نجد من الضروري جدا أن تكون مشاركتنا فعالة في انتخابات مجالس المحافظات، من أجل التغيير المنشود أولا، ووضع حد للفساد والفاسدين ثانيا، وولادة طبقة سياسية جديدة تكون قادرة على تحمل المسؤولية، خاصة أن مهام مجالس المحافظات اقتصادية تنموية بالدرجة الأولى، وليست سياسية كما يتصور البعض...

بدأت الحملات الانتخابية لمرشحي انتخابات مجالس المحافظات بشكلها غير الرسمي، عبر آلاف الصفحات في الفيسبوك تحت مسمى (إعلام المرشح فلان الفلاني)، وهذا يعني إن هذا المرشح الذي عادة ما يكتب أنه (مستقل) منعا للإحراج أمام الناس من إعلان انتمائه لهذا الحزب أو ذاك، والسبب الأداء الضعيف جدا للأحزاب، سواء في المحافظات أو الحكومة الإتحادية، لهذا سنجد أعداد المستقلين في الإنتخابات أكثر من السابق. لكن هؤلاء (المستقلين) إن فازوا سنجدهم في أحزابهم الأصلية، يتكتلون من أجل تقاسم المناصب كل داخل محافظته.

بالعودة للحملة الانتخابية، التي عادة ما تسبق موعدها، لن يجد المرشح ما يقوله بعد كل الذي قيل في الانتخابات السابقة، لم يعد (السبيس) مادة مغرية للناخب، الذي زاد طموحه ليصل إلى مرحلة كهرباء بلا قطع مبرمج أو عشوائي، ومدارس ملائمة للجيل العراقي، ومستشفيات مكتظة بالدواء والأجهزة الطبية وصالات العمليات، بدلا من الذهاب إلى الهند أو كردستان العراق للعلاج، أو وادي السلام كمستقر أبدي لمن لا يملك ثمن العلاج.

حتى شعارات وتهديدات الحرب على الفساد باتت مستهلكة وغير مقنعة للناخب العراقي، الذي وجد إن من الصعوبة والاستحالة أن يحارب الفساد نفسه ويقضي عليه، خاصة إن الفساد تعدى الآن حدود المال العام والمشاريع، ليصل إلى المال الخاص وأرزاق الناس ومشاركتهم ما يحصلون عليه من عملهم اليومي. وإن نسبة الفساد في دوائر الدولة تزداد، رغم وجود المدراء العامين في (الاستعلامات)، كما تشير الصور المنشورة لهم في مواقع دوائرهم والغاية لتسهيل معاملات المواطنين، لكن هذا المواطن يصدم في نهاية الأمر، ولا تنجز معاملته حتى وإن أتبع كل التعليمات الوزارية يبقى هنالك خلل ما لا أحد يعرفه إلا أصحاب الشأن.

هنا نريد القول إن المواطن العراقي اليوم أصبح خبيرا في الانتخابات، ويعرف جيدا نوايا الأحزاب وخططها، وكيف تدير ملف الانتخابات، وأجد كما يدرك أغلبية الناس أن جسور الثقة مفقودة ومقطوعة بين الناس والأحزاب الصغيرة منها والكبيرة، وأن أفضل وسيلة لإنشاء موطئ ثقة بينهم وبين الناس أن يختاروا مرشحين يثق بهم الناس وتاريخهم ناصع ومشرف، وقادرين على محاربة الفساد فعلا والقضاء عليه، لهذا نجد أن رأي الشارع العراقي الآن في الانتخابات لا يختلف كثيرا عن الانتخابات البرلمانية السابقة، التي كانت المشاركة فيها ضعيفة، وقد تكون هذه المرة أكثر ضعفا، إن لم يشعر المواطن العراقي بتحسن كبير في الخدمات ومحاربة حقيقية للفساد ومحاسبة من انتهك حقوق الناس، وتسبب بهدر وسرقة المال العام.

ومع تحديد شهر كانون الأول القادم موعدا لإجراء انتخابات مجالس المحافظات، التي ظلت غائبة عن المشهد لسنوات عديدة، مع تحديد هذا الموعد بدأ موسم ظهور الأحزاب القديمة وأخرى جديدة وبمسميات متعددة وكثرتها لا يعني صحة المسيرة الديمقراطية في البلد بقدر ما يعكس عدم الاستقرار لدى الأحزاب والقوى السياسية على نهج واحد وفكر سياسي واحد، بل نجد تغيرات كبيرة في المسميات ومحاولة تجميل الوجوه القديمة، التي أغلبها يتنقل بين هذا الحزب أو ذاك، من أجل مصالحه الشخصية.

وبالتالي فإننا في كل موسم انتخابي نجد أكثر من 200 عنوان لأحزاب تشكل لغرض الانتخابات، ثم تندثر أو تدخل في غيبوبة حتى الإنتخابات القادمة.

القاسم المشترك لجميع الأحزاب في كل انتخابات يتمثل بالشعارات المتشابهة بين جميع الأحزاب والقوى السياسية بمختلف مشاربها بما في ذلك ما يمكن تسميته بالمستقلين، الذين سرعان ما يتنازلون عن استقلاليتهم بمجرد فوزهم لينخرطوا في تحالفات مع القوى الأخرى.

تشهد انتخابات مجالس المحافظات تنافسا في حملتها الانتخابية، وهذا التنافس سيأخذ منحى قديما يتمثل بتبليط بعض الشوارع الصغيرة وصبغ الأرصفة، ووعود كثيرة بالتعيين، وبالتأكيد هنالك مشاريع ضمن خطة الحكومة سيتم تسليمها للمرشحين من الأحزاب لتنفيذها، وهذه مشكلة كبيرة تعاني منها البنى التحتية في العراق، والتي تمنح الأحزاب صفقات إنجاز مشاريع كبرى سرعان ما تثبت فشلها دون متابعة أو محاسبة.

ومع هذا مازلنا نراهن على وعي الشارع العراقي، الذي بات يدرك جيدا أهمية الانتخابات التي من شأنها أن تحدث التغير المطلوب في محافظات العراق، التي تعاني كثيرا من سوء الخدمات التي تجعل الكثير من المحافظات تعطل الدوام الرسمي مع كل زخة مطر، وهو ما يعكس سوء الخدمات وليس سوء الأحوال الجوية، وبالتالي نجد من الضروري جدا أن تكون مشاركتنا فعالة في انتخابات مجالس المحافظات، من أجل التغيير المنشود أولا، ووضع حد للفساد والفاسدين ثانيا، وولادة طبقة سياسية جديدة تكون قادرة على تحمل المسؤولية، خاصة أن مهام مجالس المحافظات اقتصادية تنموية بالدرجة الأولى، وليست سياسية كما يتصور البعض.

........................................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق