مِنْ المفارقات التاريخية السياسية، أنْ تتلقى المملكة العربية السعودية، رسمياً، برقية تهنئة بمناسبة عيدها الوطني، من الجمهورية الاسلامية في ايران، واخرى من الكيان الاسرائيلي، فيما أشرنا، الى التزاحم والتنافس المحموم بين إيران و تركيا والكيان الاسرائيلي المحتل على قيادة المنطقة او الهيمنة على المنطقة. آنذاك، كانت المملكة، على ما يبدو، سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً...

مِنْ المفارقات التاريخية السياسية، أنْ تتلقى المملكة العربية السعودية، رسمياً، برقية تهنئة بمناسبة عيدها الوطني، من الجمهورية الاسلامية في ايران، واخرى من الكيان الاسرائيلي.

في كتاباتنا قبل ثلاث سنوات، أشرنا، وفي عدّة مقالات، الى التزاحم والتنافس المحموم بين إيران و تركيا والكيان الاسرائيلي المحتل على قيادة المنطقة او الهيمنة على المنطقة. آنذاك، كانت المملكة، على ما يبدو، سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً، على مشرحة التحليل وتحت منظار الامير، ولي العهد، محمد بن سلمان، ترجمَ الامير ما أدّركه، على ضوء نتائج مشرحة التحليل؛ ثروة ومكانة دولية وجغرافية وتأثير سياسي واقتصادي ونقدي في أحوال العالم، تكادُ جميعها تتبخّر بسبب حرب اليمن والتطرف والخصومة مع ايران.

بعد ترسيخ منهجه ورؤيته، أول ما عمله الامير محمد بن سلمان هو تبنيه لسياسة تصفير المشاكل ووضع عجلات المملكة على سكّة الحداثة والتغيير، نجحَ الامير، ولي العهد، في ايقاف حرب اليمن، وفي خطوات نحو اتفاق سلام وعادل يحفظ سيادة البلدين، ونجح في كبح جماح التطرف وتعزيز أمن واستقرار المملكة، واعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران والبدء معها في تحريك عجلة التعاون وتطوير العلاقات.

سياسة المملكة في تصفير مشاكل المنطقة ليست كسياسة تركيا في تصفير المشاكل، والتي أعلنها وتبناها وزير خارجية تركيا الاسبق، أحمد داود اوغلو، تحت شعار، ”صفر مشاكل مع الجوار”، عام ٢٠١١، والتي آلتْ الى” صفر علاقات مع دول المنطقة“، وساهمت في ترويج الارهاب ودعم الجماعات المسّلحة والتدخل في سيادة الدول.

تزامنت سياسة المملكة في تصفير مشاكل المنطقة مع وقت الانتصار على الارهاب، و كشف اوراقه وفضائحه، و نفاذَ دوره، وتزامنت ايضا مع رؤية استراتيجية للمملكة مفادها السياسة في خدمة الاقتصاد و تطوير المملكة وليس العكس. بل وكانت، ولاتزال، سياسة تصفير المشاكل حاجة اساسيّة لتطوير المملكة وتنمية وازدهار المنطقة.

كانت المملكة، في السنوات قبل ٢٠٢٠، غارقة في ازمات المنطقة (حرب اليمن، العلاقة مع لبنان، العلاقة مع ايران، العلاقة مع سوريّة)، وكانت هذه الازمات مُحدّدات لدور المملكة في المنطقة ومحدّدات لانطلاقها نحو التطوير والتغيير والتمنية، بحيث كان دور المملكة وتأثيرها في السياسة و العلاقات الدولية اكثر من دورها وتأثيرها في سياسة المنطقة، الامر الذي جعلَ اسرائيل تحلم بملء الفراغ وتسعى لمنافسة ايران وتركيا للقيادة او الهيمنة على المنطقة، مدعومة من امريكا والغرب.

أتقنتْ المملكة سياسة ترويض امريكا و الغرب واذعان اسرائيل بقوة الثروة و النفط و بجرأة اتخاذ القرار، حتى وإنْ كان القرار يغيظ امريكا والغرب، وسبقتها إيران في سياسة ترويض امريكا والغرب واذعان اسرائيل، ولكن بقوة السلاح والصمود والنفوذ المُسّلح وغير المُسّلحْ في المنطقة، وايضاً بجرأة التصريح والتهديد بالرّد العسكري في حال تعرضها الى حرب.

أتقنتْ المملكة ايضاً فن المناورة والمرواغة السياسية والدبلوماسيّة وقلبتْ الملف الايراني والخطر الايراني من تهديد و ابتزاز غربي لها الى ورقة ضغط على امريكا و الغرب و اسرائيل و لصالحها! كُلّما اقتربت المملكة خطوة تجاه ايران زادَ ارتباك امريكا و الغرب، وتقربا اكثر لارضاء المملكة.

ها هو الرئيس ماكرون يُخبِر الرئيس بايدن بتطورات بين ايران والمملكة في الشأن النووي، ويعرض عليه معلومات مُقلقة، تفيد بأنَّ ايران عرضت للمملكة مشروع تعاون نووي مُغر جداً، بموجبه تقوم ايران باستقبال ٦٠٠ باحث ومتخصص سعودي، في الشأن النووي، لغرض التدريب في ايران، دون شروط ايرانية، بخلاف المشروع الامريكي الذي يفرض شروطا كثيرة على المملكة، تمّسُ سيادتها.

لم تتقدمْ المملكة نحو اسرائيل، تطبيعاً او علاقات عامة،دون مقابل، وقد اعلنت المملكة ذلك صراحة لامريكا ولغيرها وللرأي العام، والمُقابلْ المطلوب هو دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وقد قالها صراحة سفير المملكة المُعيّن حديثاً لدى فلسطين، السيد السديري، والذي وصل اول امس رام الله.

في مقال سابق لنا، وبتاريخ ٢٠٢٣/٦/٢٣، نُشِرَ في جريدة الحوار نيوز الالكترونية، بيروت، وفي مواقع اخرى، بينّا وبوضوح موقف المملكة من التطبيع، وجاء في المقال مايلي: “لن تقعْ المملكة في فخ التطبيع الابراهيمي، فنأت بنفسها عن ايّ علاقة رسمية و دبلوماسيّة مع اسرائيل، ولم تنسْ المملكة رفض اسرائيل لمبادراتها للسلام في عام ١٩٨٢ و في عام ٢٠٠٢ ” .

تبنّتْ السعودية، على ما يبدو وبجدّية القضية الفلسطينية. لقاءات عديدة و مستمّرة بين السلطة الفلسطينة والمملكة، وانتقلَ الثقل الفلسطيني او المسار الفلسطيني نحو السلام و نحو الحل الدولي المشروع بقيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، من الاردن الى الرياض.

ثمن التطبيع بين المملكة و اسرائيل لن يكْ رخيصاً، سيكون بقدر واكثر ثمناً مما تنتظره وتجنيه اسرائيل، دولة فلسطينية، وعودة لاسرائيل الى مواقعها التي كانت عليها قبل عام ١٩٦٧، وهذا يعني انسحابها من هضبة الجولان السوريّة المُحتلة .

تعلمُ المملكة بأن تطبيعها مع اسرائيل، هو تعزيز سياسي و اقتصادي لكيان مُحتلْ و متغطرس و رافض لايَّ شرعية دولية، و تعلمُ ايضاً انَّ تطبيعها مع اسرائيل له صورة سياسيّة و صورة اسلامية، ودول عديدة مثل اندونيسيا، ترفض اقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل ليس فقط لاسباب سياسيّة، وانما ايضاً لاسباب دينيّة.

.....................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق