بيان سماحة آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) بمناسبة مرور عام على فقدان الراحل الكبير المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، وصلى الله على سيد رسل الله محمد المصطفى، وآله الطاهرين سادات أولياء الله.

قال الله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات، والله بما تعملون خبير)"المجادلة/11"

كان الأخ الأكبر آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي –أعلى الله درجاته- نبراساً وهاجاً في شتى المجالات الإسلامية والإنسانية، يستضيء منه الناس، بمختلف فئاتهم، واتجاهاتهم، ويستفيد من هديه وإرشاده وتوجيهه ومدرسته المتكاملة عامة الطبقات.

        ولذا كان فقده فجيعاً للجميع في هذا المستوى الشامل.

وقد كان – قدس سره- جامعاً لفضائل كثيرة، ورد الثناء في القران الحكيم وعلى لسان أهل البيت (عليهم السلام)، على كل من اتصف بواحدة منها.

فهو الفقيه في الذروة، وفّق في مجال الفقه الإسلامي لتأليف اكبر موسوعة شاملة بالإضافة إلى مئات الكتب الأخرى في شتى العلوم والفنون، والتي بلور من خلالها نظرية إسلامية شاملة في مختلف المجالات.

وهو الزاهد في الدنيا في مأكله ومشربه و ملبسه ومسكنه وغيرها.

والمجاهد المثابر في حياته الحافلة بأنواع الجهاد ضد الطغاة الجائرين والظالمين.

والصابر في البأساء والضراء.

والمهاجر في سبيل الله، ومن اجل العترة الطاهرة (صلوات الله عليهم أجمعين)  هجرات عديدة.

والمربي لجيل واسع من الفقهاء والعلماء والخطباء والمؤلفين .

والهادي لجمهرة عظيمة من الناس من شتى الأديان والفرق والمذاهب والطرق شيوخاً وشباباً، ورجالاً ونساءاً، وعلى شتى الأصعدة.

والمتبني بجد ونشاط للقضية الحسينية وشعائرها العظيمة عبر عقود متتالية وفي مختلف المستويات.

 وهو الذي أولى اهتماماً بالغاً بـ "القران الكريم" و "نهج البلاغة" و "الصحيفة السجادية" و "الأحاديث الشريفة" بشكل عام، وقد حفظ القران الكريم عن ظهر القلب، وكتب له ثلاثة تفاسير مفصل و متوسط و مختصر، وشرح نهج البلاغة والصحيفة السجادية، وألف العشرات من الكتب فيما يرتبط بشؤون الحديث الشريف.

وهو الذي كان يعبئ طاقات نفسه والآخرين لتبيين واقع الإسلام المشرق الوضاء، وتعريفه لشتى شرائح المجتمع بلغاتهم وأساليبهم.

وقد كان في مجال الضراعة إلى الله تعالى والدعاء، والتوسل بأهل البيت (عليهم السلام) وزياراتهم، مثلاً يحتذى، وقد ألف كتابه القيم (الدعاء والزيارة) حافظاً الكثير من فصوله، يقرئها آناء الليل وأطراف النهار.

وكان – في مسيرة حياته- مواصلاً في ملئ الفراغ الفكري والعملي الواسعين للمجتمع، بتأسيس المساجد والحسينيات والمدارس وسائر المؤسسات في عامة المجالات.

أما بلد المقدسات، ومثوى الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) العراق، فقد كان شغله الشاغل الذي يستفيد من كل فرصة – كتابة، وخطابة، واجتماعاً، وغيرها- للتوجيه إلى إنقاذه وتحريره.

والقدس واستيلاء اليهود الغاصبين على ارض الأنبياء والرسل (عليهم السلام) واُولى القبلتين، ومظالمهم المتمادية فيها، كانت هي الأخرى التي يحاول بكل جهده من اجلها.

واللاعنف، وعرض التركيز القرآني عليه، وتوجيه الحديث الشريف نحوه، كان يوليه اهتمامه البليغ.

وبالتالي كان – رحمة الله تعالى عليه – مصداقاً واضحاً للآية الكريمة : (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله، والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم ) الأنفال/ 74

والأهم والآكد في هذا المجال الاعتبار، فقد جاء في نهج البلاغة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) انه قال في الماضين :( لان يكونوا عبرا أحق من أن يكونوا مفتخراً).

فالاعتبار للفقيد الراحل – رضوان الله عليه – أحق من الافتخار به.

ويتحقق الاعتبار بتعبئة الطاقات من الجميع، والاستمرار على النهج الجامع الذي سار فيه الفقيد الكبير، على هدى القرآن المجيد، والعترة الطاهرة – الذي خلفهما الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله) – في امّته، وأكد على التمسك بهما – ومواصلة الوصايا التي كان (قدس سره) يؤكد عليها ويثابر من اجلها، والتي من جملتها: توجيه النشئ الصاعد – بنين وبنات- إلى الإسلام والى أهل البيت (عليهم السلام) – في خضم التيارات المضللة- لينشئوا على الصلاح والتقوى والعلم والجهاد والتعاون وكل خير.

وفي هذا المجال يأتي حثه الأكيد والدائم على تطبيق القرآن الحكيم بجميع آياته الكريمة – دون تبعيض- وخاصة ما استنسي منها أو قل العاملون بها أمثال: "آيات الشورى ( في مجال التطبيق والعمل)" و "آيات الحرية"، و"الأمة الواحدة"، و"الاخوة الإسلامية"، والاستنان بسنة رسول الله (صلى الله عليه واله ) وسيرة آله الأطهار (عليهم السلام) في القول والعمل، بالتبليغ والإرشاد، ومكارم الأخلاق وغيرها.

وإنني إذ اشكر جميع المؤمنين في شتى بقاع العالم، والذين قدموا عواطف جياشة وشاركوا في هذا المصاب بأنواع المشاركة، ومنذ بداية الرحيل حتى اليوم، أدعو الله الموفق الكريم لهم جميعا بجوامع التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة، وارفع إلى مقام سيدنا ومولانا بقية الله الأعظم صاحب الأمر المهدي الموعود (صلوات الله عليه وعجل فرجه الشريف) التماس أن يمد الجميع بعميق عنايته ورعايته وإنا لله وإنا إليه راجعون.

29 / شهر رمضان المبارك/ 1423 هـ

                                                                 صادق الشيرازي