q
إدارة الأزمات في الحكومات هي عموماً العملية التي تتعامل بها الحكومة مع حدث كبير يهدد بإلحاق الضرر بالدولة ككل او شريحة كبيرة من ابناء الشعب أو أصحاب مصلحة معينة او قطاع مهم مثل القطاع النفطي للعراق على سبيل المثال لا الحصر...

إدارة الأزمات في الحكومات هي عموماً العملية التي تتعامل بها الحكومة مع حدث كبير يهدد بإلحاق الضرر بالدولة ككل او شريحة كبيرة من ابناء الشعب أو أصحاب مصلحة معينة او قطاع مهم مثل القطاع النفطي للعراق على سبيل المثال لا الحصر.

اذ نشأت عملية دراسة إدارة الأزمات في الغرب بسبب حدوث الازمات الصناعية والكوارث البيئية خصوصاً في ثمانينيات القرن الماضي. ويمكن القول إنّ هناك ثلاثة عناصر ملازمة لأي أزمة، اولها تهديد خطير للدولة وسلامة إدارتها، وثانيها عنصر المفاجأة المرافقة للازمة، وأخيرا الإدراك بأنّ وقت القرار قصير، وعليه فإنّه في وقت الأزمة، من المهم للغاية اتخاذ القرارات بسرعة حتى مع حالة عدم توفر المعلومات بشكل كامل.

هنا تأتي أهمية معرفة آليات او أداة صنع القرار لمساعدة صانعي القرار على تحليل وتقييم المشكلات للأزمة مع تحديد تداعياتها، ومن ثمّ أهميتها وخطورتها واتخاذ الإجراءات التنفيذية، ومن ثمّ المتابعة المناسبة للتأكد من الانتهاء من الازمة.

 وعموماً يصنف إطار الأزمات إلى أربعة أنواع - بسيطة وصعبة ومعقدة وفوضوية - ومع كل نوع يتطلب استجابات ومعالجات مميزة عن بعضها بعض. وهناك نوع من الازمات ولعل أخطرها هي الأزمات المعقدة ذات الخصال الشريرة او الخبيثة (لا نتحدث هنا عن البعد الأخلاقي بل عمق الضرر نتيجة الأزمة). اذ انها ستؤدي إلى مشكلة ليس لها حل بسيط؛ وذلك لان الطبيعة الدقيقة للمشكلة لا يمكن تعريفها بسهولة.

وعادة ما توجد المشكلات الشريرة او الخبيثة في البيئات المعقدة، حيث يحصل تزامن واختلاط من تعدد الأطراف المسببة للمشاكل، فضلا عن تعدد المشكلات وتشابكها مما يجعل موضوع تحديد الحلول بدقة أمرًا صعبًا للغاية. التعقيد كظاهرة يعني شمولها على مكونات متعددة في شبكة كثيفة من التفاعلات أو العلاقات، إذ تكون علاقة السبب والنتيجة غير واضحة أو قابلة للتكرار بشكل دائم.

والنظم المعقدة غالبًا ما تكون ذاتية التنظيم، تظهر أنماطاً وسلوكيات جديدة لا يمكن التنبؤ بها مسبقاً او عن طريق فحص الأجزاء المكونة للنظام كل على انفراد. وكذلك تتميز الأنظمة المعقدة أيضًا بعدم الخطية في تمددها، أي تكون التغييرات عشوائية و/أو مترابطة، ولا تتبع نمطًا تدريجيًا ومنظمًا. عموما لا يمكن فهم الكوارث في الأنظمة المعقدة وتمييزها وفهمها إلا بعد حدوثها، وعادةً لا يمكن تكرارها وعليه ستكون ظاهرة جديدة.

وعليه فليس من الحكمة أن يبني صانعو السياسة خططهم بالكامل على الاستقراء من التاريخ، على الرغم من أن التفاعلات في نظام معقد قد يكون لها منطق وخصوصاً بعد تقييم الحدث، إلا أنه لا يوجد يقين من أن تسلسل التفاعلات التي تؤدي إلى نتيجة معينة قد تم فهمه تمامًا، أو يمكن تكراره في المستقبل.

