q

يمثل السيد احمد الجلبي، الذي وافته المنية يوم الثلاثاء (3/11/2015)، احد ابرز ساسة العراق من الذين ساهموا في صناعة التاريخ السياسي الحديث للبلاد، مثلما يعد من اكثر الشخصيات المهمة اثارة للجدل والغموض... والغريب ان الغموض رافق الجلبي حتى في اللحظة التي انتقل فيها الى جوار ربه بعد ان اثارت العديد من التسريبات والتصريحات لكبار الشخصيات وبعض المقربين منه من الجلبي، انه ان بوافر صحته ولم يكن يشكو من اي عارض صحي قبل ساعات من اعلان وفاته الغامض اثر اصابته بنوبة قلبية ووجد ميتا في فراشه.

لكن حتى مع الخلاف حول شخصيته والسياسة التي اتبعها والصفقات (السياسية والاقتصادية) التي عقدها خلال مسيرة حياته، كان الجميع يتفق على امرين مهمين تكفل الجلبي القيام بهما نيابة عن الجميع:

1. الجميع كان يتفق على دور الجلبي في تسريع قناعات الولايات المتحدة الامريكية، او بالاحرى الرئيس الامريكي "جورج بوش" بغزو العراق والاطاحة بنظام صدام حسين، بعد احداث (11/ سبتمبر/ 2001)، كما كان له الدور الاكبر في ادارة وتنسيق اغلب تحركات المعارضة ضد النظام، ومنها الانتفاضة الشعبية عام 1992، وقد ركز كثيرا على استخدام كافة مهاراته وعلاقاته للوصول الى صانع القرار الامريكي واقناعة بضرورة التغيير في العراق... في وقت فشلت فيه اغلب التحركات التي قادتها الاطراف البارزة الاخرى.

2. لم يكتفي بالنجاح في ازاحة صدام عن السلطة، بل سعى الى ازالة اثار النظام وجذوره المتمثلة بحزب البعث، من خلال اقناع الحاكم المدني الامريكي، بول برايمر، بحل حزب البعث 2003 وتشكل لجنة خاصة لاجتثات البعض، وتضمين ذلك في الدستور العراق، من خلال المادة (7) من الدستور العراقي "يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت أي مسمى كان، ولايجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون".

وعمدت اللجنة الى:

- اقصاء كبار قادة البعث عن المشاركة في اي وضيفة عامة.

- ازالة اي تاثير لافكار البعث من المجتمع والحياة العامة.

- محاولة اعادة تأهيل البعثيين ممن لم يتم ادانتهم بجرم او قضايا القتل العمد.

وبذلك يكون قد انهى مهمته الرئيسية في تدمير نظام صدام حسين وازالة بقايا واثار نظامه، والكل يتذكر صورة اللقاء المثير، داخل السجن، الذي جمع صدام حسين بالرجل الذي اسقط نظامه بعد اشهر من هروب والقاء القبض عليه من قبل عناصر المارينز.

لم يقتصر نشاط الجلبي على العلاقات القوية التي جمعته بالولايات المتحدة الامريكية، بل تحرك لتقوية نفوذه داخل العراق ايضا، اقام العديد من العلاقات مع الشخصيات النافذه والمؤثرة، وحتى دول العراق، سيما بعد ان الفتور الذي شهدته العلاقة مع امريكا عقب غزو العراق... وقد تعرض الجلبي الى الكثير من الاتهامات والمضايقات من قبل ساسة عراقيين بارزين حاولوا النيل من مكانته واتهامه بالعمالة... ولخص النائب العراقي (مثال الالوسي) تلك الفترة بالقول: "ان الجميع كانوا ضده واتهموه بأنه عميل لكنهم جميعا تقربوا منه سرا وسعوا اليه ليكون جسرا بينهم وبين الامريكيين".

بقي ان نشير الى ما عكف السيد احمد الجلبي، الذي تسلم العديد من المناصب المهمة في العراق بعد عام 2003، كان اخرها رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب العراق، قبل اشهر، وربما اكثر من ذلك، وبحسب ما اشار اليه مقربون، وما حاول هو ايصاله الى وسائل الاعلام او عبر تصريحاته، من الاقتراب من كشف اسماء وملفات فاسدة وكبيرة، بالمئات مع الارقام والتفاصيل، ربما كان يتحين الفرصة لاعلانها، وقد حانت تلك الفرصة مع ارتفاع الاصوات المطالبة بالاصلاح وكشف ملفات الفساد عبر التظاهرات التي اجتاحت اغلب المحافظات العراقية.

اضف تعليق