الصين تؤدي ادواراً عالمية كبيرة في السنوات الأخيرة فأنها تدخلت بشكل مباشر في تسوية التوتر بين السعودية من جانب وايران من جانب آخر في مؤشر جديد على نفوذ وقوة السعودية عالميا ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط والبلدان ذات الموقع الجيوستراتيجي حيث الدول الغنية بمصادر الطاقة مثل ايران...

ربما لم يكن اعلان الصين عن التوصل الى تفاهم بين الخصمين اللدودين العربية السعودية من جانب، وإيران الإسلامية من جانب ثاني عن عودة العلاقات الدبلوماسية والسياسية بينهما بالأمر المفاجئ، حيث سبق هذه العلاقات ترطيب للأجواء وعقد جولات من المفاوضات، صحيح ان البلدان شهدا أكثر من مرة تدهور العلاقة الدبلوماسية فيما بينهم حيث قطعت العلاقات الدبلوماسية في نيسان من عام 1987 بعد مصرع أكثر من 400 شخص معظمهم من إيران بسبب اعمال عنف اندلعت بين الحجاج الإيرانيين والشرطة السعودية، وعرفت هذه الاحداث باسم احداث مكة، وكان للعامل السياسي دوراً كبيراً في ذلك لاسيما بعد الدعم السعودي للعراق في حربه ضد ايران، وعادت العلاقة بين البلدين بعد اجتياح العراق للكويت عام 1991.

بعد الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 شهدت العلاقة بين إيران والسعودية توتراً جديداً أسبابه تعزوه السعودية الى النفوذ الإيراني في المنطقة لاسيما في العراق، ودعم جماعات سياسية هنا وهناك ومن ضمنها دول الخليج والسعودية ذاتها، واذكاء الصراع الطائفي بين السنة والشيعة، بينما تقول إيران ان السعودية هي السبب الرئيس للتطرف ودعم الجماعات الإرهابية، وتشكيل السعودية درعاً للولايات المتحدة ضد إيران لاسيما بعد تصاعد الخلافات الغربية ضد إيران بسبب برنامجها النووي ونفوذها الإقليمي.

وقد انفجر التوتر السعودي- الإيراني مطلع عام 2016 بعد اعلان السعودية إعدامها لرجل الدين الشيعي السعودي الشيخ باقر النمر مما واجه ردت فعل غاضبة في ايران أدى الى الهجوم على السفارة السعودية في طهران واقتحامها وإعلان الشارع المؤدي الى السفارة باسم الشيخ النمر، مما أدى بالسعودية الى طرد السفير الإيراني من الرياض والإعلان عن قطع علاقتها الدبلوماسية مع ايران بشكل نهائي، وتصاعدت الحرب الإعلامية بين البلدين ووصل التوتر بين البلدين الى ضرب بعض المنشآت السعودية مثل الشركة المصدرة للنفط أرامكو عبر ولاء محسوبين على ايران، في قبالة ذلك واجهت السعودية هذا التهديد بمزيد من الضربات الجوية ضد اليمن حيث استمرار الحرب بين صنعاء المحسوبة على الحوثي حليف ايران، وبين حلف السعودية في عدن وباقي المدن وبغطاء جوي سعودي ومن حلفاءها من باقي دول الخليج.

بقدر ما كان العراق سبباً رئيساً في توتر العلاقة بين السعودية وإيران، وأسباب أخرى فإن العراق أدى دوراً إيجابياً في ترطيب الأجواء بين البلدين، حيث شهد العراق في عهد حكومة السيد مصطفى الكاظمي جولات عديدة من المفاوضات وعلى مستويات عالية، ساهم في ذلك عاملين: احداهما التحرر النسبي للسعودية من القرارات الامريكية، وثانيهما رغبة ولي عهد السعودية محمد بن سلمان في تخفيف التوتر مع ايران كدولة جارة للسعودية ولديها علاقات ونفوذ كبير في المنطقة ومن ضمنها دول الخليج ذاتها، حيث تمتلك ايران علاقات اقتصادية كبيرة مع قطر والامارات ودول أخرى.

وبما ان الصين تؤدي ادواراً عالمية كبيرة في السنوات الأخيرة فأنها تدخلت بشكل مباشر في تسوية التوتر بين السعودية من جانب وايران من جانب آخر في مؤشر جديد على نفوذ وقوة السعودية عالميا ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط والبلدان ذات الموقع الجيوستراتيجي حيث الدول الغنية بمصادر الطاقة مثل ايران ودول الخليج والعراق مما يؤشر على ان الصين اصبحت لها نفوذاً كبيراً حتى على البلدان الحليفة للولايات المتحدة في الوقت الذي اصبحت فيه الصين تهدد نفوذ الولايات المتحدة في منطقة الخليج وعموم بلدان الشرق الأوسط فبقدر ما تحاول الولايات المتحدة العبث مع الصين في مناطق معينة مثل تايوان او اثارة الخلافات بين الصين من جهة واليابان او الفلبين من جهة أخرى فإن الصين تسارع في امتداد نفوذها الاستراتيجي في مناطق أخرى واخرها في دول الخليج. وهذا ما سيجعل من الولايات المتحدة بالتفكير في استراتيجيتها في الشرق الأوسط من جديد بعد تنامي لقطبيات عالمية أخرى مثل الصين وروسيا ودول أخرى مثل الهند.

وهناك مؤشرات وتساؤلات أخرى أبرزها ما الذي جعل السعودية تلجأ الى تسوية خلافاتها نهائيا مع إيران وبضمانة صينية حيث يقول السعوديون ان هذا مؤثر بحال لم تلتزم طهران. وهو أمر يزعج واشنطن بكل تأكيد والأوروبيين، لكنهم -أي واشنطن والغرب- لم يظهروا جدية تجاه أمن المنطقة منذ بدء العمل على اتفاق الملف النووي الإيراني عام 2015. واكيد ان هذه التسوية والعودة للعلاقات الدبلوماسية مرهون أيضا بتطورات الشرق الأوسط والمنطقة العربية والعلاقة بين دول الخليج والولايات المتحدة وموقف الولايات المتحدة من إيران مستقبلاً.

تشير تقارير صحفية سعودية الى أن السعودية لم تتغير، وإنما النظام الإيراني هو من يمر بأزمة وجودية، ويخطأ من يعتقد أن الرياض مدت طوق النجاة لطهران الآن، لأن الأزمة الإيرانية هي من صنع النظام نفسه، وأزمة إيران داخلية صرفة حيث ان هناك أزمة إيرانية خارجية أشد تعقيداً؛ وهي أزمة الملف النووي، وليس للرياض يد فيها، والسعودية غير معنية، سواء تم توجيه ضربة إلى إيران أو لا من الولايات المتحدة أو إسرائيل التي تلوح بذلك دائماً.

بينما تشير المؤشرات الإيرانية الى ان موضوع تسوية التوتر مع دول الخليج وفي مقدمتها السعودية العربية يجعل ابعاد سيناريو الحرب او الضربات الامريكية ضد ايران مؤجلة على الأقل في هذه المرحلة وهو ما جعل هذا الملف يتطور كثيراً في عهد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني رغم اثارته من قبل المحافظين، لكن يبدو ان الرغبة الإيرانية في انهاء توترها مع السعودية هو قرار من اعلى قمة في إدارة الدولة وهو المرشد الأعلى، حيث باتت المشاكل الخارجية تؤرق ايران خاصة بعد التذمر الشعبي المتصاعد في ايران من سياسات ايران الخارجية وهدرها للأموال على نفوذها الإقليمي وعلى حساب ما يعتقده الشارع الإيراني قوت ورفاهية المواطن في ايران، وهذا ما جعل ايران في الأشهر الأخيرة في دوامة الحركة الاحتجاجية التي باتت تهدد مجمل النظام السياسي في ايران.

اما المؤشرات العراقية فهي تدلل على براغماتية الحكومة السابقة برئاسة السيد الكاظمي في تعاملها في الملفات الإقليمية، وهذا ما أدركته حكومة السيد السوداني رغم انها محسوبة على جناح مقرب من ايران، ويدعي العداء للسعودية بسبب سياساتها والخصومة مع ايران، فبالوقت الذي تريد جهات داخل البلد بتسوية الخلافات الإقليمية حتى لا يتحول العراق الى ساحة لتصفية الحسابات تراهن جهات وجماعات أخرى مصالحها وتواجدها المسلح والسياسي بهذا التوتر، وربما هذا ما جعلها غير مقتنعة بإعلان الجانبين السعودي والإيراني بعوده علاقاتهما السياسية والدبلوماسية من تبادل السفراء والزيارات وما الى ذلك.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2023 Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق