أن تسقط على الأرض بسبب قشرة موز، قد يكون أمراً عادياً للمرة الأولى، سيبرر سقوطك الأول ضعف نظرك.. جهلك لما على الطريق.. أو جهلك بما ستصنعه هذه القشرة عندما تستقر عليها قدمك!.

لكن أن (تتزحلق) مرة ثانية وبنفس الطريقة وبـ "قشرة الموز" ذاتها، فالأمر لا يمكن أن يخرج عن كونه غباءً أو حمقاً.

لا بأس.. تنهض مجدداً وتسير خطوات قليلة، تعترض طريقك مرة أخرى قشرة الموز، لا شك أنك سوف تتحاشاها تجنباً لسقوط جديد على الأرض.. أليس كذلك؟!.

لكن الكارثة، في الغبي الذي سوف يقول حال رؤيتها للمرة الثالثة: "أوووو هم راح أوگع -أسقط- من جديد".

المؤكد، أن العشرات، أو ربما المئات، سوف يعترضون على سرد هذه الأمثولة ومحاولة تطبيقها على الواقع العراقي، لأن غالبيتنا نرفض وبشدة أن نتحدث عن عيوبنا ومساوئنا. نرفض أن نناقش أسباب فشلنا.. نرفض استماع النصائح واستشارة الآخرين.. نرفض أكثر وأكثر عندما يتعلق الأمر بمراجعة قصة تاريخية قد نجد فيها حلاً ناجعاً لمشكلة ما لها جذور تاريخية، لكن ليس كل رفض يحظى بالأهمية التي نتوقعها.

إذا أنكر أحدنا –ظاهراً- أن ما يجري في العراق منذ أكثر من 14 عاماً وحتى الآن هو حرب داخلية وقودها التعصب الطائفي والعرقي؛ فإن ضميره ووجدانه الداخلي يؤكدان له هذه الحقيقة عشرات المرات في اليوم الواحد وهو يتابع نشرات الأخبار، أو يحدّث الآخرين وهو ينتظر دوره لدى بائع الخبز أو البقّال، ويظهر له ذلك بوضوح عندما يستذكر هتافات أهالي الموصل المرحبة بدخول تنظيم داعش إلى مدنهم، ويظهر أيضا عندما يغوص في ذاكرته القريبة وهو يشاهد نحو 1700 شباباً أفتت رصاصات الجماعات الإرهابية المسلحة بقتلهم في تكريت السُنية بالتعاون مع عشائر البوعجيل وغيرهم.

ليس بمقدور أحدنا نكران حقيقة أن حرباً أهلية كانت مشتعلة في عامي 2005 و 2006 عندما كان يقاد الشباب في العاصمة بغداد إلى مناطق اخرى ويتركون هناك جثثاً هامدة!.

أما مع الكرد، فمسوغات الاقتتال كثيرة، ويكفي في إشعال الحرب معهم أي تصريح ناري لأصغر سياسي أو مسؤول كردي، أو أي ممارسة استفزازية يقومون بها، أو فسح المجال لأي فصيل شيعي مسلح لإشعال فتيل حرب كردية عربية، وقد ينفع في لذلك رفع قطعة قماش على مؤسسة حكومية تستفز جميع أطراف النزاع!.

هذا التناحر والاستعداد للاقتتال المستمر في أي وقت، والذي تحركه بين فترة وأخرى جهات خارجية ودول إقليمية، ألا يشبه نوعاً ما رهان "قتال الديكة" حتى الموت؟!!

هذه الحرب الداخلية "المغلفة" بمسميات مختلفة، تسعى وبدون أدنى درجة من الشك إلى حلم التقسيم الذي تحاول دول كبرى تحقيقه في العراق وتنطلق منه إلى منطقة الشرق الأوسط برمتها.

وهذا الدعم الموّزع بالتساوي الذي تقدمه الدول العظمى في العراق وسوريا وباقي دول المنطقة إنما هو جزء من هذه الحرب التي وقودها الأبرياء.

ما يجري ليس بجديد على واقعنا، وهذا السيناريو المعقّد الذي نتابعه اليوم بشغف لكننا في الوقت ذاته ننتظر نهايته، عاشه أجدادنا وآباؤنا من قبل في حقب مختلفة، منها ما حدث في ثورة العشرين، في تلك الفترة الصعبة التي كانت فيها فرص التقارب بين مكونات الشعب العراقي بدائية مقارنة مع تطورها وقدرتها على إحداث طفرات هائلة في التواصل والتلاحم والوئام اليوم، مع تلك البدائية في كل شيء حتى على مستوى السلاح، انتصر العراقيون بجدارة.

يهدينا كتاب لكيلا تتنازعوا للإمام الراحل المرجع المجدد الشيرازي (أعلى الله درجاته) مفاتيح الخلاص عبر تفاصيل مشابهة جدا لواقعنا اليوم في قصة وضعها تحت عنوان "لا لتقسيم العراق".

وفي تفاصيل هذه القصة، يذكر سماحته أن ثورة العشرين في العراق التي قامت بقيادة القائد الشيخ محمد تقي الشيرازي (قدس سره)، "ومع أن الثورة قامت على أكتاف الشيعة فإن الشيخ رأى من الضروري أن يشارك السنة فيها.

ثم يبين سماحته في نقطتين محاولات الإنكليز لإجهاض تلك الثورة ومراهنته على احداث التفرقة لتنفيذ مخطط التقسيم وهي كما يلي:

1- فصل السنة عن الشيعة وإلقاء الفرقة بينهم من خلال تخيير العشائر السنية آنذاك باختيار حكم سني أو شيعي في العراق، وكان الشيخ محمد تقي الشيرازي قد قطع الطريق على الانكليز عندما فضل ان يكون السنة إلى جانب الشيعة في تلك الثورة.

2- تقسيم العراق إلى منطقة شيعية تضم النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء وما حولها، ومنطقة سنية هي بقية العراق، ومنطقة ثالثة هي للأكراد في شمال العراق، ويضيف سماحة المرجع الشيرازي "كما فعلوا ببلاد الشام التي قسموها إلى خمس حكومات".

واللافت أن أعداد كبيرة من -البسطاء- كما يسميهم المجدد الشيرازي، فرحوا بهذا التقسيم وخصوصاً الشيعة الذين قالوا: "وهل هناك أفضل من وجود حكومة شيعية لا يضطهدها السنة؟!"، وهو ما يتداوله ساسة الشيعة، ويراهنون عليه في حملاتهم الانتخابية.. "نحن حماة دولتكم الشيعية"، هكذا يبسطون لنا المسألة ويمررون كل ما يريدون عبر هذه الفكرة.

إذاً.. هذا المنزلق الذي نقف على أطرافه متدلين اليوم ليس بالجديد، وتجنب الوقوع فيه هو الآخر ليس بالبعيد عنّا، وكل ما نحتاجه هو قراءة واعية للتاريخ الحديث والاستفادة منه، ومحاصرة الأنانيات التي يراهن عليها الخارج لتمرير مخططاته لتمزيقنا.

صفوة القول: عمر مؤامرة تقسيم العراق عبر حروب داخلية يفوق عمرها الحالي الذي نعاصره نحن، وقد لا تكون أجواء المؤامرة التي واكبت ثورة العشرين -وما رافقها من نزاع داخلي نجحت في إنهائه المرجعيات الدينية آنذاك- "قشرة الموز" الأولى التي أسقطتنا على الأرض، وأن ثمة قشور سبقتها، أما اليوم فما أكثرها.. فهلا تجنبا السقوط والانزلاق مجدداً بوعينا.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق