لا نريد الحقيقة، نلتذ بالمديح وان كان كاذبا، وبالنفاق وان كان واضحا، وان يمشي الآخرون خلفنا وان كان لمصلحة وليس ايمانا بقيادتنا، لذلك نصحنا الفلاسفة بضرورة مشاركة الناس أوهامها، فأول الضحايا اولئك الذين يقولون الحقيقة، فلا تغرنك الشعارات، والادعاء بالديمقراطية، فالديمقراطية غير المعززة بالوعي والايمان والثقافة فوضى...

ليس من عادتي المجاملة على حساب الحق، نعم، قد تكون هناك أشياء يتعذر قولها على كاتب مثلي (يمشي جنب الحيط) كما يقول المصريون، فما يطرق أسماعك او تقرأه في دويلات المدن هو نصف الحقيقة، لا سيما في الشأن السياسي، واذا أيقنت ان ما اطلعت عليه هو الحقيقة، فتأمل فيها ستجدها بلا أسماء، لا تعرف من قام بها او المسؤول عنها او المقصود بها، ولك أن تؤلها كما تشتهي، ومن تأويلاتك ما يجافي الحقيقة نفسها .

 كل ذلك يأتي تحسبا ممن هو أقوى من الدولة، وممن يرى في نفسه العارف بكل شيء، وممن أكسبه المنافقون والمستفيدون ما لا يستحق، فصدّق نفسه، وبات (يذبح بالقطنة)، لكنه يجهل ان الأيام دول، وسقوطه سيكون مدويا في يوم لا صاحب فيه ولا صديق، الكل يفر من حوله ليلتفون على غيره وجدوا وليمته أدسم وليس صلاته أتم، لذا لا تستغرب ازدواجية الشخصية التي نحن عليها، هكذا جبلنا على مر التاريخ، وليس غير رجال السياسة والدين من جعلنا بهذه الحال، فحذار من هؤلاء الا من دخل قلبك، فالقلب لا يكذب أبدا، طبعا يُراد بالقلب العقل وليس مضخة الدم، وهذا هو معنى القلب في نصوصنا المقدسة .

في دويلات المدن: الحقيقة التي بمقدورك قولها تلك التي لا يتلمس منها الفاعلون في حياتنا تقليلا من الشأن او انتقادا على سلوك، كن حذرا في لغتك، وتحسب من أن يكون قولك قابل للتأويل، فقد يُفسر بما لا تقصد، ويذهبون به الى معان لا تحصد منها الا الرعب، فتُحرم نوم ليلك، وتضيق بك الواسعة، فتفر بجلدك اذا كان ذلك متاحا، ريثما يهدأ الانفعال ويقل التوتر، وتتلاشى صورتك عن الأنظار، ويطوي النسيان بعض ما قلت، وتجد من يدخل وسيطا لترطيب الانفعال، والقسم بأغلظ الأيمان انك لا تقصد ما فهموه، وتقديم الولاء والطاعة، وقل التذلل ان أردت .

لا نريد الحقيقة، نلتذ بالمديح وان كان كاذبا، وبالنفاق وان كان واضحا، وان يمشي الآخرون خلفنا وان كان لمصلحة وليس ايمانا بقيادتنا، لذلك نصحنا السيد نيتشة بضرورة مشاركة الناس أوهامها، فأول الضحايا اولئك الذين يقولون الحقيقة، فلا تغرنك الشعارات، والادعاء بالديمقراطية، فالديمقراطية غير المعززة بالوعي والايمان والثقافة فوضى، يلعب فيها (أبو الدلفري) كيفما يشاء، والزاحفون للسياسة من غير أهلها، والباحثون عن المناصب أكثر من بحثهم عن وطن معافى .

الحقيقة ألد أعداء هؤلاء، فما بالك بمن يقولها، نعيش في العلن وسط أنصاف الحقائق، والنصف الآخر في دواخلنا، لا نستطيع اظهاره، نكذب عندما نقول ان الذي في دواخلنا كالذي على ألسنتنا، وهذا ما أكده علي الوردي، نتمنى أن يكون ذلك واقعا كغيرنا من الشعوب، قضينا العمر بالتمني، والبلدان لا ترتقي بالأماني ان لم تستند الى حقائق .

نجامل السياسيين والمسؤولين، ونستقبلهم بالأحضان ونجلسهم في مقدمة الصفوف، ونبدي لهم عظيم الاحترام وكبير التقدير، وفي دواخلنا نضمر لهم من الأماكن أسوأها، ومن النعوت أبشعها، ومن الانتقادات أقساها، واللبيب منا يتساءل من جعلنا على هذه الشاكلة، بعض ما قلت يجيب عن السؤال، وربما لديكم غير ما قلت .

كثيرا ما نختبىء نحن الكتاب خلف بريق اللغة هربا من قول الحقيقة كاملة، وان تجرأنا على قولها في لحظة انفعال او تجلٍ، فلا أحد يسمع لها او يتأمل بها، وان سمعك الذين يتحكمون بحياتنا، فكلامك بنظرهم هذيانا وثرثرة . وربما يكيلون سرا ما لا يخطر على البال من تهم، ويسخفون أفكارك في العلن، وكأنك تستهدفهم شخصيا، بينما تريد لهم أن يضعوا الوطن والناس في الأحداق، وفي ذلك مجدهم لكنهم لا يعقلون.

اضف تعليق