أسواق الطاقة العالمية ستبقى مهددة بالمخاطر الاقتصادية والجيوسياسية حتى انتهاء الحرب الروسية الاوكرانية وتداعياتها العالمية، وخصوصا مع اعادة رسم خارطة الطاقة وفقا لاعتبارات ومصالح جديدة. مع ذلك، يجب الاعتراف باحتفاظ الاسواق النفطية بقدر جيد من التفاؤل والكفاءة في التعامل مع الأزمات الاقتصادية الدولية الطارئة، وستسهم الإجراءات التي تم...

تشهد اسواق النفط العالمية تراجعا ملحوظا منذ بداية شهر اذار مارس نتيجة مخاوف انزلاق الاقتصاد العالمي الى ركود عميق بعد انهيار بنك سيليكون فالي في الولايات المتحدة والاستحواذ الطارئ على بنك كريدي سويس من جانب البنك المركزي السويسري واضطراب القطاع المصرفي المتشابك عالميا. وقد فسرت اسعار النفط تلك المخاوف بتراجع عقود خام برنت الى أكثر من 15% بعد اجماع التوقعات على هبوط قريب لمعدلات الطلب العالمي على النفط. ووصلت اسعار خام برنت الى دون 70 دولار في بعض الاحيان في اشارة الى حساسية الاسواق والوضع الاقتصادي العام لأي صدمة جديدة.

العوامل الضاغطة على اسواق النفط العالمية

قادت جملة من العوامل اسعار النفط مؤخرا الى معدلات لم تشهدها اسواق النفط منذ ازمة كوفيد-19، ويمكن حصر أبرز تلك العوامل بما يلي:

1- مخاوف تكرار الازمة المالية العالمية 2008 بسبب انهيار بنوك تجارية كبرى لها ارتباطات مالية وثيقة بالنظام المالي العالمي.

2- وجود ركود اقتصادي كامن في بنية الاقتصاد العالمي بسبب اختيار البنوك المركزية، وبالأخص الفيدرالي الامريكي، هدف مكافحة التضخم عبر رفع اسعار الفائدة، على حساب تحفيز الاقتصاد، للسيطرة على ارتفاع الضغوط التضخمية التي سادت العالم منذ العام 2022.

3- تسويق النفط الروسي الى اسواق الهند والصين واسيا بما يقل عن 20 دولار عن اسعار النفط العالمية، في بعض الاحيان، كسياسة لمواجهة العقوبات الغربية، واتساقا مع الحرب السعرية المندلعة بين روسيا والغرب منذ قرابة العام.

4- انتشار اللايقين بين المستثمرين في اسواق العقود الآجلة للنفط الخام وتحولهم صوب ملاذات آمنة، الذهب بشكل خاص، زاد من الضغوط على اسعار النفط الخام.

5- مخاوف من حدوث تخمة في اسواق النفط الخام نتيجة اشارة وزيرة الطاقة الامريكية جنيفر جرانهولم الى التريث عن شراء النفط الخام لمليء احتياطي النفط الاستراتيجي الامريكي الذي تم استنزاف جزء كبير منه مطلع العام الماضي لتعزيز الاسواق بالنفط الخام وتهدئة اسعار النفط التي وصلت الى أكثر من 120 دولار للبرميل.

6- إغلاق مصافي فرنسية وارتفاع مخزونات النفط الخام بسبب امتداد الإضرابات إلى موانئ النفط الرئيسة احتجاجا على خطط الحكومة إصلاح نظام المعاشات التقاعدية.

7- توقعات بنك جي بي مورجان بأن تشهد اسواق النفط فائضا في المعروض خلال الشهرين المقبلين بسبب نمو مخزونات النفط العالمية.

العوامل الداعمة لأسواق النفط العالمية

في مقابل العوامل الضاغطة على الاسعار، توجد وفرة من العوامل التي تدعم اسواق الطاقة وترشح الاسعار للتعافي قريبا، اهمها:

1- لم تدخل اسواق النفط دائرة الخطر المستدام كما يعتقد البعض، اذ توجد العديد من المؤشرات التي تحفظ توازن الاسواق، لعل من أهمها توقعات نمو الطلب العالمي على النفط بمقدار مليوني برميل يوميا هذا العام بفضل العودة القوية للاقتصاد الصيني ونشاط قطاع النقل الجوي الذي يفوق مخاطر بقية القطاعات.

2- نجاح الجهود الامريكية والدولية التي بذلت لتفادي تداعيات الأزمة المصرفية وتطويق انتشارها عالميا، وهو ما يعني استبعاد حدوث انهيارات اخرى في أسعار النفط وكل موارد الطاقة الأخرى.

3- مراقبة تحالف اوبك+ لتحركات الأسعار استعدادا لعقد اجتماع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة في نيسان/ أبريل القادم. وتتوقع بعض الدوائر الاقتصادية الخروج بتوصيات لصالح إجراء تخفيضات إنتاجية أوسع لدعم الاسواق إذا ما استمرت أسعار النفط الخام بالتراجع دون المعدلات التوازنية.

4- تسود اسواق النفط حالة من التفاؤل بانتهاء تداعيات الاضطراب المصرفي، واستبعاد الدخول في ركود اقتصادي عالمي حاد مشابه لما حدث في اعقاب الازمة المالية العالمية عام 2008.

5- تواجه العديد من دول أوبك صعوبات في زيادة الإنتاج بسبب مشكلات إنتاجية وتشغيلية، ما جعل الإنتاج أقل من حصتها الفعلية. كما أن الطاقة الاحتياطية لـدول أوبك منخفضة نسبيا وهو ما يضيف علاوة مخاطر على الأسعار.

6- كشفت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية عن ارتفاع صادرات الخام والمنتجات المكررة إلى مستوى قياسي بلغ 12 مليون برميل يوميا، وهو ما يعزز الطلب على النفط وسلامة الاسواق.

الاسواق واتجاه الاسعار

لا شك ان أسواق الطاقة العالمية ستبقى مهددة بالمخاطر الاقتصادية والجيوسياسية حتى انتهاء الحرب الروسية الاوكرانية وتداعياتها العالمية، وخصوصا مع اعادة رسم خارطة الطاقة وفقا لاعتبارات ومصالح جديدة. مع ذلك، يجب الاعتراف باحتفاظ الاسواق النفطية بقدر جيد من التفاؤل والكفاءة في التعامل مع الأزمات الاقتصادية الدولية الطارئة، وستسهم الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل الولايات المتحدة وسويسرا في الحد من تداعيات ازمة البنوك.

ويساعد ايضا استئناف الصين لنموها ونشاطها الاقتصادي في تحسين اسعار النفط خلال الشهور القادمة وفقا لأساسيات السوق. كما ان اسواق الطاقة اعتادت على تدخل تحالف اوبك+ كمنتج مرجح يحافظ على توازن الاسواق إذا ما تراجعت الاسعار الى دون المعدلات التوازنية لوقت طويل، وقد يدفع استمرار تراجع اسعار النفط الى تقليص الإمدادات خلال اجتماع تحالف "أوبك +" في نيسان /أبريل المقبل.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2023
www.fcdrs.com

اضف تعليق