شرعة حقوق الإنسان في معتقد الإمام الشيرازي

جبار محمود

(الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق).

الإمام علي بن أبي طالب (ع)

احتفل العالم قبل أيام بتجديد الالتزام بميثاق حقوق الإنسان، الذي أقرته الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة في العاشر من شهر كانون الأول سنة 1948م، والذي اعتبر بادرة للتذكير بضرورة رجوع المرء إلى إنسانيته، أياً كان هذا الإنسان في مستوى المسؤولية السياسية أو المؤسساتية، والإمام السيد محمد الشيرازي كان قد أثبته منذ وقت مبكر في حياته، إلا أن الظروف العصيبة التي تعصف بمصير البشرية، ما هي إلا تعبير عن مغايرة مبدأ الاعتماد على حقوق الإنسان، والتي تحركها محاور السياسة الدولية السلبية، لذلك فقد بقي الإمام الشيرازي يدعو الإنسان لمحبة أخيه الإنسان، الذي إذا ما انتقل وساد هذا الحب في المجتمع، فإن نقلة نوعية ستحدث في عموم العلاقات الاجتماعية، وتصبح سمة احترام المرء للآخر من ثوابت القيم العليا لجميع بني البشر، دون تمييز محدد، ثم ينعكس ذلك مؤكداً على ضمان دحر الخوف والعوز، ويبدأ حينئذ بالانطلاق الحر ويفسح المجال واسعاً في معتنقات حرية الرأي والتعبير والارتقاء في مستويات الثقافة الذاتية إلى أعلى درجات الأريحية فتبنى النفوس على أفضل ما يكون وبهذا الصدد يذكر الإمام الشيرازي الصفحة (12) من كتيبه الموسوم بـ( الإنسان والمحبة الاجتماعية) الصادرة طبعته الأولى سنة 1423هـ - 2002م عن مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر – بيروت لبنان: (... من سنن الحياة التي أودعها الله في هذا الكون أن الصالح محبوب والطالح مبغوض) وهي عبارة توحي بغرض أن يقرن عمل الإنسان بالخير دوماً، وأن يتم الابتعاد عن سلوك الشر بما لا يقبل أي تأويل ثانٍ.

فالإسلام الذي جاء أساساً ليعطي كل ذي حق حقه، وليساوي بين طبقات الناس دون أي تفريق، حيث اعتبرهم بحدود تحلق الحديث الشريف لنبي الإنسانية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كأسنان المشط لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى.

وعلاج مخالفات حقوق الإنسان مسألة مرتبطة بالعديد من الجوانب السياسية والاجتماعية والأخلاقية والضميرية، التي ينبغي أن تصب لوضع الحلول الناجحة لها التي تكفل حماية مصالح المواطنين في أي بلد، بدءاً من السيطرة على آفات الفقر فيه، ومروراً بمنع المباحات المنافية للدين الإسلامي القويم ووصولاً إلى شيوع التراحم بين الناس، حتى يغدو الإنسان هو الغاية والوسيلة في الحياة. إذ أن من أساليب السلطات السلبية أن تحافظ على استمرار حكمها لأطول فترة ممكنة، من خلال افتعال الأحداث والأزمات، التي تلهي الناس بالركض وراء استحصال رزقهم بصعوبة بالغة (مثلاً) في وقت تبدد فيه ثروات البلاد على الصرف السلبي، لتقوية الأجهزة القمعية لإسكات الأصوات المنادية بحقوق الإنسان.

صحيح أن حقوق الإنسان ممكن أن تصونها أي أيديولوجية وضعية إذا ما التزمت بذلك عند وصولها إلى سدة الحكم في بلادها، لكن المقارنة مع ما يدعوا إليه دين الإسلام يكون أكثر سعة في إعطاء المكاسب عند توفر ظروف سياسية مشابهة ذلك أن قوانينه تبغي مرضاة الله في أول وآخر المطاف، وتقليد نهج أئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) في منطلقات تعاملهم هي نبراس إضافي ينير الدرب للوصول إلى شاطئ العدالة الإنسانية، ويتاح منه الثبات على مبادئ البصيرة الحقة.

ولعل ارتباط التثقيف بمسائل حقوق الإنسان مسألة بقدر حيويتها لكل مجتمع، إذا ما تحققت فرصة ذلك لأفراده فيشكل ذلك عامل ضغط على أية حكومة لا تحترم حقوق الإنسان على أراضيها، أي أن التعاطي المعرفي بتلك الحقوق، يفضل أن لا يبتعد عن سير الصالحين الذين استولوا بعملهم المتفاني في سبيل إعلاء كلمة الحق والهداية بين الناس، بعيداً عن مآرب مشبوهة أو مسبقة التوجه التي تستهدف تمييع حقوق أو غاية وجوده أو تاريخه، بوقت تتبجح فيه بالادعاءات الفارغة التي تحاول فيها إبراز حرصها على تلك الحقوق، وحيث أن إعلان لائحة حقوق الإنسان لا يدع مجالاً في وضوح بنوده المانعة أن يكون الخيار السياسي أو الاجتماعي ظالماً للآخرين سواء لدى السلطات أم المتسلطين حيث تلعب تركيبة الفرد المسؤول أو فريقه دوراً في رسم أو تسمية السلوك المحرم أو اللامحرم أحياناً، على خلفيات تشاكس الحقيقة، بعيداً عن تجسيد ما يمكن أن تكون عليه الحقيقة في التطبيق فقد لوحظ في الاحتفال بيوم حقوق الإنسان العالمي، أن بعض واجهات التسلط أبدت فخرها بالتزامها بحفظ شرعة حقوق الإنسان في دساتيرها! مع أنها معروفة أمام الرأي العام في نهج دكتاتورية أنظمتها مع مجتمعاتها! ولعل هذا ما يجعل المطبلين وهماً لمبادئ الحقوق الإنسانية أن يأملوا وكأن مجتمعاتهم سوف تصدق تقييمات تلك السلطات ومتسلطيها.

ولعل أخطر ما يواجه المظلومين في أي مجتمع هم شريحة السجناء الأبرياء المحاربين الذين يساء إلى سمعتهم وكأن تلك الإساءة هي مسوغ كافٍ لإنزال عقوبة الموت بحق بعض المظلومين الذين لن يستطيعوا بطبيعة الحال أن يدافعوا عن أنفسهم لكونهم فارقوا الحياة وهنا يلعب المتعاملون مع الكتابة بـ (تعلم الذي علم الإنسان ما لم يعلم) أن يكونوا مؤهلين لإنصاف حقيقة وتاريخ المظلومين فحق أهل البيت (ع) الذي وصل إلى ذروة محنتهم في وقفة الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) في كربلاء، أفرزت في الساحة الإسلامية دعاة للتعريف لوقفته الملحمية تلك، لتكون درساً يمكن الاستفادة من تحدياتها للقوى الغاشمة، حيث نهض الإسلام من جديد في انتفاضة الإمام الحسين (ع) الذي وجد من حقه أن يكون على خط الأولياء ممن سبقوه من شهداء آل البيت، كأخيه الإمام الحسن (ع) وقبله أبو الأئمة الإمام علي بن أبي طالب (ع) الذي امتاز بكونه النصير الأعظم لحماية حقوق الإنسان قبل وخلال فترة حكمه القصيرة جداً، التي لم تتجاوز سنينها عدَّ أصابع اليد الواحدة، فماذا يفيد ذوي الأقلام المعاصرة إذا ما حاولوا مخطئين تقليل الشأن من حدث ثورة الإمام الحسين (ع) بوجه الظالمين وهو الذي التزم بحق أعدائه أن يعيشوا ما داموا لم يتجرؤا بعد على قتاله قبيل المعركة، ففسح المجال لهم وأمر جنده بالسماح لهم ولخيولهم أن يستسقوا من ترعة ماء كان جيشه يسيطر عليها.

إن مسألة حقوق الإنسان في الإسلام مثلما كانت عند أهل البيت (ع) ستبقى ثابتة في عموم الضمير الإسلامي، ما دامت غاية منطلقات هذا الدين الخاتم للأديان السماوية أن يسود العدل والطمأنينة والسعادة عند البشر.

المحرر الثقافي