وكونها معقدة تعني ايضاً عدم وجود حل واحد أو نهائي، والحلول الفردية لا يمكن ان ينظر لها على انها حلول صحيحة أو غير صحيحة بشكل قاطع، ولكنها هي الأفضل اعتماداً على السياق ومن يقوم بتقييم الحل. ففي الازمة السياسية العراقية الحالية مثلاً يتضح من النقاش المستمر حول طبيعة الحكومة المقبلة من ان أصحاب المصلحة المتعددة يتعاملون مع القضية بمصالح وقيم ومنطلقات مختلفة، وعليه نرى صعوبة الاتفاق على حل.

ومع الازمات المعقدة لا توجد طريقة واضحة لتحديد ما إذا كان الحل المطبق قد حل مشكلة بالكامل او بشكل جزئي، اذ من المحتمل أن الحلول المقترحة قد لا يمكن تقدير نتائجها في حينها، او انها قد تؤدي الى نتائج لم تكن بالحسبان نتيجة تفاعل التأثيرات المختلفة مع بعضها البعض، وهذا ما لاحظناه بعد حين من معركة العراق مع احتلال عصابات داعش الارهابية لمساحة كبيرة من أراضيه. وكمثال آخر اذا شخّصنا ان الزيادة السكانية في العراق لا تمر بمحددات إدارة مجتمعية او تنظيم تنموي بناء، فعليه سنحتاج الى إدارة هذا التعقيد بديناميكية مرنة، تلك التي تشير إلى الحالات التي تكون فيها السببية خفية والآثار بمرور الوقت غير واضحة، وعليه من الصعوبة وصف العلاقة بين التغيير الديموغرافي السكاني والتحديات التي تطرحها على المدن الكبيرة مثل بغداد. فقد تكون هناك عوامل إضافية لم يتم تحديدها او دراستها، مثل التغييرات التكنولوجية أو سياسات القوى العاملة والحاجة لها من عدمه..الخ.

 ولعل من أهم سبل معالجة الازمات المعقدة هي إدارة المخاطر المتكاملة للحكومة كوحدة متجانسة. اي أنّه يركز على المخاطر الاستراتيجية التي تؤثر على أكثر من وزارة او مؤسسة مهمة للدولة، وعلى سبيل المثال التغييرات غير المتوقعة مع احتلال عصابات داعش الارهابية للأراضي العراقية، والترابط بين أجزائها (مثل مؤسسات، مجالس محافظة، هيئات مستقلة، منظمات دولية، قوات غير عراقية، قوات عراقية أمنية مختلفة .. الخ)، وهنا من الضروري ان يقيم كيف يمكن أن تكون للمخاطرة التي تواجه جزءا معينا آثار غير مباشرة على الاجزاء الأخرى. وشاهدنا في هذا العام ايضا كيف ظهر الأثر الإيجابي على المواطن عندما تعاملت الدولة والأطراف الأخرى كجسد واحد مع تهديدات الفيضانات نتيجة الزيادة غير المتوقعة مع الأمطار.

أخيراً نقول من خلال هذا النهج العلمي العملي البناء، يجب ان يتم تقييم المخاطر عند الأزمات المعقدة على المستوى الوطني في عملية شاملة للحكومة تشمل جميع الوزارات والاطراف الرئيسة. تعطي هذه العملية الأولوية لأنواع مختلفة من المخاطر، وتحدد أصحاب ومسببات المخاطر، والفجوات في الإدارة وكذلك في النهاية تساعد على بناء ثقافة مشتركة للتوعية بالمخاطر والتواصل مع جميع أطراف الحكومة واذرعها. وهنا نختم بالقول إنّنا نواجه الان أزمة سياسية معقدة ومتداخلة تحتاج من الحكومة والقوى المتعاطية معها (أحزاب، مرجعية، دول مؤثرة، يونامي، متظاهرون..الخ) في النظر للأزمة كحالة معقدة، ومن ثم البحث عن حلول، من منطلقات عملية وعلمية مؤثرة وليست عشوائية، بعد تفكيك أبعادها بحكمة.

اضف تعليق