لا نملك في العراق خبرة إدارة المجمعات السكنية، لا بد من الاستعانة بشركات غير عراقية، تقدم الخدمات وتدرّب العراقيين، فإنشاء مجمع سكني بدون إدارة حقيقية يعني تحويله إلى عشوائية جديدة، في المقابل نحتاج إلى نشر ثقافة وأخلاقيات السكن الجماعي، خصوصا العمودي، ثقافة العيش والتعامل مع الجيران في البناية بعيدا عن الانانية، ‎لإنجاح خطة بناء المدن الجديدة...

‎خطوة صحيحة أن تقرر الحكومة إقامة مدن سكنية جديدة لتخفيف الضغط على العاصمة والمدن الكبيرة، لكنني لم أستوعب التناقض بين انشاء مدن ومجمعات سكنية وقرار منح أراض سكنية لشرائح معينة كالمتقاعدين ومحدودي الدخل وغيرهم.

توزيع أراضٍ يعني توسيع رقعة العشوائيات، بينما تعتمد دول العالم اليوم اسلوب انشاء المجمعات السكنية والمدن الجديدة حديثة الطراز والمجهزة بالخدمات، التي تقوم بصيانتها شركات متخصصة في إدارة المجمعات السكنية، وطبيعي أن تتفاوت في مستوياتها وجودة انشائها تبعا للقدرة المادية لطالبي السكن.

‎حتى تنجح سياسة الحكومة في بناء المدن والمجمعات السكنية خارج المدن لا بد أن تتوفر مستلزمات ذلك: طرق سريعة توصل بين هذه المناطق والمدن القريبة، ومرافق خدمية تعليمية وصحية وغيرها بما يغني سكانها عن الاتجاه إلى المدن القريبة، والأهم من كل ذلك: شركة متخصصة تتولى إدارة هذه المدن والمجمعات أمنيّاً وخدميّاً.

لا نملك في العراق خبرة إدارة المجمعات السكنية، لا بد من الاستعانة بشركات غير عراقية، تقدم الخدمات وتدرّب العراقيين، فإنشاء مجمع سكني بدون إدارة حقيقية يعني تحويله إلى عشوائية جديدة.

في المقابل نحتاج إلى نشر ثقافة وأخلاقيات السكن الجماعي، خصوصا العمودي، ثقافة العيش والتعامل مع الجيران في البناية بعيدا عن الانانية، ‎لإنجاح خطة بناء المدن الجديدة لا بدَّ من إقامة النموذج الذي يشجع على تكراره.

في ضواحي بغداد لدينا تجربة مدينة بسماية الجديدة التي صممت لإسكان 600 ألف نسمة في شقق متنوعة المساحة يبلغ عددها 100 ألف شقة، تنفذها شركة عالمية معروفة، وفيها بنى تحتية حديثة وخدمات ماء وكهرباء وغاز لا تنقطع.

يسكنها الآن عشرات الآلاف بعد اكتمال مجموعتي (أ وب) بعدد شقق يبلغ 24 ألف شقة. يمكن أن يصبح هذا المشروع نموذجاً يمتص زخم السكن في بغداد. يحتاج إلى إدارة حديثة وحازمة للمجمع، تضمن صيانة مرافقه وتضبط سلوك القاطنين، الذين يتصرف الكثير منهم حتى الان بمنطق السكن الأراضي.

الشركة التي تتولى الخدمات غير متخصصة وتحاول التفلّت من التزاماتها، في المقابل يمتنع الكثير من السكان عن دفع البدل الشهري مقابل الخدمات. هي ثقافة الخدمات المجانية والاعتماد على تقديمات الحكومة. النتيجة أن الخدمات تتراجع والمدينة التي أريد لها أن تكون نموذجية، تثير مخاوف سكانها من تحوّلها إلى عشوائية جديدة.

‎باعتقادي أن هذه المدينة تستحق اهتماماً أكبر من الحكومة. هيئة الاستثمار، صاحبة هذا المشروع، لا تتعامل معها بجدية، والمركز التجاري الوحيد في المدينة لا يستوعب حاجة سكانها وهو حكر على شخص واحد، مما يثير الكثير من اللغط حوله، والمخالفات التي يقوم بها بعض السكان لا تواجه بإجراءات حازمة ما يشجع على تعاظمها. هذا ما يؤدي إلى فشل هذه التجربة، والى عدم تفاعل الناس مع مشاريع مماثلة قادمة.

‎هناك لجنة أعلن عن قرب تشكيلها من عدة جهات حكومية لمشروع المدن الجديدة. برأيي أن تبدأ اللجنة بإكمال نواقص مشروع بسماية ومعالجة نقاط الخلل، لتصبح نموذجا يشجع على تكراره في مناطق أخرى.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق