المبادئ والقيم التي سطرها الامام الحسين في يوم الفتح الانساني العظيم، كان وسيبقى من اجل تصحيح المسارات الخاطئة، وتكامل الانسان وخلاصة من ادران الباطل والجهل والانحراف، ومعرفة الحق واتباعه، وتشخيص الباطل ومحاربته، والسعي لخلاص البشرية من الجهل والاستبداد. الاصلاح كقيمة أساسية في نهج الامام الحسين ضد كل الانحرافات...

ان الاثر الذي طبعته القضية الحسينية في ذاكرة ووجدان الانسانية جعلها رمزاً للمعاني العظيمة في الفداء والاصلاح وقول الحق والتحرر من الظلم والفساد والعبودية، والاستشهاد في سبيل المبدأ، والسعي في سبيل حفظ كرامة الانسان.

لذلك تجد ان حركة التأريخ التي طمست الكثير من المعالم والاثار، وشوهت الحقائق، وغيبت بين طياتها ملوك ودول وامبراطوريات، وقفت عاجزة عن مجاراة عظمة هذه القضية وخلودها، ولم تستطع استيعابها، فهي أكبر من الاحتواء او السرد او التحريف، اذ كانت النهاية التي وضعت حداً لما قبلها من الانحراف، والبداية التي اسست للإصلاح ووضع الامور في نصابها.

عندما قال الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) كلمته المشهورة: "إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، إني خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ولآمر بالمعروف ولأنهى عن المنكر"، فقد لخص فيها ما سبق الحديث عنه، فهو الامام الثائر في وجه الظلم والفساد والاستبداد، وهو الامام الطالب للإصلاح، وهو الامام الناصر للحق والرافض للمنكر، خصوصاَ مع سياسيات تجهيل المجتمع، واخضاع افراده بالرغبة والرهبة، واستعبادهم، التي اتبعها النظام الحاكم الظالم (بنو امية).

ومنها انطلق التأسيس لكل انواع الانحرافات الفكرية والعقائدية والاخلاقية والثقافية في امة كان من المفترض ان تصبح فيه المنار والمثال لباقي الامم لقوله تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ".

وقد برزت القضية الحسينية كحركة تصحيح امام هذا التأسيس المنحرف، كما اشار اليها المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي بقوله: "تصحيح سلوك الناس وتقويمه، بعد أن تلون سلوك الناس وأخلاقهم في ظل النظام الأموي بطابع العنف والاستبداد والوحشية والاستهتار بما لا يتناسب مع الخلق الإسلامي والإنساني، فأعاد الإمام (ع) بنهضته الشريفة مكارم الأخلاق التي بناها جده الكريم (ص) وقدمها إلى البشرية ودعا الناس للتخلق بها في كل مراحل الحياة".

وهذا ما نفهمه من القضية الحسينية التي ارتبطت بالإنسانية في جوهرها، واظهرت من خلال نهضه الامام الحسين (عليه السلام) عظمة وهوية الدين الاسلامي على حقيقته: "وهذا هو ما كان يستهدفه الإمام الحسين (ع) من نهضته وشهادته، وذلك لأن الإسلام الذين أنزله الله تعالى في كتابه، ونطق به قرآنه، وبلغ له رسوله صلى الله عليه واله وسلم، وضحى من أجله أهل البيت عليهم السلام، وخاصة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء يوم عاشوراء، هو الدين الكامل والقانون الشامل الذي باستطاعته في كل عصر وزمان أن يسعد الإنسان والمجتمع البشري ويضمن له التقدم والرقي والتطلع والازدهار"، لا كما ارادها اصحاب النفوس الضعيفة، واللاهثون وراء السلطة والمال.

لذلك عندما خرج الامام الحسين (عليه السلام) وحاول الاخرون ثنيه عن ذلك، لم يجدوا منه سوى جواب واحد: "موت في عز خير من حياة في ذل"، لان المسألة ليست لمطالب شخصية، وما كان للإمام الحسين (عليه السلام)، وهو الامام الرؤوف، سبط النبي وريحانته، وسيد شباب اهل الجنة، ان يضحي بنفسه واهل بيته واصحابه، وتسبى نسائه واطفاله، من اجل اهداف ضيقة او مصالح انية، ولو كان الامر كذلك لطوته حركة التاريخ واصبحت القضية الحسينية على الهامش او طي النسيان.

