في تفسير \"الغضبة\" السعودية، يمكن القول إن المملكة في ظل قيادة ولي عهدها الشاب، تمر بمرحلة تغييرات داخلية \"حساسة\"، فالحملة التي تجري داخل المملكة تستثير جبهة واسعة من الخصوم والأعداء، وآخر ما يحتاجه الأمير، هو سماع أصواتٍ دولية تقلل من شأن إجراءاته وسياساته، وتمس بصورة...

رد الفعل السعودي على الفعل الكندي، لم يأت مساوياً له في المقدار، وإن جاء معاكساً له في الاتجاه... "تغريدة" عن السفير وبيان عن الوزيرة، كاناكافيين لإشعال أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين البلدين، واستثارة موجات متلاحقة من "العقوبات" السعودية على كندا، ما زالت تتوالى فصولاً.

صحيح أن البيان الكندي، صيغ بلغة "آمرة"، وفيها قدرٌ من "الاستعلائية"، ولكن الصحيح كذلك أن بيانات مماثلة، كتبت بلهجات آمرة واستعلائية أيضاً، كانت صدرت من قبل عن عواصم دولية كبرى، مثل واشنطن ولندن وباريس، أو عن منظمات حقوقية فيها، لم تثر ما أثاره البيان الكندي من ردود أفعال سعودية عاصفة وحازمة كما وصفها الإعلام السعودي وضيوفه من الكتاب والمحللين السعوديين والخليجيين والعرب.

في الجواب على سؤال: لماذا استهداف كندا، وليس الولايات المتحدة على سبيل المثال، حيث لا يخلو تقرير من تقارير "خارجيتها" من انتقادات لاذعة للسعودية، وفي ميادين شتى، راقني ما جاء به محلل سياسي غربي، حين قال لأنها – يقصد كندا - "كبيرة بما يكفي لتكون مهمة، وصغيرة أيضا بما لا يشكل خطرا على السعودية".

في تفسير "الغضبة" السعودية، يمكن القول إن المملكة في ظل قيادة ولي عهدها الشاب، تمر بمرحلة تغييرات داخلية "حساسة"، فالحملة التي تجري داخل المملكة تستثير جبهة واسعة من الخصوم والأعداء، وآخر ما يحتاجه الأمير، هو سماع أصواتٍ دولية تقلل من شأن إجراءاته وسياساته، وتمس بصورة كرجل إصلاح وتغيير، فتضيف إلى معاناته الداخلية، معاناة خارجية.

وفي معرض التفسير أيضاً، يبدو أن الرياض راهنت على عمق علاقاتها مع واشنطن، وتردي علاقات الأخيرة بأوتاوا، مع تفاقم الخلافات التجارية و"المناخية" و"البيئية" بين البلدين، وفي ضوء الانتقادات "السوقيّة" التي وجها الرئيس ترامب لرئيس الوزراء الكندي الشاب.

وإذ سعت دول وعواصم غربية، للنأي بنفسها عن الأزمة وطرفي النزاع فيها، مكتفية، لأسباب انتهازية، تجارية ومالية محضة، بدعوتهما لضبط النفس وانتهاج طريق الحوار والحلول الدبلوماسية، فإن دولاً عربية عديدة، بما فيها أمانتي مجلس التعاون الخليجي والجامعة العامتين، قد التزمت موقف الدعم والتأييد للرياض، في تأكيد متكرر، على المكانة المهيمنة التي تلعبها المملكة في المجال العربي، والتي تجعلها مطمئنة إلى دعم الدول العربية لها، في أي موقف تتخذه، وفي أي اتجاه.

لكن تتالي الإجراءات السعودية العقابية لكندا، دفع دولاً غربية للتقدم خطوة إضافية باتجاه الموقف الكندي، حتى لا تبدو أوتاوا معزولة عن حليفاتها، فرأينا الدعوات تتوالى من واشنطن وعواصم أوروبية، داعية المملكة للكشف عن أسماء ومصائر ونشطاء حقوق الانسان في سجونها، وبصورة تضاعف من حرج الرياض، وتدخلها في مواجهة (ناعمة بكل تأكيد) مع أبرز حلفائها الدوليين.

لو أن الإجراءات السعودية بقيت محدودة بسحب السفراء وتجميد اتفاقات تجارية واستثمارية ووقف بعض الرحلات الجوية، لكان الأمر مفهوماً، ولقلنا إن ردة الفعل السعودية يمكن أن تكون متناسبة مع الفعل الكندي... لكن أن تشمل ردة الفعل، الطلب إلى ألوف الطلبة السعوديين الدارسين في الجامعات الكندية، وإلى ألوف المرضى السعودية الذين يتلقون العلاج في مستشفياتها وعياداتها، ترك البلاد ومغادرة مقاعد الدراسة وأسرة الشفاء فوراً، إلى دول أخرى، فإن السؤال حول "من تعاقب السعودية؟"، يصبح سؤالاً مشروعاً... هل تعاقب كندا وسلطاتها، أم أنها بهذه الإجراءات، غير المدروسة، إنما تعاقب شريحة واسعة من مواطنيها، وتلقي بظلال داكنة على مصائر صحتهم الجسدية وتحصيلهم العلمي؟... وهل يسهم إجراء كهذا في دفع تهمة "اختراق حقوق الانسان" التي أشعلت الخلاف السعودي الكندي، أم أنه يكرس الاتهام ويضيف إليه ملفات الطلبة والمرضى الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الأزمة الدبلوماسية الطارئة بين البلدين.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق