مارتن لوثر كينغ وفلسفة اللاعنف والمقاومة السلمية

 

شبكة النبأ: "كان رائعا حقا أن أزور بلاد غاندي". كتب هذه العبارة القس مارتن لوثر كينغ جونيور بعد شهور قليلة من زيارته للهند التي استغرقت شهرا في العام 1959. وقال "غادرت الهند وأنا أشد اقتناعا من أي وقت مضى بأن المقاومة السلمية هي أقوى سلاح متوفر للشعوب المقهورة في كفاحها من أجل الحرية."

يقول كينغ في سيرته الذاتية "كان غاندي المنارة الهادية في أسلوبنا السلمي من أجل التغيير الاجتماعي" أثناء مقاطعة حافلات الأوتوبيس في مدينة مونتغومري بولاية ألاباما في العام 1956، المقاطعة التي أنهت الفصل العنصري بين السود والبيض في أوتوبيسات المدينة، وطيلة السنوات التي تزعم فيها كينغ الحركة الأميركية للحقوق المدنية.

أراد كينغ من زيارته الهند أن يطّلع بنفسه على نتائج حملة اللاعنف التي تزعمها غاندي لإنهاء الحكم الاستعماري البريطاني ورفع مستوى معيشة الهنود "المنبوذين" الذين يعتبرون أدنى الطبقات الاجتماعية الهندية. وصل كينغ وزوجته كوريتا وكاتب السيرة لورنس ريديك إلى بومباي (التي أصبحت الآن تسمى مومباي) في 9 شباط/فبراير 1959 بدعوة من رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، وزار نيودلهي وعددا من مدن الهند الأخرى خلال الأسابيع الأربعة التي تلت ذلك التاريخ. بحسب موقع يو اس انفو.

وقد جرى الاحتفال بالذكرى الخمسين لزيارة كينغ التاريخية بزيارة بدأها في شباط/فبراير إلى الهند ابنه مارتن لوثر كنغ، الثالث، وجماعة من أعضاء الكونغرس، بمن فيهم النائب جون لويس آخر من بقي على قيد الحياة من الخطباء الذين ألقوا كلمات في مسيرة العام 1963 إلى واشنطن، وكليبورن كارسون الذي حرر عدة أجزاء من مقالات كينغ وأوراقه، والموسيقار هيربي هانكوك الشهير في عالم موسيقى الجاز وغيرهم. وتجرى الزيارة تحت رعاية وزارة الخارجية، ويتخللها حفلتان موسيقيتان يحييهما هانكوك وحفلة خاصة تكريما لذكرى زعيم حركة الحقوق المدنية يقيمها الموسيقيون الهنود.

وصرح كليبورن كارسون الذي يتولى إدارة مجموعة آثار مارتن لوثر كينغ في كلية مورهاوس في أتلانتا بجورجيا ومعهد الأبحاث والتعليم في جامعة ستانفورد بأن كينغ كان راضيا جدا ومقدّرا "حماسة الترحيب التي لقيها من نهرو وغيره من القادة السياسيين الهنود في وقت لم يكن متاحا له مثل ذلك الوصول إلى كبار القادة الأميركيين."

وقال كارسون في مقال نشر في صحيفة تايمز أوف إنديا إن كينغ قارن الحماية الدستورية والقانونية التي وفرتها الهند لطبقة المنبوذين "بالتمييز العنصري المتفشي في الولايات المتحدة." وأضاف أن كينغ قال إنه في حين استخدم قادة الهند "سلطتهم المعنوية" ضد التمييز الطبقي "فقد امتنع بعض أعلى القادة السياسيين منزلة في الولايات المتحدة عن إصدار حكم أخلاقي على الفصل العنصري، وتجرأ البعض في الجنوب بالإعلان عن عزمهم الإبقاء على الفصل العنصري." 

