كانت الفرصة كبيرة للإنسانية في أن تعيش واقع مختلف، لو التزم رجال العهد الإسلامي الأول بعهدهم في غدير خم، والذي يتفق كل المسلمون عليه، لكن الأحداث تسارعت بشكل مجنون مع رحيل الرسول الخاتم (ص)، لتنتج نظام حكم هجين، بسلوك الأولين وبلباس إسلامي، كان الخطوة الأولى للابتعاد عن هدف الرسول الأعظم في انشاء الدولة العادلة في الأرض، فارتفع صوت القبيلة والأسياد، وأصبح السيف هو الحاكم، وعاد اليهود ليتغلغلوا في مفاصل الدولة، ليسرعوا في تشويه ما يصلوه اليه، ليكون النتاج ماثل أمامنا في عصرنا الحالي، بفرق الوهابية والقاعد والدواعش.
بعد معركة النهروان كانت الأوضاع السياسية في الكوفة تثير الشكوك، في أكثر من جانب خصوصا، أن لعبة التحكيم في معركة صفين، التي أتقنها ابن سفيان وابن العاص، وانطلت على خط الخوارج، وبعض شيوخ القبائل العراقية، قد أحدثت شرخا كبيرا بين جمع كبير من العراقيين، وهدف توحيد الأمة والذي سعى إليه الامام علي، عند توليه الخلافة، أصبح عسير مع التشظي الكبير للأمة، وكانت محاولاته مستمرة إلى أخر أيام حياته، فسعى لتجهيز الجيش من جديد، للقضاء على أساس الفتنة في جسد الأمة معاوية وزمرته، لكن كان غدر ابن ملجم الحدث الذي أسهم في تحول معاوية إلى غول ينهش في كيان الأمة، ويعود بها إلى خط الجاهلية.
نحاول هنا البحث عن العوامل الأساسية التي تسببت في مقتل الإمام علي (ع) ونحدد هنا أربع عوامل مهمة:
العامل الأول: تقوية القبائل على حساب الدولة
بعد حصول فتنة السقيفة بمجرد وفاة الرسول الكريم (ص)، حيث صعود خط السقيفة للحكم، واختلاف المسلمين حول أحقية خط السقيفة، عندها حصلت حروب الردة لتشغل المسلمين عن ما حصل، وتجعلهم جميعا في مواجهة خطر كبير، كما روجت له السلطة الجديدة، والتي وجدت في الحرب فرصة للتشبث بالحكم.
في هذه المرحلة كان عملية استمالة القبائل، أمرا ضروريا لتقوية السلطة، مما أعطى نفوذا كبيرا لشيوخ وسادة القبائل، وبعد وصول الخليفة الثاني للحكم، باشر عملية أوسع للحروب، وهي حروب التوسع، والتي من خلالها تحققت مكاسب مادية كبيرة جعل القبائل تكون اقوى نفوذا، لما تأتي به الحروب من مردود مادي (الغنائم)، لكن في زمن الخليفة الثالث أصاب الحركة العسكرية الركود، مما جعل القبائل مستاءة من الخليفة الثالث، بالإضافة للسخط على سياساته وطغيان ولاته على الأمصار، والتي جعلت مواقع القبائل تهتز، ليتكرس واقع جديد في أن تصبح القبائل شريكا في السياسة وترنو للمشاركة في الحكم، ومتأهبة للدفاع عن حقوقها بالقوة، فكانت الثورة على الثالث بدفع من القوى القبلية.
لذا، عندما جاءت الخلافة للامام علي، كانت الدولة شبه منهارة، ما بين قبائل تجد لها مكان في الحكم، وولاة طغاة شددوا قبضتهم على الأمصار مثل معاوية، وسيطرته على الشام، فكانت عملية توحيد الدولة صعب، خصوصا أن القبائل وجدت في الحروب الداخلية متنفسا لها، للصعود والتكسب والبروز، فكان احد أهم أسباب مقتل الإمام علي هو تدخل ونفوذ القبائل العربية.
العامل الثاني: معاوية بن أبي سفيان والباطل
منذ عهد الخليفة الثاني تم تعيين معاوية واليا على الشام، ومع كل عمليات التغيير التي حصلت في زمن الخليفة عمر أو الخليفة عثمان للولاة، فان معاوية كان يملك حصانة غريبة، جعلته لا يغادر موقعه، حتى انه كان بعيد عن أي مسائلة، مع أن المسلمين كان لهم ملاحظات كثيرة على سياسته في الشام.
لكن سكت الخليفة عمر والخليفة عثمان عن تلك الشكاوي والاتهامات، لأنهم يجدون في معاوية حليف مهم في اللعبة السياسية، والتي تحتاج لمكر ودهاء، ويجدون فيه سيف مهم ضد خط المعارضة لجماعة السقيفة، بالإضافة لتأثرهم بآراء المستشارين اليهود، ممن دخلوا في الدين الإسلامي بعد وفاة الرسول، والذين تحولوا لوزراء ومستشارين، فكان رأي اليهود المتأسلمين أن يبقى معاوية في منصبه لقراءتهم الخطرة للمستقبل.
لذا عندما حاول الامام علي توحيد الأمة، وإعادة الروح للدولة، تحرك معاوية بالضد من الإمام علي، فكان له دور أساسي في إشعال حرب الجمل، والدور الكبير في حرب صفين، ودفعه الكبير لحرب النهروان، ثم عمد لإثارة الهلع عبر فرق موت تهجم على أطراف العراق والحجاز، فتقتل من تجد، وتحرق وتسلب، مماثلة لهجمات داعش في عصرنا، كي تجعل الجماهير ناقمة على الإمام علي، وكي تضعف الدولة، وبالتالي كانت جماعة الخوارج نتاج المكر الأموي، فهي الاداة الأموية التي خططت لاغتيال الامام علي.
العامل الثالث: دور اليهود الخفي
منذ عهد الخليفة الأول والثاني، حدث الاختراق اليهودي لجسد الدولة الفتية، حيث دخل بعض اخطر الشخصيات اليهودية للإسلام، ليصبحوا مقربين من نخبة الحكم الجديدة، فيصبح لهم شان ورأي في مختلف القضايا، من حديث ورواية وفقه وتاريخ ومواضيع السياسة والاجتماع، ومنهم محمد بن مسلمة حيث جعله الخليفة عمر صاحب العمال في عهده! فصار محمد بن مسلمة مستشار عمر في أمور الولاة على البلاد، يراقبهم ويتحرى أخبارهم، (أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص 114).
وفعل الخليفة عمر مثل ذلك مع زيد بن ثابت، فجعله من المقربين له، وولاه أشرف المناصب وهو قضاء الدولة كلها، وكان يستخلفه على المسلمين حين يخرج في مهمة، بالإضافة لتفضيل كعب الأحبار والقسيس تميم الداري على باقي المسلمين، يوحي مدى خطأ الخط السقيفة، بسماحهم لأخطر رجال اليهود بمسك مواقع حساسة بالدولة الفتية، واليهود سعوا لحرب الامام علي، باعتبار أن لهم ثارات في خيبر من الامام علي، ولعلمهم انه وصي الرسول الخاتم (ص)، فكرسوا جهودهم في حرب الأمة وتشويه الرسالة وحرب الأمام علي، ونجحوا لان السلطة فتحت الباب على مصراعيه.
العامل الرابع: الأخطاء السياسية لخط السقيفة
بعد رحيل الرسول الأعظم (ص)، قفز البعض لسدة الحكم، في ظرف غير طبيعي، هذا الخط حكم الدولة على مدار 25 عام، من عام 10 للهجرة إلى عام 35 هجرية، حيث كان الاعوجاج سائر في جسد الدولة، منذ الأيام الأولى للفتنة، إلى أن نضج في عهد الخليفة الثالث، فكانت أحداث الثورة عليه، فكانت القرارات والسياسات لا تنتج الدولة العادلة، ولا ترفع وعي الأمة، كما كان ينشد الرسول الأعظم (ص).
لقد حاول الحكام الجدد بعث الروح بحكم، كحكم الدول الطاغية بالقوة والمال والنفوذ، فكان السيف هو الأداة الأبرز التي استعملها الحكام الجدد، تحت عنوان الجهاد، والحقيقة هو للتوسع وتحصيل المغانم، حيث يفرض على الولايات المجاورة للدولة الإسلامية، أما الحرب أو دفع الجزية، واستمر هذا إلى عام 35 هجرية، وعندها نشأت برجوازية وحكام وولاة طغاة، وأصحاب رأس مال مخيف، حيث يمكنهم تجهيز جيوش للحرب، هذه الطبقة بالتأكيد ستدافع عن مكاسبها، فكان حرب الجمل خير مثال.
بالمقابل تواجد فئة كبيرة من الفقراء، ممن بالكاد تجد قوت يومها، وهذا بسبب سياسات الحكم غير العادلة، مع صعود أسهم أعداء الرسول الأعظم، بفعل تقريبهم من قبل خط السقيفة، من أمثال معاوية والوليد وبن العاص، فكانت نتائج السياسات خط السقيفة، كارثية على الأمة، والتي أصبحت منهجا يتوارث، وهي السبب الرئيس في اغتيال الامام علي.
اضف تعليق