا لكونه القطاع الأكثر استهلاكا للمياه ينبغي على القطاع الزراعي مواكبة التطورات التقنية الحديثة في وسائل الري والاستخدام الرشيد للأسمدة والمبيدات وتطوير واختيار المحاصيل المقاومة للجفاف والملوحة ورفع مستوى الوعي لدى الفلاحين بمشاكل شحة المياه عموما والمخصصة للري بشكل خاص.
- الإكثار من إنشاء الأحزمة الخضراء حول المدن وريها بمياه الصرف الصحي المعالجة وإيجاد الوسائل الملائمة لتثبيت الكثبان الرملية للتقليل من هبوب العواصف الغبارية.
- بناء القدرات وإعداد الكوادر الكفوءة في مجال حماية البيئة وصيانتها وتوفير جميع مستلزمات القيام بعملهم من تدريب وتشريعات وقوانين وسلطة فعلية وتوفير التكنولوجيا والأجهزة الحقلية الثابتة والمتنقلة وتطوير قاعدة البيانات البيئية.
- ضرورة التعاون الدولي في مجال مكافحة ظاهرة التصحر والعواصف الغبارية وتنسيق الجهود مع الدول المجاورة لكون ظاهرة التصحر والعواصف الغبارية ظاهرة عابرة للحدود.
- وضع خطة وطنية للتخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية المتوقعة في جميع المجالات التي لها علاقة بالمياه.
ملاحظة ختامية:
إن ما ذكر في الأجزاء الخمسة من تحديات لا تمثل جميع التحديات البيئية التي تواجه العراق والعراقيين وإنما تمثل التحديات الكبيرة التي تمتد على مساحات واسعة والتي يهتم بها الرأي العام وتمس واقعهم الحياتي مباشرة. وهناك تحديات أخرى ولكنها تخص مكون من مكونات البيئة الذي لا يشعر به المواطن العادي كالتأثير على التنوع الحيوي واختفاء أنواع من الكائنات الحية أو وجود تحديات تخص مناطق محددة مثل الغوارق في شط العرب ومشكلة الألغام في بعض المناطق الحدودية، إضافة إلى التحديات التي تخص الجميع ولكننا نمر عليها مر الكرام من دون إعطاءها ما تستحق من الاهتمام والشعور بالمسؤولية مثل تدهور منظومة التعليم لجميع المراحل وتدهور خدمات القطاع الصحي والسكراب والمخلفات المشعة وانتشار أبراج الاتصالات والتلوث الضوئي في مراكز المدن وخاصة بغداد، والتلوث البصري وخاصة بمناسبة الانتخابات، والتلوث الثقافي في وسائل الإعلام وغيرها …، ولهذه التحديات حديث آخر.
اضف تعليق