لقد وفّرت الظروف التي مرّت بها المنطقة في العقد الأخير مناخا مثاليا لنمو تجارة المخدرات، وأن الوضع الأمني المخلخل لأغلب دول المنطقة شجّع على انتشارها، وبما أن دول المنطقة أخذت ترأب الصدع في علاقاتها مع بعضها، لذا بات عليها مواجهة تداعيات تلك المرحلة، والتي تمثل المخدرات أخطرها...

كتبنا كثيرا عن الإرهاب ومصادره الخارجية والداخلية، وكذلك عن الفساد وغيره من الظواهر المشوهة، التي استفحلت في عراق ما بعد الاحتلال الاميركي.. وقد ظل الحديث عن مشكلة المخدرات بشكل دقيق، أشبه بالمسكوت عنه، ولم يتم تناوله بشكل صريح، وظلت الناس تتابع من خلال وسائل الاعلام، الحلول الميدانية، الامنية، لهذا الملف الخطير والمركّب وصارت تشعر ايضا بعدم جدواها!.. وحين نصف ملف المخدرات بالمركّب، فالمقصود أن من المستحيل وصول تجارة هذه المواد الممنوع تداولها إلى جميع محافظات العراق، من دون أن تكون وراءها مافيا كبيرة وغطاء قوي يحمي شبكات التهريب ويؤمن لها طرق المرور للأهداف أو الاماكن التي تريد الوصول اليها، على الرغم من وجود السيطرات ومجسّات الدولة لتتبع هذه المواد التي يمكن كشفها وضبطها، لو لم تكن منقولة بطرق واساليب غير تقليدية!

لقد قلنا مرارا إن الإجراءات الروتينية والحلول الأمنية لايمكنها القضاء على هذه الآفة الخطيرة التي تدر على المتاجرين بها مليارات الدولارات، وأن عملية ادخالها ونقل الاموال الضخمة، التي تمثل أثمانها إلى خارج البلاد، لا يمكن أن تكون من عمل جماعات صغيرة ومغامرين معدودين، وانما هناك مافيا تعمل بشكل منظم ودقيق ومنسق مع جهات خارجية، تتجاوز مساحة عملها الميدان العراقي إلى غيره من دول الجوار، وان هناك غطاء أمنيا داخليا لها، وهذا الأخير تقف وراءه قوى نافذة مستفيدة من هذه التجارة التي شاغلت الجهد الامني الوطني وأرهقته، اذ عرفنا أن أكثر من عشرة آلاف متاجر ومتعاط للمخدرات القي القبض عليهم حتى الآن، ما يعني أن هناك جهدا امنيا كبيرا بذل لملاحقة هؤلاء، وكان من الممكن توظيفه لأمور اخرى، لا سيما أن البلاد تمر بمرحلة نقاهة بعد حروب استنزاف مدمرة مع الارهاب، وما خلفته من تداعيات على الواقع الاجتماعي والحياتي بشكل عام وضرورة ترصين الجبهة الداخلية، بما يجعل المواطن أكثر اطمئنانا على حياته وممتلكاته.

بما ان هذه المشكلة اقليمية، فنرى ان مؤتمرا اقليميا للحد منها بات ضروريا، وأن ينتهي إلى تشكيل لجان مشتركة لملاحقة المتاجرين بالمواد المخدرة في بلدان المنطقة ورصدهم وملاحقتهم بالتكامل الأمني، وقطع الطرق على بضاعتهم، فضلا على ملاحقتها في ميادينها الأولية المتمثلة بزراعتها ببعض المناطق، والتعامل مع ذلك بحزم.. وبخلاف ذلك نرى ان هذه المشكلة ستبقى تؤرق الناس، كونها تفتح الأبواب أمام الجرائم المختلفة، وهو ما صارت تشهده المحاكم العراقية بشكل غير مسبوق، وتؤرق الأسر التي تخشى أن يتم استدراج أبنائها إلى هذه الآفة الخطيرة ووقوعهم في شراكهاالمميتة.

لقد وفّرت الظروف التي مرّت بها المنطقة في العقد الأخير مناخا مثاليا لنمو تجارة المخدرات، وأن الوضع الأمني المخلخل لأغلب دول المنطقة شجّع على انتشارها، وبما أن دول المنطقة أخذت ترأب الصدع في علاقاتها مع بعضها، لذا بات عليها مواجهة تداعيات تلك المرحلة، والتي تمثل المخدرات أخطرها، ويجب أن يكون هناك تنسيق امني على مستوى عال بين دول المنطقة لمواجهة هذا التحدي الخطير.. وإن أهم عامل في المعالجة الداخلية للمخدرات في العراق، يتمثل بانهاء مظاهر السلاح المنفلت، الذي يمثل الرافعة الاولى والاساسية لهذه التجارة، فأصحابه يتمتعون بالمال الذي توفره لهم هذه التجارة.. والتجارة أو من يقوم بها يشعر إنه يتحرك بأمان في ظل سلاح يحميه ويحميها.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق