ماذا يفعل الفيروس لنا؟ من العجز الجنسي وحتى إلى الهستيريا. فهل نحن بحاجة إلى الثقة والإرادة للتكيف والمواجهة؟. بدل زرع ثقافة عدم الثقة وتعميم المدونات والآراء الشائكة حول جائحة الكورونا بهدف المنافسة المعلوماتية غير المفيدة والمتكرر نشرها في أغلب الأحيان. وننسى بأن النصائح والمعلومات حول...

ماذا يفعل الفيروس لنا؟ من العجز الجنسي وحتى إلى الهستيريا. فهل نحن بحاجة إلى الثقة والإرادة للتكيف والمواجهة؟. بدل زرع ثقافة عدم الثقة وتعميم المدونات والآراء الشائكة حول جائحة الكورونا بهدف المنافسة المعلوماتية غير المفيدة والمتكرر نشرها في أغلب الأحيان. وننسى بأن النصائح والمعلومات حول الجائحة أو غيرها، في هذا العصر، ممكن الحصول عليها من مراكز أبحاث رصينة بسهولة.

في خط رفيع للهستيريا،لا شيء غني عن القول. عند الفحص الدقيق، نجد أن العالم مليء بالألغاز، صغيرة وكبيرة، لا يمكنك منع الخوف منها، ولكن يمكنك تجنب إثارة الذعر. للأسف، تم تصميم التقارير البصرية لوسائل الإعلام بشكل يزيد من المخاوف التي لا يمكن قياسها. على سبيل المثال، عندما تشاهد بتردد صور الفيروس غير المرئي في حجم وشكل ولون الوحش على شاشة التلفزيون، غالبا ما تجعل المرء يفكر في غسل الدماغ. أو عندما توضح وسائل الإعلام "الإصابات المؤكدة" في رسوم إحصائية بمنحنيات حادة، بالطبع يصبح الوضع مرعبا وغير واضح للناس. لكن الخوف والهستيريا لم يسبق لهما أن كانا نصيحة جيدة للنفس، التي يجب أن تتحلى بالشجاعة والعقل. علماء الاجتماع والعلاج النفسي يتحدثون ـ بدلا من الخوف والهستيريا، هناك حاجة إلى الصفاء والقوة في أوقات الخطر. فيما تتحدث الفلسفة بطريقة مذهلة عندما يكون الخط الفاصل بين التنوير والإثارة ضيقا، عن القوة الدافعة لمواجهة الازمات والحد منها من منظور سوسيولوجي.

ما نشهده اليوم هو شبيه بلحظة غرق السفينة البريطانية "تيتانيك"Titanic الأكبر في العالم، في القرن الحادي والعشرين. خلال رحلتها الأولى عام 1912 وكان على متنها 2200 توفي من بينهم 1514 شخصا. في ذلك الوقت، خلق غرق تيتانك أثر اصطدامها بجبل جليدي جنوب شرقي نيوفاوندلاند، شعورا بالشك في عصمة الإبداع البشري.. اليوم؟ إن الفيروس الصغير غير المرئي لا يدمر حياة البشر فحسب، بل يحول كل شيء أنجزه البشر على مدار الخمسين أو السبعين سنة الماضية إلى صفر. إذن يجب أن يعلمنا هذا الفيروس الصغير درساً: انه ليس لدينا القدرة للسيطرة على الطبيعة، ولكن الطبيعة تجعلنا تحت السيطرة.

أصدر مهرجان جنيف للسينما الشرقية FIFOG بيانا صحفيا في 19 أيار جاء فيه: كنا نأمل حقا أن يسمح لنا الوضع الاستثنائي الذي نجد أنفسنا فيه، بعقد الدورة الخامسة عشرة من المهرجان، المقرر عقده في الفترة من 8 إلى 14 حزيران تحت شعار "المقاومة.. بالطريقة الأنثوية"، ستكون نسخة 2020 مقاومة الشدائد، وآفاق تحرير العقول من الحبس، والانفتاح على الآخرين. إلا ان تطور وضع ـ Covid 19 وتدابير المجلس الاتحادي، دفعنا إلى التخلي عن "الشكل الأصلي" للمهرجان والتفكير في شكل بديل.

نظم FIFOG 2020 مسابقتين عبر الإنترنت للأفلام القصيرة: الجائزة الذهبية والفضية، ومسابقة جائزة الجمهور. تتنافس في المسابقة الأولى الأفلام الحديثة، وستعرض الأخيرة أفلاما من إصدارات سابقة. فيما سيتمكن الجمهور من التصويت على Vimeo أوFacebook وسيتم تأجيل العروض الخاصة بالأفلام الروائية الطويلة حتى الخريف. وبهذه الطريقة يحقق FIFOG مهمته، التي تتمثل في تعزيز توزيع الأفلام الشرقية التي لا يتم بثها على نطاق واسع في سويسرا، مما يساعد على جعل الحياة أكثر احتمالا، والمساهمة في العودة إلى الحياة الطبيعية.

وفي إطار الحملة العالمية تحت شعار "نحن واحد"We Are One أقيم من 29 ولغاية 7 أيار 2020 المهرجان السينمائي العالمي، تضامنا مع أزمة جائحة الكورونا، وبه بدأ أيضا جمع التبرعات لمنظمة الصحة العالمية والمنظمات الصحية المحلية.

نظم مهرجان "نحن واحد" للأفلام عبر الإنترنت مؤسسة تربيكا الدولية Tribeca Enterprises ويوتيوب YouTube ، وقدم على المستوى العالمي العديد من الأفلام والتسجيلات وحلقات النقاش والبرامج والعروض التقديمية المختلفة مجانا. شارك فيها 21 مهرجانا سينمائيا من جميع أنحاء العالم، من بينها مهرجان برلين السينمائي "Berlinale" الدولي الذي يقام سنويا في منتصف شهر شباط.

هنا في "نحن واحد" لم يتم إنشاء السينما فقط في عمل جماعي، لكنه أيضا تجربة مشتركة. في أوقات متزامنة ومن مسافات مكانية مختلفة. فمبدأ التعاون والشعور بالمسؤولية المجتمعية كان أكثر ضرورة على المستوى الانساني. لذلك فالمشاركة في مبادرة "نحن واحد"، لها خصوصية رائعة تمكن الجمهور من رؤية أعمال كل الفنانين المشاركين، معا مرة واحدة على الشاشة الكبيرة، كما قال فريق إدارة "البرليناله" المشاركة في المهرجان، مارييت ريسينبيك وكارلو تشاتريان.

شارك مهرجان برلين السينمائي الدولي في عروض مهرجان "نحن واحد" ببرنامج مدته أربع ساعات تقريبا يتكون من حلقتي نقاش وفيلم. وتم عرض تسجيلين من البرنامج الخاص "عند الإرسال" On Transmission، الذي تم إنشاؤه لمهرجان البرليناله الـ 70. ركز البرنامج من خلال الحوار بين مخرجين، كلير دينيس Claire Deni فرنسا، وأوليفييه أساياس Olivier Assaya فرنسا، ناقشا في مواضيع الفن السينمائي ـ القصص والتجارب والخبرات والمعرفة، أثر كل فيلم عظيم على تاريخ السينما، يأخذ شيئا من الماضي، ويعالجه ويقدمه بطريقة جديدة إلى الجيل التالي. والثانية بين أنج لي Ang Lee "تايوان" في حوار مع هيروكازو كوري - إيدا Hirokazu Kore-eda "اليابان".

بعد العرض الأول لافتتاح المهرجان "On Transmission" على الإنترنت، تم عرض أحد أفلام البرليناله "صورة لشارب" "إنتاج ألماني 1979، 107 دقائق" للمخرجة البارعة اولريكه اوتنكر Ulrike Ottinger. وهي واحدة من أهم صانعي الأفلام الألمان منذ السبعينيات. أبدعت في إخراج العديد من الأفلام والأعمال المسرحية والأوبرا، بالإضافة إلى عرض العديد من أفلامها في مهرجانات دولية، بما في ذلك في Cinémathèque française في باريس ومتحف الفن الحديث في نيويورك. وحصلت على العديد من الجوائز. يشمل عملها الفني أيضا الرسم والتصوير الفوتوغرافي وحاصلة على جائزة الكاميرا في مهرجان برلين السينمائي Berlinale السبعين.

فيلم "صورة لشارب" يتناول الجانب النفسي لامرأتين غير عاديتين، ولكنهما مختلفتان للغاية. الكونتيسة وليالي الكباريه. الأغنياء، الغرباء، الذين يخفون مشاعر جامدة شبيهة بالقناع، تشرب عمدا حتى الموت. والأخرى حافية القدمين فقيرة تشرب من دون وعي حتى الموت. هذا هو الحال الذي لا يظهر في العلن، لأنه يتم الاحتفاظ به في المنزل أو في عيادة خاصة.

المثير للإعجاب، بشكل خاص في هذا الوقت الصعب الذي يتميز به فيروس الهالة، ان يقدم مهرجان برلين السينمائي العالمي بهذه المناسبة "التهاني لجميع الفائزين بجائزة الفيلم الألماني لعام 2020" مؤلفين ومخرجين وممثلين ومصورين: أفضل بطلة، هيلينا زنجل: أفضل بطل ذكر، ألبريشت شوتش: أفضل دور داعم للإناث، غابرييلا ماريا شميد: أفضل قصة: ستيفان بتشنغر وجوليا كوفالينكو: أفضل تقليد صوتي، كورينا زينك، جوناثان شور، دومينيك ليوب، أوسكار ستيبتز، جريجور بونس: فيلم "برلين ألكسندربلاتز" من إخراج برهان قرباني. وعلق فريق إدارة برليناله، مارييت ريسينبيك وكارلو تشاتريان قائلين: نحن نؤمن بالقوة الإبداعية وسحر السينما، وما تقدمه الأفلام الممتازة في ثقافتنا في ظل ظروف خطيرة للغاية كالتي نمر اليوم بها جميعا.

تتجه أزمة الإكليل إلى ذروتها. ومعها، تتزايد الأصوات التي تدعو إلى مفاهيم جديدة لما بعد أزمة كورونا. لكن عندما يفقد فيها الإنسان توازنه أو إيقاعه. لا يمكن التخطيط بسهولة لعملية التعافي ولو نفسيا من أزمات تحدث لأول مرة. فمن ناحية، الخبرة الضرورية من الماضي مفقودة، وظروف الأطر العامة للحياة تتغير باستمرار. لقد مرّ كل شخص بموقف عندما يخرج شيء عن السيطرة، وهذا بالتحديد هو الذي يخيفنا نحن البشر ويعزز السلوك غير العقلاني لدينا. والحال هو حال الجميع فوق هذا الكوكب الأزرق الجميل: لقد تعبنا من الهرولة وراء قراءة الكثير من المثير وغير المثير، الذي عشعش في العقول.. وتعبنا من البحث هنا وهناك لنعود إلى حياتنا الطبيعية.. تعبنا أيضا من الالتزام باستعمال الكمامة كالكلاب، وحفظ المسافة بين بعضنا البعض من الجنس البشري.. تعبنا من الخوف من نهاية الكون، ومن ثم ماذا بعد، إلى أين؟ وتعبنا من تمرد رأس المال على البشرية واستثمار السياسة للكورونا درعا للانتهازية والدجل والنفاق.. فمتى تنتهي هذه المصيبة؟

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق