حين نتحدث عن مكونات مجتمعاتنا العربية والإسلامية المذهبية والقومية، فإننا لا ندعو إلى تكريس الفروقات المذهبية والقومية بين العرب والمسلمين، وإنما ندعو إلى إطلاق حالة من التعارف العميق بين مكونات الأمة وتعبيرات أوطانها والذي يؤكد هذه القناعة، هو إننا لا نتحدث عن الشيعة أو السنة...
حين نتحدث عن مكونات مجتمعاتنا العربية والإسلامية المذهبية والقومية، فإننا لا ندعو إلى تكريس الفروقات المذهبية والقومية بين العرب والمسلمين، وإنما ندعو إلى إطلاق حالة من التعارف العميق بين مكونات الأمة وتعبيرات أوطانها..
والذي يؤكد هذه القناعة، هو إننا لا نتحدث عن الشيعة أو السنة أو أي مذهب إسلامي، بوصفه مجموعة من العقائد والخصوصيات، وإنما بوصفهم جماعة بشرية يشكلون حقيقة اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية، يؤثرون في الواقع العام، كما يتأثرون به..
من خلال هذه الرؤية نحن نتحدث عن تعبيرات الأمة المتعددة. وفي هذا السياق ثمة رؤيتان وهما:
رؤية تتبنى خيار المزيد من إبراز الهوية المذهبية والقومية بكل تعبيراتهما وشعائرهما وطقوسهما، حتى لو أثارت بعض هذه التعبيرات الهواجس والمخاوف لدى شريك الوطن أو الآخر المذهبي والقومي.. وبين رؤية أخرى تقول أن المجتمعات العربية والإسلامية بكل مكوناتها المذهبية والقومية، لا تحتاج في هذه اللحظة إلى إبراز هوياتها المذهبية المتصارعة – المتحاربة والمتوجسة من بعضها البعض، بل هي بحاجة إلى بناء جسور الثقة بين مكوناتها، وإطلاق مبادرات للفهم والتفاهم والحوار والتواصل والتعايش بين جميع تعبيراتها وأطيافها..
وإن بناء الثقة يتطلب إبراز المشتركات وتنميتها، وصياغة السياسات والأولويات على هدى هذه الجوامع والمشتركات..
وإن الاستغراق في مسائل التباين المذهبي والقومي بين أهل الوطن الواحد، سيفضي إلى المزيد من التآكل الداخلي الذي لا يربح إلا خصوم الأمة والعرب والمسلمين..
وفي سياق تظهير هذه القناعة المركزية، نود التأكيد على النقاط التالية:
1- إن المسلمين بكل مذاهبهم ومدارسهم الفقهية وقومياتهم وأعراقهم، هم جزء أصيل من الأمة الإسلامية، وإن مستقبلهم، ليس منفصلا عن مستقبل الأمة الإسلامية.
وإن طبيعة الظروف والتحديات التي تواجه المجتمعات الإسلامية سواء الداخلية أو الخارجية، تتطلب بناء رؤية وصياغة إستراتيجية تمكن هذه المجتمعات بكل نخبها ومؤسساتها العامة من مواجهة هذه التحديات..
2- إن المستقبل السياسي والثقافي والاجتماعي للمسلمين جميعا، مرهون بقدرة المجتمعات الإسلامية بكل أطيافها من تطوير علاقتها الداخلية بين مختلف تعبيراتها ومؤسساتها الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية.. لأن الكثير من الجهود والطاقات تصرف في صراعات وتباينات أقل ما يقال عنها أنها لا تخدم راهن هذه المجتمعات ومستقبلها، وإنما تضره وتدفعه نحو خيارات تصرف هذه المجتمعات بكل قواها ومؤسساتها عن القضايا الكبرى والأهداف العليا لهذه المجتمعات والأمة جمعاء..
3- في كل حقب ومراحل تطور وتقدم هذه المجتمعات، هي بحاجة إلى مؤسسات للرعاية والحماية الاجتماعية، التي تحتضن الحلقات الضعيفة في المجتمع، وتوفر مؤسسات جادة للتنشئة والتربية والتدريب، وبناء الأطر الاجتماعية والخيرية والتطوعية التي تستوعب طاقات الشباب وتوفر الخدمة على مستويات مهنية راقية لكل المحتاجين والمعوزين..
فالمجتمعات لا تصمد في معاركها وتحدياتها المختلفة فترة زمنية طويلة، بدون مؤسسات الرعاية والحماية..
وفي هذا السياق ندعو المؤسسات والأطر الدينية والاجتماعية المختلفة، للاهتمام الجدي بهذه المسألة، ودعم وتشجيع الجهات والفعاليات الصالحة في المجتمع للقيام بهذه المهمة الحيوية والهامة في كل مجتمعاتنا ومناطقنا..
فمعركة مجتمعاتنا ليست معركة سياسية أو ثقافية فحسب، وإنما هي أيضا معركة اجتماعية لمحاربة الفقر برعاية مؤسسة للفقراء والتخطيط المستمر والدائم لإنهاء كل موجباته (الفقر) من مجتمعاتنا.. كما إننا بحاجة أن نقدم حلولا عملية لمواجهة كل الصعوبات المعيشية والحياتية التي تواجه مجتمعاتنا وبالخصوص الفئات والشرائح الضعيفة فيها.. ودائما تبقى قوتنا في التزامنا الأخلاقي والقيمي.
4- من الضروري أن ندرك أن إنهاء أزمات وجودنا، مرهون بقدرة مجتمعاتنا العربية والإسلامية على التحرر من ربقة الاستبداد، وتعزيز الحياة الدستورية والديمقراطية وقيام دولة المواطنين التي لا تفرق لاعتبارات دينية أو مذهبية أو عرقية بين مواطن وآخر..
فخلاصنا في كل مجتمعاتنا من مشكلاتنا السياسية والأمنية والاقتصادية، يعتمد على قدرتنا مع شركائنا في الوطن، على بناء دولة مدنية عادلة تستوعب جميع الأطياف وتكون تعبيرا أمينا عن مكونات شعبها ومصالحه الحيوية. فلا خلاص لنا بمعزل عن إصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية العامة في مجتمعاتنا ودولنا..
لهذا فإننا نعتقد أن إنهاء حالة التباين والخلافات بين توجهات الأمة وأطيافها، يقتضي العمل على بناء حقائق الاتحاد والألفة بين هذه التوجهات والأطياف.. لهذا فإنه لا يكفي أن نتحدث عن الألفة والوحدة، وإنما من الضروري العمل على بناء معطيات وحقائق للألفة والوحدة في الفضاء الاجتماعي..
وعلى كل حال ما نود أن نقوله في هذا السياق، أن العلاقات الداخلية بين تعبيرات وأطياف ومؤسسات المجتمعات الإسلامية تحتاج إلى مبادرات وخطوات جادة من الجميع لتحسين العلاقة وتطويرها.. وإن استمرار حالة الجفاء والتباعد وسوء الظن والفهم وغياب التنسيق والتعاون يفضي إلى نتائج سلبية على عموم الواقع الإسلامي.
وهذا بطبيعة الحال يتطلب من جميع الإطراف، وبالذات في ظل هذه الظروف الحساسة، العمل الجاد من اجل وأد كل محاولات الفتنة بين العرب والمسلمين، وبناء حقائق ومعطيات يحس بها الجميع وتعزز قيم الإخاء والألفة بين المسلين بكل تعبيراتهم وحقائقهم المجتمعية. لهذا فان المطلوب من الجميع، ليس رفع الصوت للمطالبة بالألفة بين المسلمين فحسب، بل بناء حقائق التآخي والألفة في واقعهم الحياتي بكل أبعاده ومستوياته.
اضف تعليق