كبرت حسناء واصبحت شابة وعروس يفخر بها من حولها، فقد رباها ابواها على حسن الخلق والصفات الحميدة.

فهي الابنة الوحيدة من بين خمسة اخوة، لكنها كانت الام الثانية لهم على الرغم من انها لم تكن اكبرهم، اخبرتها والدتها مرارا بأنها ووالدها لطالما تمنيا أن يرزقا ببنت اخرى، لكن شاء القدر أن تبقى البنت الوحيدة لهم.

نشأت وتربت حسناء على خطى ومنهج الرسول "صلى الله عليه واله وسلم" فاتباع صفات الرسول واخلاق الرسول وتضحياته كان لها خطا واضحا لا حياد عنه، فمن معرفة دوره العظيم "ص" في انقاذ الناس من الشرك والضلالة والجهل والتخلف، وانتشالهم من الضياع، بعد ان كانت عبادة الاصنام والاوثان همهم الشاغل، فأخرجهم من ذلك الضلال الى النور بعبادة من لم يلد ولم يولد.

وكيف ساهم في تفنيد العادات الجاهلية السيئة كوأد البنات والتي كانت تعتبر من أصعب واهم المسائل الانسانية التي كانت متفشية بينهم، فتعمقت حسناء في كل ما سمعته وقرأته حتى اصبحت انسانة أقرب ما تكون للروحانية من شدة تأثرها بالرسول والصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام.

في بيتهم المملوء ألفة ومودة ومحبة، كان لصوتها ورأيها تأثيرا فهي نصف المجتمع، وحقها في ذلك محفوظ، لكن سرعان ما تبدلت الاحوال، فارتباطها بشخص اكتشفت بعد زواجها منه بأن افكار الجاهلية لازالت تنبض في داخله ويعيشها الى هذا العصر، لكن فات الاوان فالطفل الاول مقبل، والخوف من ردة فعل زوجها جعلتها تدعو في كل وقت وحين بأن يولد لها مولود ذكرا... لكن شاء القدر ان تولد ابنتهم الاولى، لتكون صعقة للأب، وليبدأ الحزن بمداهمة حياة حسناء، لا اعتراضا على مشيئة الله فسبحانه يعلم ما يرزق، ولم يرزق، وكيف يرزق، فهو العليم القدير، لكن سوء معاملة الاب للطفلة جعل الحزن يأخذ نصيبه من حياتها.

لم تنفع محاولات الام في اصلاح هذا الحال، على الرغم من كونها انسانة مثقفة وواعية، ففي بيت زوجها تعتبر خادمة وعبدة لا زوجة... تغيرت الاحوال قليلا عندما علم الزوج بحملها الثاني، لكن هذه المرة طلب منها ان تعلم ما جنس الجنين، وبالفعل ذهبت معه لتتعرف على جنس جنينها، فشاءت الرحمة والعطف الالهي ان يكون الجنين ذكرا، فرحت حسناء بهذا الخبر لم يسعها قلبها ولا تعبير وجهها، فقد ضنت من شدة تزمت زوجها وعجرفته انها لن ترزق بمولود ذكر في حياتها قط، لكن رحمة الله اوسع واشمل.

فكرت في تلك الاثناء بأن تخفي امر جنس الجنين عليه او تخبره بأنها بنت اخرى، ارادت بذلك حسناء ان توصل فكرة لزوجها بأن الرزق من الله فلا داعي للتزمت، كانت تظن بذلك أنها يمكن ان تزيح عن دماغه لوهلة ستار الجهل القديم، لكن حساباتها باءت بالفشل، فالأدمغة المتحجرة لا تلين بين يوم وليلة.

والرسول محمد "ص" كان يدعو من حوله مرارا وتكرار، وبشتى الطرق ترهيبا وترغيبا، سرا وعلنا، على الرغم من ذلك لم يستجب جميع من حوله لدعوته، ولم يتأثر اغلب متزمتي الرأي في ذلك الوقت.

عندما اخبرت زوجها بأنها تشك بأن المولود انثى، اخذ يصرخ غاضبا، مما جعل جميع من في العيادة يلتفت اليه، وبدأ يتلفظ بكلمات بذيئة اثرت في حسناء كثيرا، فأخذت دموعها تملأ عيونها فتتساقط نحو الارض في حياء مما يفعله زوجها، لكن ثورة الغضب لم تنتهي بعد، فالزوج الغاضب امسكها من يدها واراد صفعها لكنها تنحت جانبا فسقطت من على سلم العيادة لتحتضنها الارض بذراعيها.

لم تكن هذه المرة الاولى التي تحتضنها الارض، لكن في المرات السابقة كانت الارض احن واعطف فلم تؤذيها ولم توجعها، بل كانت تساندها لتخفف من وقع الضرب، لكن خانتها هذه المرة، وها هي حسناء تجلس على كرسي متحرك فسقوطها سبب لها شللا في الحبل الشوكي.

اما جنينها الذكر فلم يقدر له الحياة فقد وئِدَ هذه المرة بدلا من الانثى...

تقول حسناء نحتاج في بعض الاوقات الى حدوث شيء مفاجئ في حياتنا اشبه بثورة او صفعة قاسية لتسهم في تغيير الواقع.. وهذا ما حدث لزوجي فما حصل أثر فيه كثيرا، فتبدلت سلوكياته وافكاره، وتغيرت تصرفاته اتجاهي واتجاه ابنته، وهذا ما كنت اطمح اليه دائما، قد تسلبنا الحياة في بعض الاحيان اشياء قيّمة لكن تستبدلها لنا بأخرى أفضل منها وهذا ما حصل.

فعلى الرغم من إعاقتي لكنني مُنحتُ فرصة العودة للحياة من جديد، بعد ان فقدتها منذ زواجي الى لحظة سقوطي من على السلالم.

اضف تعليق


التعليقات

عطر الياسمين
العراق
رووعة2015-12-28