اجتمع كينغ مع نهرو والرئيس راجندرا براشاد وغيرهما من المسؤولين ومع المصلحين الاجتماعيين من أمثال فينوبا بهافي الذي كان من أقرب المقربين إلى غاندي في حركة الحرية الهندية وخليفته الروحي، كما اجتمع بالكتّاب وأساتذة الجامعات والعديد من الأشخاص الآخرين – كان من بينهم لاعبو ترابيز ومدربو أسود في السيرك – وزار مارتن لوثر كينغ المكان الذي أُحرقت فيه جثمان غاندي طبقا للطقوس الهندية في راجغات ووضع إكليلا من الزهور عنده، والتقى بعدد من أقارب وأتباع غاندي وبحث معهم موضوع حقوق الإنسان في أميركا والهند في المؤتمرات الصحفية والجامعات والاجتماعات العامة. ووصف كارسون تلك اللقاءات بقوله إنه "نظرا لاهتمام الشعب الهندي الشديد بالمشكلة العنصرية فقد كانت أماكن تلك الاجتماعات تغص دائما بالحضور."

وأعلن كينغ عن إيمانه بأن "فلسفة اللاعنف" التي دعا إليها غاندي التي عُرفت باسم (ساتياغراها) هي السبيل الوحيد المنطقي والأخلاقي لحل مشكلة العنصرية في الولايات المتحدة." وكان من بين أساليب غاندي في العصيان المدني التي لجأ إليها أتباع كينغ أسلوب الاعتصام عندما جلس السود والبيض المتعاطفون معهم معتصمين إلى موائد "البيض فقط" في مطعم للغداء في الجنوب الأميركي.

وقد أشار باراك أوباما، وهو أول رئيس أميركي أفريقي، إلى سيرة غاندي الذاتية "قصة تجربتي مع الحقيقة" وسيرة كينغ التي كتبها تيلور برانش، على أنهما الكتابان اللذان ساعدا على تشكيل شخصيته. وقال الرئيس أوباما إنه يعتبر غاندي وكينغ من الشخصيات التي يقتاد بها ويعتبرهم أبطالا إلى جانب الرئيسين لنكولن وكنيدي.

ثمة بطل آخر لأوباما هو جون لويس، ناشط الحقوق المدنية الشجاع الذي لم يعرف الخوف والذي تعرض للضرب على يد عصابة غوغائية من البيض خلال "رحلات الحرية" (وهي رحلات قام بها نشطاء الحقوق المدنية بسيارات الأوتوبيس عبر ولايات الفصل العنصري اختبارا لقرار المحكمة العليا بمنع الفصل) في العام 1961 وتعرضه للضرب أيضا على يد رجال الشرطة البيض في ألاباما أثناء مسيرة سلمية بالقرب من مدينة سلما في العام 1965. وقد قال لويس مؤخرا "أعتقد أنه لو كان الدكتور كينغ موجودا هنا اليوم، لقال إن انتخاب باراك أوباما ليس نهاية. بل إنها ليست حتى بداية، وإنما هي استمرار للكفاح الذي بدأ قبل قرون لبناء اتحاد كامل في هذا البلد، اتحاد الجنس البشري الذي يعبر عن حقيقة كبرى شاملة، وهي أننا كلنا أمة واحدة وأسرة واحدة."

وفي الآونة الأخيرة اكتشف العاملون في إذاعة "كل الهند" تسجيلا كان ضائعا لدكتور مارتن لوثر كينغ قبل مغادرته الهند بيوم واحد، قال فيه إن غاندي "غرس في حياته مبادئ عالمية محددة متوارثة في الهيكل الأخلاقي للكون، وتلك المبادئ لا يمكن إنكارها أو الفرار منها مثلها مثل قانون الجاذبية."   

قال كينغ في سيرته الشخصية "عدت إلى أميركا وأنا أشد تصميما وعزما على تحقيق الحرية لشعبي بالوسائل السلمية واللاعنف. إذ إن نتيجة زيارتي للهند كانت زيادة إدراكي للاعنف وتعميق التزامي بهذا الأسلوب."

في 13 كانون الثاني/يناير 2009 فتحت مكتبة روبرت وودراف التابعة لمركز جامعة أتلانتا المجال أمام مستخدمي شبكة الإنترنت للاطلاع على قسم كبير من أوراق وأبحاث كينغ. والمكتبة هي القيّم على  مجموعة مقتنيات كلية مورهاوس لمتعلقات مارتن لوثر كينغ التي تضم نحو 10,000 قطعة. 

شبكة النبأ المعلوماتية- االسبت 21/شباط/2009 - 25/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م