العلامة المهدي في ندوة حوارية عن الإمام الشيرازي في القطيف.. الإمام رحل عنَّا وبقي لنا منهجه، وخطه، ورسالته التي حملها لنا.. وعلينا أن نتمثل الخطى...

القطيف: بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيل الإمام المجدد آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس الله نفسه الزكية) أقيمت في مسجد الإمام الحسن (عليه أفضل الصلاة والسلام) بمنطقة الكويكب بالقطيف، شرق المملكة العربية السعودية، يوم الأربعاء 7/10/1423هـ، في تمام الساعة الثامنة والنصف مساء، ندوة حوارية حول شخصية وفكر الإمام الراحل (قدس سره)، وكان ضيف الندوة سماحة العلامة الشيخ يوسف المهدي (حفظه الله)، وهو شخصية غنية عن التعريف، إذ كان من أوائل العلماء الذين بشروا بمرجعية وأفكار الإمام الشيرازي (قدس سره الشريف) في المنطقة، وهو حالياً من أبرز وكلاء آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (حفظه الله) في القطيف. وقد أدار الندوة مسؤول التحرير في موقع (قطيفيات) حسن آل حمادة، وهو مؤلف كتاب: (الكتاب في فكر الإمام الشيرازي)، وجدير بالذكر أن العديد من المحاضرات والندوات والمهرجانات، قد أقيمت -ولا تزال-  في القطيف وقراها بهذه المناسبة الأليمة.

بدأ الحفل التأبيني بتلاوة آيات عطرة من القرآن الكريم، تلاها القارئ (محمد المنصور)، ثم بدأ المحاور (آل حمادة) بقراءة مطلع من قصيدة شعرية للأستاذ ياسين آل محمد، ومنها:

عيدٌ بأيةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ        والسيدُ المرجعُ المهديُّ مفقودُ

فهل تُعيدُ الليالي عز بهجتها         بما مضى أم لأمرٍ فيك تجديدُ

بلى قضى مرجعُ التقليد فانفجرت     تبكيه حُزناً لهُ الصُّمُّ الصياخيدُ

وأعولت أمةٌ قد كان رائدها       ونالها بعدهُ همٌّ وتسهيدُ

*    *    *

إن أقبل العيدُ في أيام طلعتهِ        أُستُحسن الشعرُ فيه والأغاريدُ

فما غدا العيد عيداً بعد زورتهِ     إذ حلَّ رُزءٌ يُعزِّيِّنا بهٍ العيدُ

وأخرس الخطبُ منا كُلَّ جارحةٍ  وبعدهُ لا حلتْ تلك الأناشيدُ

*    *    *

          وقال (آل حمادة) ضمن تقديمه للندوة.. سنة مضت على الذكرى السنوية لتأبين المرجع الديني الإمام المجدد آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره الشريف)، وها نحن نجتمع معكم هنا -في هذا المسجد المبارك- لنتذاكر حول أفكار ومسيرة ومرجعية هذا المرجع الحي.. الغائب الحاضر.. العالم العامل.. الموسوعة المغيرة.. نابغة الدهر ونادرة التأليف، سلطان المؤلفين، وسيد القرَّاء..

          نعم، الإمام الشيرازي باقٍ، وهل يرحل العلماء؟ كذِب الموت فهم باقون بيننا ما بقي الليل والنهار.. هم يعيشون بيننا بما تركوا من علمٍ وصدقات جارية..

          كيف تريدون مني أن أبصم على ورقة رحيل مزيفة، تحكي رحيل هذه المرجعية الفذة، وأنا أفاجئ -كل يوم- بما تنشره المكتبات من مؤلفات جديدة له؟ أقول: مؤلفات جديدة.. يعني أنها لم تطبع عندما كان جسداً ترابياً يعيش بيننا.. هي للتو قد طبعت، ولا يزال العديد منها في طريقه للنشر.. فبالله عليكم.. ألا تزالون مصرين على أن تخدعوني بأقوالكم؟؟

          المعذرة.. إذ لا أُطيق الخِداع!!

          فالإمام الشيرازي.. باقٍ بيننا، وإلاَّ لماذا نحن جلوس هنا؟

          سؤال أتوجه به إليكم جميعاً..

*    *    *

          ثم شرع (آل حمادة) بتوجيه أسئلته لسماحة العلامة الشيخ يوسف المهدي (حفظه الله).. ومن ضمن أسئلة الحوار التي ستنشر إجاباتها قريباً:

          - في كلمته التأبينية الأولى بعد يومٍ من تشييع الإمام الشيرازي (قدس)، قال آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (حفظه الله): "إذا فقدتم عزيزاً، أو من تعتبرونه عظيماً جليلاً فبدل أن تجلسوا وتفتخروا به تعلموا منه. وسؤالنا الأول لسماحة الشيخ في هذه الندوة الحوارية هو التالي: كيف نتعلم من الإمام الشيرازي بدلاً من أن نفتخر به؟ 

- يَلحظُ القارئ والمتتبع لنتاج الإمام الشيرازي (قدس) الفكري والثقافي أنه استطاع أن يحرر الخطاب الإسلامي من أسر النخبة، مما أتاح له أن ينفذ إلى أحاسيس الناس ومشاعرهم، وقد نجح من خلال ذلك في تحويل الإسلام لحالة جماهيرية واسعة يشارك في إثرائها الجميع.. فكيف تقرؤون  تجربة الإمام الراحل في هذا الإطار؟

- عرف الإمام الشيرازي بالمجدد، وقد كُتبت العديد من الدراسات حول مسائل التجديد في فكره، منها ما صدر مؤخراً للباحث العراقي الشيخ محمد سعيد المخزومي، في مجلدين ضخمين، بعنوان: (المجدد الشيرازي الثاني, تحولٌ في التاريخ الإسلامي)، فما هي أبرز ملامح التجديد لديه؟

- خصصت إحدى المجلات الإسلامية المعروفة، في عددٍ من أعدادها ملفاً خاصاً عن العطاء الفكري والمنهج الإصلاحي، للإمام الشيرازي، وقالت بالحرف الواحد "من يطلع على هذا الملف سوف يكتشف أهمية وقيمة وحيوية المشروع الفكري للسيد الشيرازي، وما يحمله هذا المشروع من إمكانات كبيرة للتواصل والتفاعل والتثاقف مع العالم والعصر". فكيف نُقيِّم هذا العطاء الفكري، وكيف نقرأ هذا المنهج الإصلاحي لسيدنا الشيرازي؟ 

- لعلَّ المتتبع للإصدارات المتتالية للإمام الشيرازي، يلحظ عنايته الفائقة وتحسسه المستمرين للمشاكل والأزمات التي تواجه الأمة الإسلامية، فقبل أن تنتشر الصحون الفضائية في الدول العربية والإسلامية انتشار النار في الهشيم؛ بادر الإمام بكتابة كرَّاسه المتميز (الأفلام المفسدة في الأقمار الصناعية: وقايةً وعلاجاً)، وعندما وقع بعض العرب اتفاقية الصلح بينهم وبين الكيان الصهيوني الغاصب في يوم 20جمادى الأولى سنة 1415هـ، بادر سماحته في نفس اليوم بكتابة كرَّاسه المعنون بـ(هل سيبقى الصلح بين العرب وإسرائيل؟)  وهو تبعاً لذلك راح يسطر الكتاب تلو الكتاب، والكرَّاس تلو الكرَّاس؛ ليسهم بالتالي بكتاباته المتنوعة والغزيرة للعمل على إنقاذ المسلمين من واقع البؤس والشقاء؛ وليقدَّم من خلال أطروحاته الواعية العلاج الملائم للمشاكل التي تعصف بالمجتمع الإسلامي؛ فكيف كانت نظرته للكتاب بشكلٍ عام؟

- الإمام الشيرازي (قدس)، كان يكتب منذ الطفولة وحتى يوم الوفاة، ليقدم للأمة الإسلامية ما تستضيء به في ليلها المظلم، حتى تجاوزت مؤلفاته (الألف) كتاب، ومن ضمنها موسوعته الفقهية التي وصلت لوحدها لـ     (160) مجلداً، وهي كما يعلم الجميع تعد أكبر وأضخم موسوعة فقهية كتبت في تاريخ الإسلام، -وكما يقول أحد الباحثين- "ولا نظن أن يلحقه من يأتي بعده وليس هذا قولاً مبالغاً فيه". فإذا كانت شخصية الإمام الشيرازي بهذا الحجم؛ فلماذا حاول البعض طمس اسمه وتغييب رسمه، ولماذا كثرت الشائعات حوله أثناء حياته؟ في حين أننا سمعنا عن جهاده الكبير، وعلمه الغزير، وتضحياته الكبرى من أجل الإسلام -لكن وللأسف الشديد- قيل كل هذا الكلام بعد رحيله! فما هو تعليقكم؟

- عرف الإمام الشيرازي (قدس) ببعض المقولات والنظريات التي ارتبطت باسمه، ومنها نظرياته في: السلم واللاعنف، والتعددية، والحرية، والأخوة الإسلامية، والشورى.. وسؤالنا هنا يخص نظرية شورى الفقهاء.. فماذا بقي من هذه النظرية بعد الغياب المادي لشخص السيد الشيرازي، وهل تتوقع أن يأتي اليوم الذي نشهد به تطبيقاً لها على مستوى العالم الإسلامي..خاصةً إذا كنا كمسلمين لا نعمل بالشورى حتى في أبسط الأمور، كإدارة مسجدٍ أو حسينية أو موكب عزاء...الخ.

وقد أجاب سماحة الشيخ بتفصيل على هذه الأسئلة، وضمن كلامه قال: لا يكفي أن نفتخر بالإمام الشيرازي وأننا من أتباعه ومن طلابه ومن مقلديه ومريديه؛ فالإمام رحل عنَّا وبقي لنا منهجه، وخطه، ورسالته التي حملها لنا.. إذاً علينا أن نتمثل الخطى، وأن نقترب من منهجه ونتمثل سيرته في هذه الحياة، ليكون لنا عبرة قبل أن يكون مفخراً ومفخرةً وافتخاراً.

جدير بالذكر أن الشاعر باسم البحراني، شارك في وسط الندوة بقراءة قصيدة شعرية كتبها حول الإمام الشيرازي (قدس سره الشريف)، جاء في خاتمتها:

هذه الأرضُ لم تسعك فحلق     فعسى سيدي أن تسعك السماءُ