الخيار الديمقراطي بعد مرور عشرون عاما من التغيير من النظام الشمولي الاستبدادي الى النظام الديمقراطي لا يزال متعثرا امام رغبة الطبقة السياسية الحاكمة بتقديم خياراتها واجنداتها الخاصة والمتمثلة بالحكم بنمط من الاوليغارشية السياسية والاقتصادية تحت غطاءات قبلية او دينية او طائفية ومكوناتية، مما ولد نتائج خطيرة تهدد جوهر...

قبل أيام قليلة أجاب أحد ابرز زعماء الكتل السياسية الممثلة في البرلمان العراقي وأحد قادة اهم الكتل التقليدية المكوناتية، عن سؤال وجه اليه ايهما اهم هل الكتلة التي تضم مجموعة كتل تحت غطاء طائفي والمنتمي لها ام الحكومة؟، فقال بالحرف الواحد: "ان الكتلة السياسية المكوناتية لدي اهم من الحكومة"، انتهى كلام قائد الكتلة.

خطورة الكلام هذا لا يكمن في أهمية الدفاع عن الحكومة او طريقة تشكيلها وشرعيتها او مدى تعبيرها عن جوهر الديمقراطية وما الى ذلك، وانما خطورة الكلام يأتي في تقديم الخيار المكوناتي الطائفي او العرقي التي تحتكر التمثيل المكوناتي او العرقي، بمعنى ان تقاسم السلطة يتم عن طريق هذه الكتلة او تلك ولا طريقة أخرى غير ذلك او لا اعتبارية للخيارات التي تفرزها الانتخابات سواء كانت البرلمانية العامة او المحلية التي تخص مجالس المحافظات.

هذا نموذج على تقدم مكوناتية العمل السياسي في العراق على حساب تجربة جديدة لم يألفها العراق منذ عقود وهي الاخذ ببعض آليات العمل الديمقراطي مثل اجراء الانتخابات وتداول السلطة، ومن المؤكد ان الديمقراطية كنظرية سياسية يفترض ان تؤسس لمبادئ الحكم الرشيد، والتداول السلمي للسلطة، وتكافؤ الفرص.

والعدالة طبقا لقوانين كل بلد لا تقوم فقط على اجراء الانتخابات، وانما ترتكز على عدد من الأسس مثل احترام سيادة القانون، والفصل بين السلطات، والمواطنة، وتكافؤ الفرص والعدالة، وعدم التمييز وفقا لقواعد المواطنة التي يتساوى فيها الجميع امام القانون بغض النظر عن أي تسمية او فوارق عرقية او دينية او طائفية وما الى ذلك.

لكن يبدو ان الخيار الديمقراطي بعد مرور عشرون عاما من التغيير من النظام الشمولي الاستبدادي الى النظام الديمقراطي لا يزال متعثرا امام رغبة الطبقة السياسية الحاكمة بتقديم خياراتها واجنداتها الخاصة والمتمثلة بالحكم بنمط من الاوليغارشية السياسية والاقتصادية تحت غطاءات قبلية او دينية او طائفية ومكوناتية، مما ولد نتائج خطيرة تهدد جوهر وفلسفة الديمقراطية ومن ذلك الفساد والمحاصصة، وسيطرة المافيات المالية والاقتصادية على مقدرات الدولة ومؤسساتها.

ومع التخطيط والإجراءات الميدانية لإجراء انتخابات مجالس المحافظات المزمع اجراؤها في كانون الأول 2023 بعد جدل وتعطيل دام سنوات حول جدلية وجود مجالس المحافظات بعيدا عن تبريراتها الدستورية، اذ كثيرا ما تُشبّه وجود مجالس المحافظات بكونها حلقة تشبه رتابة وفساد عمل المؤسسة التشريعية في البلاد، على الرغم من كونها -أي السلطة التشريعية- تمثل السلطة الأولى في الأنظمة الديمقراطية التي تتبنى النظام البرلماني، لكن انتهازية وفساد الكتل النافذة والطبقة السياسية الحاكمة في البلد حوّل عمل هذه المؤسسة الى جزء من حالة التردي التشريعي والقانوني وحتى التنفيذي والقضائي فضلا عن افتقارها الى المراقبة والمحاسبة للسلطة التنفيذية.

لذا فإن الكتل السياسية لا تزال تفكر بذات الطريقة من خلال استحواذها على مجالس المحافظات وما يتمخض عنها من وجود سلطة حاكمة تتمثل بالمحافظ، من هنا فهي تريد تقاسم المحافظين فيما بنيها وفق لإمتدادات الكتل السياسية المكوناتية والقومية ووفق الطريقة التي تقسم فيها المناصب العليا في الدولة وصولا الى اللجان البرلمانية داخل مجلس النواب وحتى إصدار التشريعات، لذا ما الجدوى من اجراء عملية انتخابات مجالس المحافظات وحتى المشاركة الشعبية المتراجعة بالاصل بسبب شعور المواطنين بعدم أهمية لأصواتهم الانتخابية امام مشاريع الكتل السياسية غير الديمقراطية.

ومما تقدم نخلص الى عدد من النتائج ومنها على سبيل الايجاز:

أهمية احترام مبادئ وفلسفة الديمقراطية، وما يتمخض عنها كآليات عملية للحكم، ومن ذلك احترام نتائج الانتخابات وصوت الناخب ومشاركته، واحترام الكتل المنافسة والمشاركة في لعبة الديمقراطية والتي تمتلك مشروعا سياسيا او توجها مخالفا او لا يلتقي مع القوى السياسية التقليدية النافذة، كون ذلك يدعم من سبل ترصين التحول الديمقراطي في حين ان المضي بالمشاريع الجهوية غير الديمقراطي سيكون له نتائج مدمرة للديمقراطية التي تقر بها هذه الكتل قبل غيرها بكونها الوسيلة التي قاد بها للوصول الى السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وعلى الكتل السياسية ان تأخذ في الحسبان ان الركون باتجاه المشاريع الجهوية غير الديمقراطية سيكون من أولى نتائج افشال التجربة الديمقراطية، وهو ما قد يكون مقدمات لفشل مجمل النظام السياسي، والعملية السياسية، اذ الديمقراطية تعتمد على الشرعية الشعبية ومشاركة الناس واذا ما تصاعد ادراك ووعي الشعب بزيف الكتل السياسية اتجاه الديمقراطية سيكون لهم موقف آخر وهو ما قد يؤدي بالنتيجة الى تقدم خيارات أخرى ربما على حساب الخيار الديمقراطي.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/ 2001 – 2023 Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق