ان العبقرية المرعبة للنخبة السياسية الأميركية تمثلت في قدرتها على إقناع الشعب بالتصويت ضد أكثر مصالحه أهمية دون حاجة إلى القمع والاضطهاد، فيقوم مديرو أجهزة الإعلام في أميركا بوضع أسس عملية لتداول الصور والمعلومات ويشرفون على معالجتها وتنقيحها وإحكام السيطرة عليها، لتحديد معتقدات الناس ومواقفهم...

بكبسة زر ودون سابق انذار أغلقت شركة فيس بوك صفحات تابعة لقناة روسيا اليوم ووكالة سبوتنيك الإخبارية، بعد صدور تقرير من شبكة سي ان ان الإخبارية الامريكية يفيد بارتباط المؤسستين الاعلاميتين بالرئاسة الروسية.

ونشرت روسيا اليوم تقريرا قالت فيه ان "السبب الوحيد لهذا التصرف هو أن الحكومة التي تساهم في دعم قناتنا هي الحكومة الروسية، وفي الوقت الذي لم نخرق فيه أيا من قوانين وسياسات فيسبوك، ولا تدعو أي من المواد التي ننشرها إلى العنصرية، ولا ننشر أي أخبار كاذبة، ضغطت محطة CNN الأمريكية على إدارة فيسبوك لممارسة تكميم غير مسبوق لحرية الصحافة والنشر والإعلام، في جو من الهستيريا المحيطة بأي شيء يمت بصلة لروسيا.

وعلّقت مرغاريتا سيمونيان رئيسة تحرير قناة روسيا اليوم والوكالة الدولية للأنباء "روسيا سيغودنيا"، على تصرف إدارة فيسبوك بأن "سي إن إن" تتصرف كاليد اليمنى واليسرى وساقي الناتو ووزارة الخارجية الأمريكية، بل إنهم لا يخفون أنهم قاموا بما يسمى "تحقيقا صحفيا"، المادة التي تحمل قدرا كبيرا من الابتزاز، بتعليمات مباشرة من الصندوق الذي يموّله حلف الناتو والخارجية الأمريكية.

لقد أجبرت "سي إن إن" إدارة فيسبوك على حذف حساباتنا من موقع التواصل الاجتماعي، بينما كان بإمكان موقع فيسبوك أيضا ألا يستجيب لهم، إلا أن فيسبوك أصبح مصابا بالذعر كي لا يتهموه هو الآخر بمساعدة ما يسمى بالتدخلات الروسية في الانتخابات الأمريكية، و"إعاقة" سير العملية الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك قام بحذف تلك الحسابات دون سابق إنذار في دقيقة واحدة.

حسابات مليونية

الحسابات التي حذفتها إدارة فيس بوك تحمل 4 ملايين مشترك، وعليها فيديوهات ذات 2.5 مليار مشاهدة. وبحسب رئيسة تحرير روسيا اليوم لم تكن هناك أي ملاحظات على مضمون جميع هذه الفيديوهات أو الحسابات. ولكن بمجرد أن اتصلت قناة سي إن إن بإدارة فيسبوك وتساءلت: "كيف تسمحون لأولئك الروس بالحديث مع مواطنينا"؟ فما كان من فيسبوك إلا أن انصاع فورا لتعليماتها". بحسب تعبير سيمونيان.

قد يصاب البعض بالصدمة عندما يسمع عن ضياع اكثر من ملياري مشاهدة وأربعة ملايين مشترك بكبسة زد واحدة، لكن هذا الامر طبيعي في عصر تحولت فيه وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الى أدوات للصراع الدولي.

لا تملك أمريكا حرية تعبير مطلقة، ولا تسمح لاحد ان يعبر عن رأيه خارج الأطر السياسية والاقتصادية المهيمنة، وربما يعتقد البعض ان هذا الكلام بعيد عن الواقع، لكن نحن العرب نقيس الحرية من باب شتم الرئيس او الاعتراض على وزير معين، اما في أمريكا فهذا الشيء مفروغ منه، والاهم ان لا تمس شركات التكنلوجيا والأسلحة وشركات الطاقة العملاقة، والتي أصبحت الممثل الطبيعي للقيم الامريكية العليا التي لا يعد الرئيس ولا الوزير من ضمنها.

القيم الامريكية العليا هي ان لا تحاول كسر الأنماط الاجتماعية السائدة القائمة على الفردية المطلقة، ولا تكشف زيف الرأسمالية المتوحشة، التي يستطيع شخص مثل مارك زوكربيرغ بالحصول على ثروة بعشرات مليارات الدولارات بينما يعيش الموظفين لديه في ظروف اقرب للقهر والحرمان، وكذلك الحال في شركة ابل عملاق التكنلوجيا التي تشهد حالات من القهر على موظفيها. هؤلاء يريدون من وسائل الاعلام ان تفسر حصولهم على كل هذه الأموال باسم الحلم الأمريكي، والطموحات الفردية، وليس الاستغلال للعاملين والموظفين.

ساحة خلفية للصراع

حرية التعبير موجودة في أمريكا ولا ينكرها احد، لكنها للامريكيين فقط الذين يخضعون للقيم التي ترسمها اللوبيات والشركات العملاقة، ابرزها شركات النفط والسلاح والتكنلوجيا، تصدر منتجات هذه الشركات الى الدول المتخلفة، فتحصل على أرباح طائلة وخاصة الصادرات الحربية التي تقتل العشرات يوميا.

وهذه الشركات تحتاج من يحميها ويكمم افواه الناس، لذلك تحاول تمويل مؤسسات إعلامية كبرى تقوم بتحويل الانتباه عن عمليات الاستغلال المالي للطبقات الفقيرة من قبل النخبة المسيطرة، وهذا ما أشار اليه سابقا المفكر هربرت شيللر في كتابه المتلاعبون بالعقول، ويضع الكتاب تصورا فريدا ومقاربة غير مألوفة للمجتمع الأمريكي ولأجهزة الإعلام التي تتحكم فيه بصورة علمية مقصودة لتحقيق أهداف الجهات الحقيقية المهيمنة على الإعلام وهي الشركات العملاقة.

ويعرف الكاتب القائمين على أجهزة الإعلام في الولايات المتحدة بأنهم الذين يضعون الأسس والأفكار التي تحدد معتقدات ومواقف وسلوك الفرد. ويرى شيللر أن تضليل وبرمجة عقول البشر ما هو سوى تطويع الجماهير للأهداف والسياسات السائدة حتى يتم ضمان تأييد النظام بغض النظر إذا ما كان هذا النظام يعمل للمصلحة العامة أو ضد الصالح العام للشعوب.

ويقول شيللرإن الإعلانات والأخبار وحتى المعلومات هي نتاج معرفي تديره وتوجهه شركات أمريكية، وسياسات الحكومة الأميركية، فهي التي تتحكم في وسائل الاتصال في الولايات الأمريكية وفي الكثير مما يتداوله العالم، وهو تحكم يمكنها من السيطرة على آليات النظام الإعلامي، وبالتالي السيطرة على مصادر المعلومات التي يتم عبرها التلاعب بالعقول المستهلكة لهذه المعلومات.

إدارة ناعمة

النخبة المهيمنة على الولايات المتحدة لا تريد منافسا لها في الداخل، وروسيا اليوم وسبوتنيك اثبتت قدرتها على تحقيق هذه الغاية، وبالتالي يجب قمعها، لكن قبل ذلك يجب تبرير عملية القمع، وتاتي فكرة التدخل الروسي للتخلص من الانتقادات التي قد توجه للنخبة المهيمنة باعتبارها قمعت حرية التعبير في مجتمع يزعم انه سيد الديمقراطية.

ويتفق هذا السلوك مع ما طرحه مؤلف كتاب المتلاعبون بالعقول الذي يرى أن العبقرية "المرعبة للنخبة السياسية الأميركية تمثلت في قدرتها على إقناع الشعب بالتصويت ضد أكثر مصالحه أهمية دون حاجة إلى القمع والاضطهاد، فيقوم مديرو أجهزة الإعلام في أميركا بوضع أسس عملية لتداول الصور والمعلومات ويشرفون على معالجتها وتنقيحها وإحكام السيطرة عليها، تلك الصور والمعلومات تحدد معتقدات الناس ومواقفهم، بل وتحدد في النهاية سلوكهم".

ليس غريبا ان يتم حجب وسائل الاعلام الروسية في أمريكا فالديمقراطية لها عيوبها أيضا، ومن ابرز تلك العيوب هي سيطرة النخبة المالية والشركات العملاقة التي لا تهتم الا بالربح، وقد تستطيع خلال سنوات وربما عقود من تحقيق أهدافها لكنها في النهاية ستاخذ المجتمع الأمريكي والعالم معها نحو الهاوية، لان المجتمع القائم على الأوهام الإعلامية لا بد وان يكشف في النهاية، وليس ادل على ما نذهب اليه انتخاب دونالد ترامب الذي يعد احد نجوم الاعلام المهيمن.

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
أحبائي
امريكا دولة القمع والإرهاب و تدعي انها حارسة الحرية والديوقراطية
والفيس بوك شركة يمتلكها مارك زوكربرج لكنها تدار بواسطة المخابرات الأمريكية
ومارك زوكربرج يهودي صهيوني متعصب انضم منذ بضعة اشهر الى مجموعة سرية اسرائيلية
وقبل انضمامه ارسلت لى فيس بوك تحذرني من ان منشوراتي ضد اسرائيل تحرض على العنف ومعاداة السامية
وأنا لم اقل الا ان من حق الفلسطينين أن يعاملوا الإسرائيليين بنفس المعاملة التي تعاملهم بها قوات القمع والإحتلال الإسرائيلية الإرهابية
فارسل لى الفيس بوك وقال لى انه في 25 سبتمبر 2018 سرقت بياناتك جهة أجنبية
وبعد بضعة ايام قال لي سنغلق صفحتك لأنك لست الكاتب الأديب جمال بركات....أنت شخصية وهمية
واذا كانوا قد فعلوا ذلك معي وأنا مجرد فرد لاحول لي ولاقوة ..فكيف يجرؤون على فعله مع مؤسسات روسية
روسيا بإمكاناتها الواسعة باستطاعتها ان تنشئ مواقع مماثلة لهذه المواقع وتكون اكثر فاعلية ومصداقية
أحبائي
دعوة محبة
ادعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الارض
جمال بركات...مركز ثقافة الالفية الثالثة2019-02-19