ان المبادئ والقيم التي سطرها الامام الحسين (عليه السلام) في يوم الفتح الانساني العظيم، كان وسيبقى من اجل تصحيح المسارات الخاطئة، وتكامل الانسان وخلاصة من ادران الباطل والجهل والانحراف، ومعرفة الحق واتباعه، وتشخيص الباطل ومحاربته، والسعي لخلاص البشرية من الجهل والاستبداد.

وقد أشار السيد الشيرازي (رحمه الله) في كتاباته عن النهضة الحسينية ومبادئها الخالدة الى جملة من الأهداف نلخصها بعضها بالآتي:

1. الاصلاح كقيمة أساسية في نهج الامام الحسين (عليه السلام) ضد كل الانحرافات وما سبب لها، مع الإشارة لأهمية الدور الذي يلعبه المصلح، والقدرة على احداث التغيير المنشود.

2. وضع حد للفساد والظلم والجور، وانهاء مظاهر الاستبداد والوقوف بوجه الظالم، أينما كان ومتى ما وقع، ومهما كان الثمن والتضحية، فالإمام الحسين (عليه السلام) أراد إعطاء فرصة للإنسانية في رفض الظلم والوقوف بوجه الظالمين: "لم يكن سيد الشهداء الإمام الحسين ‹عليه السلام› مخالفاً ليزيد بن معاوية فقط، بل كان مخالفاً لجميع الظلمة الفاسدين والمفسدين في كل زمان ومكان".

3. عندما تكون النفوس عظيمة وكبيرة فإنها تفيض بعطائها على الجميع، ولا تفرق بين بين انسان واخر، وهذا ما رسخته القضية الحسينية، التي سعت لضمان ان يعيش الانسان بسعادة وحرية بعيداً عن الظالمين: "أراد سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) للإنسان بما هو إنسان أن يعيش سعيداً حراً، في أي زمانٍ ومكانٍ، سواء أكان مؤمناً أم كافراً".

4. لقد صنع الامام الحسين (عليه السلام) النموذج الذي يقتدي به الأحرار والمصلحين والثائرين ضد الظلم والظالمين في مختلف بقاع العالم وعبر التاريخ، حتى أصبح الامام الحسين (عليه لسلام) مثالاً للنهوض الإنساني العظيم، كما عبر عنه الامام الشيرازي: "كانت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) وستبقى نبراساً لسائر النهضات التحررية في العالم ضد الظالمين، فقد كانت وستبقى النهوض الإنساني العظيم الذي هز عرش الطغاة المستبدين".

5. لقد شخص الامام الحسين (عليه السلام) مكامن الخلل ووضع الحلول المناسبة للمشاكل التي عصفت بالمجتمع الإسلامي والإنساني وسعى الى تطبيقها، وقد تحمل أعباء هذا الدور الإصلاحي والإنساني العظيم من اجل فتح الطريق امام الأجيال اللاحقة لعدم هدر حقوقها: "إن سيد الشهداء الإمام الحسين (سلام الله عليه) عبر نهضته المباركة دل الأجيال على الطريق، وأوضح السبيل لعلاج مشاكل المجتمع، والحصول على سعادة الدنيا وكرامة الآخرة".

6. عندما تسلب حرية الانسان منه يصبح بلا إرادة، لا يملك القدرة على الحياة او التفكير او الشعور بالسعادة او الكرامة، انسان بلا إنسانية، لا يشعر سوى بالخضوع والخنوع للجلاد، وهذا ما وقفت امامه النهضة الحسينية وحاربته: "لقد كان استشهاد الإمام أبي عبد الله الحسين ‹ سلام الله عليه › من أجل إحياء الحرية التي ماتت على أيدي بني أمية".

7. لقد أسست النهضة المباركة القواعد العامة ووضعت الملامح الرئيسية للمدرسة الحسينية التي تمكن الانسان من تهذيب النفس وعلو الهمة واكتساب الاخلاق والمعرفة والتخلص من الاثقال المعنوية التي تعيق حركة الانسان نحو التقدم والتكامل الروحي: "إن من يريد الخلاص من الذل والعبودية، ومن يريد العزة والسعادة، فعليه أن يتعلم من مدرسة أبي الأحرار الإمام الحسين ‹عليه السلام› درس الشهامة والشجاعة، وسمو النفس وعزة الروح، والاستقلال الفكري ورفض العبودية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإصلاح المجتمع وإنقاذ الإنسان، والجهاد ضد الظلم والطغيان".

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2023
http://shrsc.com

اضف تعليق