القوى السياسية التي شكلت الحكومة تسارع لإعادة رسم نفوذها بدلاً من التفكير في وضع فقه الأولويات وكلما قرب موعد الانتخابات ستزيد معها حدة الصراع والتوتر، وهذا ما بدأ يظهر منذ تشكيل الحكومة لان الجامع بين هذه القوى حتى المتحالفة ليس البرامج والمشاريع الوطنية وانما المصالح وليس خدمة المواطن...

مثلت تجربة مجالس المحافظات في العراق محل شد وجذب بين المجموعات والقوى السياسية في العراق، وظلت محل شبهات منذ المراحل الأولى لهذه الانتخابات حيث اتسم عملها بالطابع السلبي بين الناس، ومع المتغيرات الجديدة على المشهد السياسي بعد انتخابات تشرين الأول 2021 ارادت المجموعات والقوى السياسية المشكلة للحكومة والبرلمان الحاليين اعادة ترتيب اوراقها من جديد ورسم وجودها السياسي بالسيطرة على المحافظات.

من هنا عملت على جانبين:

الجانب الأول: اكمال المتطلبات القانونية والسياسية من تشريع قانوني انتخابي، وفقا لما يلبي وجودها السياسي فاعتمدت على طريقة سانت ليغو وهي طريقة مجربة فيما سبق، لاسيما الانتخابات التي جرت قبل تشرين الأول 2021 كانت معادلتها مختلفة وفق طريقة انتخابية قائمة على أساس الانتخاب الفردي وافرزت نتائج شهدت تقدم قوة وتراجع أخرى مما ولد ردة فعل رافضة لنتائج الانتخابات وصلت الى مرحلة التهديد بنسف السلم الأهلي، وبعدها تمكنت القوة الرافضة لنتائج الانتخابات من تشكيل الحكومة اثر انسحاب الصدريين من البرلمان والعملية السياسية.

الجانب الثاني: إعادة رسم النفوذ السياسي من خلال انتخابات مجالس المحافظات، كل المجموعات والقوى السياسية في العراق تريد ان تعيد رسم نفوذها وفرض سيطرتها من خلال انتخابات مجالس المحافظات او على الأقل الحصول على مكاسب جديدة بالسيطرة على المحافظات، لاسيما قوى الاطار التنسيقي ومثله الحال بين الحزبين الكرديين الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وقوى المكون السني أيضا ما بين الحلبوسي وخصومه الاخرين، حيث ان هناك قوى سياسية لا سيما في تحالف الاطار التنسيقي تريد ان تستغل غياب التيار الصدري عن العملية السياسية كتيار جماهيري يشكل منافس حقيقي في كل دورة انتخابية، بمعنى تريد ان تجري الانتخابات طالما ان التيار الصدري لا يزال موقفه رافضاً من الدخول في انتخابات مجالس المحافظات حتى تستحوذ على المقاعد المفترضة له داخل كل محافظة وبالتحديد مثلما حصل مع ما يمكن ان نطلق عليه بغنيمة مقاعد مجلس النواب.

في حين ترى قوى أخرى ومن ضمنها القوى المنضوية تحت الاطار التنسيقي بأهمية عودة ودخول التيار الصدري في انتخابات مجالس المحافظات حتى لا تستحكم قوة معينة. وربما هذه القوى تؤيد مسألة تأجيل الانتخابات الى العام المقبل 2024 حتى يكون امام التيار الصدري فسحة من الزمن لاتخاذ قرار العودة والمشاركة طالما هو الى الآن يلتزم الصمت من كل مجريات العملية السياسية وحتى موقفه من الحكومة ومجلس النواب.

اما موقف المجموعات والقوى السياسية بكل اتجاهاتها السياسية والايديولوجية من اجراء انتخابات مجالس المحافظات من حيث المبدأ التي حددها مجلس الوزراء في التاسع عشر من شهر كانون الثاني 2023 فغالبها تؤيد عودة عمل مجالس المحافظات ما عدا بعض القوى التشرينية التي ترى في عودة مجالس المحافظات بوابة جديدة للفساد ونهب المال العام والصراع حول السلطة، في حين رأت قوى أخرى ان الطريقة التي ستجري بها الانتخابات ستقضي على أي بصيص امل في صعود قوى جديدة. في الوقت الذي تشهد هذه القوى الانقسامات وغيابا للرؤى والمشاريع والبرامج السياسية والاستراتيجية. اما موقف الأغلبية الصامتة من أبناء الشعب العراقي فيرى في مجالس المحافظات رؤية سلبية بكل مخرجات الطبقة السياسية الحاكمة، وقد يبقى على موقفه بعدم المشاركة بكثافة في عمليات الاقتراع الانتخابي.

وأخيراً فإن تقييم عملية اجراء انتخابات مجالس المحافظات في كانون الثاني 2023 واوليات القوى السياسية المشكلة للحكومة وفي ضوء البرنامج الحكومي، يبدو ان القوى السياسية التي شكلت الحكومة تسارع لإعادة رسم نفوذها بدلاً من التفكير في وضع فقه الأولويات وكلما قرب موعد الانتخابات ستزيد معها حدة الصراع والتوتر، وهذا ما بدأ يظهر منذ تشكيل الحكومة لان الجامع بين هذه القوى حتى المتحالفة ليس البرامج والمشاريع الوطنية وانما المصالح وليس خدمة المواطن والدولة وانما الامتيازات الحزبية والشخصية والفئوية، وهذا بالنتيجة سيزيد من حجم الكوارث التي تهدد مصير الدولة التي لا تزال تشهد مزيدا من التدهور وحالة اللادولة بدلا من المعالجات وتقدم الخيارات الاستراتيجية الوطنية.

وحتى اذا ما ارادت القوى السياسية ان تضع حلا فلا يكون من خلال اعادة رسم النفوذ ولا من خلال المحاصصة وتقاسم السلطة مثل ما تفعل في كل مناسبة سياسية، وهذا ما ستذهب اليه لتجاوز حالة الصراع قبل وبعد انتخابات مجالس المحافظات من خلال توزيع مناصب المحافظين حسب الكتل الكبيرة في داخل كل تحالف لاسيما القوى المشكلة للحكومة، وكذلك تقاسم باقي المواقع مثل موقع رئيس مجلس المحافظة، ونواب المحافظ، وصولاً الى تقاسم دوائر كل محافظة، وهذا ما سينتج لنا نسخة اخرى لا تختلف كثيراً عن النسخ السابق من الفشل، والمحاصصة، ونهب المال العام، وسوء الإدارة، وسيطرة الكتل الحزبية على مقاليد المحافظات بسبب غياب الكفاءات وعنصري المهنية والنزاهة.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2023 Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق