إنسانيات - تعليم

مفهوم السياسة التعليمية

إن النظام التربوي الجديد يجب أن يرتكز على ركائز تربوية جديدة تســاير المتغيــرات السياســية والاقتصادية والاجتماعيــة والفكريــة والثقافيــة، إذ إن التربيــة وســيلة مهمة من وســائل تغيير المجتمع. ومن هنا تنبع أهمية تفاعل النظــام التربــوي والتعليمــي مع بقيــة النظــم الاجتماعية والاقتصادية والسياســية...

توصف السياسة التعليمية بأنها حزمة من التشريعات والقرارات والضوابط، التي تنظم العمل التربوي، وتحدد مسيرة العملية التربوية واتجاهاتها وتأثيرها في المجتمع، لتحقيق رؤية جديدة لأبنائه تتكيف مع معطيات التقدم العلمي، وعادة ما تصدر عن جهات عليا في السلطة التنفيذية، على ان تكون هذه القرارات والضوابط قابلة للتنفيذ وملائمة للعمل بموجبها من قبل العاملين، وقــد تتجلــى في صــور تشــريعات، وأن تكون علــى خط من العمومية والثبات وتتضمن توجيهات رئيسة لحركة النظام التربوي.

ولعل أهم ما يميز السياســة التربوية أن تســتند إلى فلسفة تربويــة تتجلــى فــي مــا يعتمد مــن أهــداف عامــة للتربية والتعليم، وتســعى للتعبير عنها مع ما قد يتطلبه الواقع. كما يجب ان تتكامل السياســة التربوية مع الفلسفة الاجتماعية العامة، ومطالبــات القطاعات المختلفة في المجتمع، متمثلة فــي الأصالــة الثقافية وفــي التنمية الشــاملة، وان تجد في مستوى التخطيط والإدارة سبيلا ً لتحقيقها.

وتعــد السياســة التعليميــة مفصــلا رئيســياً مــن مفاصل السياســة العامــة للدولــة، ومــن أبــرز متطلبــات النهوض بالنظــام التربوي والتعليمي في أي بلد يحاول اللحاق بركب عجلــة التقدم، ومواكبة ثورة المعلومات التي يشــهدها عالم اليوم، وتعكس السياســة التعلمية عــادة توجه الدولة بكل ما تعنيه من نظم وقوانين وضوابط يتحدد على ضوئها رســم السياســة المتبعة في مجال التربية والتعليــم.

ومن البديهي أن نجــد ذلــك الترابــط العضــوي بــين النظام السياســي والأيديولوجي، الذي تتبناه الدولة والسياسة التعليمية التي ينتهجها ذلك النظام. ومهما كانت طبيعة النظام التربوي، الذي تتــولاه الدولة فإنه لا يخلو من سياســة تربوية ترســم اتجاه مسيرته، وهذا يتطلب ان يكون لتلك السياسات هدف واضح وصريح على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وأن توضــع له أهداف تربوية عامة منها، تحقيق احتياجات المجتمــع ومتطلبات التقدم الثقافــي والعلمي في البلاد، مع مراعــاة التفاعــل والتأثر بالتقــدم العلمــي والثقافي الذي يشــهده العالم، وأيضا مراعاة المرونة بحيث تكون الخطط الموضوعــة قابلــة للتطبيق، علــى اعتبــار أن التربية تتصل اتصالا ً وثيقاً بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلاد، فالسياسة التربوية تتأثر بمرحلة التطور الاجتماعي التي يمر بها ذلك المجتمع.

ومن أجل ممارســة التربية على أســس علمية سليمة كان لا بد مــن التخطيط لها ســواء على المدى القريــب أم البعيد، وهذا يعني وضع اســتراتيجية تربوية يتوافر فيها الشــمول والتكامــل والمرونة. وهذه الأســتراتيجية فــي مراتب ترتيب الأمــور تقــع وســطاً بــين السياســة وبــين الخطــة، وتـعنى بالمســارات الرئيســية للعمــل، وتراعي فيه الواقــع لتحركه نحــو أهــداف المســتقبل، وتكون قابلــة للتفصيــل بالخطط والبرامج. ويتألف إطارها العام من دراسة مجملة للمجتمع فــي تأريخه الطويل، وفي ضوء أحوالــه الحاضرة وتطلعاته نحو المستقبل.

ولا يكفي وضع سياســة تربوية لتجديد التربية بذاتها وإنما الأمر يتعداها إلى التحديد الشامل للتربية في نطاق التنمية الشــاملة، مؤكــداً بذلك على صلــة نظام التربيــة والتعليم بالأنظمــة الأخرى فــي مجتمعها وتفاعلها معــاً وتأثرها بها وتأثيرها فيها باستمرار.K وتســعى الاستراتيجية التربوية أيضــاً إلــى الاعتماد على الإنســان محــورا وأداة وغاية، وتنطلق في مجالات التربية والتنميــة الشــاملة على الســواء.

وهذا يتطلب مــن الجهات التربويــة والدوائــر المعنيــة أن تعمل في سياســتها التربوية علــى الموازنــة بــين متطلبــات المجتمــع وإمكانياتــه وبــين الأهــداف التربويــة، وتؤكــد فيهــا ضرورة رســم سياســة تعليميــة، حيــث إن التعليم أحــد مقومات التنمية الشــاملة وحتميــة تطويــره بصفة مســتمرة، لأنــه من معاييــر القوة والنفــوذ والبقــاء للدولــة، وذلــك للتغيــرات الاجتماعيــة والاقتصاديــة وضرورة مجاراتهــا، وألا يكون ذلك مقتصراً على التربويين فقط.

بل يجب أن تســهم فيها كل القطاعات السياســية والاقتصادية والمجتمعية، لأن السياسة التعليمية تعتبــر موجهــة للتعليــم العــام والبنيــة الهيكليــة للتعليــم، والمناهــج الدراســية، وتدريــب وتأهيل المعلمين والمدرســين والإدارة والتمويــل والتخطيــط والبحــث والتطويــر، والتعــاون مــع المنظمــات الدولية وفــق منطلقــات وأهداف محددة.

لــذا فإن النظام التربوي الجديد يجب أن يرتكز على ركائز تربوية جديدة تســاير المتغيــرات السياســية والاقتصادية والاجتماعيــة والفكريــة والثقافيــة، إذ إن التربيــة وســيلة مهمة من وســائل تغيير المجتمع. ومن هنا تنبع أهمية تفاعل النظــام التربــوي والتعليمــي مع بقيــة النظــم الاجتماعية والاقتصادية والسياســية، والتي يجب تتضافر في ما بينها في إطار ســعي المجتمــع لتحقيق أهداف التنمية الشــاملة.

وبطبيعــة الحــال فــإن أي إجــراء إصلاحي يتخــذ في هذا الجانب، لا بد أن يســتند إلى سياســة تعليمية تعتمد فلسفة تربويــة واضحة، لكي تتبلور هذه الإجــراءات إلى معالجات موضوعيــة. فالسياســة التعليمية في كل الأحوال تترجم السياسة العامة التي تنتهجها الدولــة، وتعمل على تحقيق طموحات وأهــداف محــددة، من خــــلال برامــج التـربية والتعليــم.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق