مابعد الانتخابات في اسرائيل: ليفني الفائزة ونتانياهو يملك المفاتيح

محاولات اليمين المتطرف تصطدم بسياسات الوفاق الحكومي مع اليسار

 

شبكة النبأ: تتنازع زعيمة حزب كاديما الوسطي تسيبي ليفني رئاسة الحكومة مع بنيامين نتانياهو الزعيم اليميني الذي يبدو اكثر قدرة على تشكيل حكومة ائتلافية تحظى بالاغلبية في الكنيست الاسرائيلي غداة انتخابات تهدد نتائجها بتقويض عملية السلام.

وبينت النتائج الاخيرة للانتخابات ان حزب ليفني فاز بـ28 مقعدا من اصل 120 في الكنيست متقدما بمقعد واحد على حزب الليكود وهذا ما يجعلها غير قادرة على حشد اغلبية 61 مقعدا لتشكيل حكومة.

كما ان فوز اليمين المتطرف ممثلا بحزب اسرائيل بيتنا الذي يتبنى افكارا عنصرية وخصوصا في معاداته للاقلية العربية داخل اسرائيل يجعل فرص نتانياهو اكبر في ان يصبح رئيسا للوزراء.

وكتبت صحيفة "يديعوت احرونوت" الواسعة الانتشار "ليفني هي الفائزة لكن نتانياهو يملك المفاتيح". وكتبت صحيفة معاريف بدورها "كسبت ليفني معركة الامس لكنها قد تخسر الحرب" اما نتانياهو "فقد خسر لكنه سيفوز في النهاية".

ومع تحقيق الاحزاب اليمينية المتشددة والمتطرفة تقدما بالاستفادة من الحرب على قطاع غزة والمخاوف الامنية يتوقع ان تؤدي عودة اليمين المتشدد الى السلطة الى تقويض الجهود الاميركية لاحياء مفاوضات السلام المتعثرة.

كما ان النتائج المتقاربة للحزبين الرئيسيين قد تغرق اسرائيل في حالة من عدم الاستقرار السياسي على مدى عدة اسابيع خلال السباق لعقد تحالفات لتشكيل الحكومة المقبلة. بحسب فرانس برس.

وكتبت معاريف "تستفيق اسرائيل اليوم على ازمة سياسية ربما لم نشهد مثيلا لها من قبل".واعلن نتانياهو الذي كان اصغر رئيس وزراء في 1996 وكذلك ليفني انهما سيشكلان الحكومة المقبلة بعيد اعلان النتائج.

ونقل مكتب ليفني عنها قولها ان "الشعب صوت باعداد كبيرة. اشعر بالمسؤولية الجسيمة التي تتطلب مني تحويل القوة الممنوحة لي الى افعال وتوحيد البلاد".اما نتانياهو فقال لانصاره انه مقتنع بانه سيتمكن من تشكيل الحكومة.وقال "انا قادر على توحيد جميع قوى البلاد وقيادة اسرائيل".

وبموجب النظام السياسي الاسرائيلي يكلف الرئيس - شيمون بيريز - زعيم الحزب الذي يعتبره الاكثر قدرة على ضمان الاغلبية بتشكيل الحكومة وليس بالضرورة الحائز على اعلى الاصوات.ويفترض ان يبدأ بيريز المشاورات خلال ايام.

وبوسع نتانياهو نظريا ان يؤمن اغلبية من 65 نائبا بمن فيهم 27 من الليكود و15 من اليمين المتطرف و11 من حزب شاس الديني المتشدد و5 من احزاب دينية و7 من احزاب تمثل المستوطنين المتطرفين.اما ليفني فيمكنها الاعتماد على تاييد 44 نائبا 28 من حزبها و13 من حزب العمل و3 من ميريتس اليساري.اما المقاعد الاحد عشرة الباقية فتشغلها احزاب عربية ليس من المرجح ان تنضم الى اي تحالف.

ولا شك ان افيغدور ليبرمان الذي يمثل المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق بات "حجر الاساس" كما وصف نفسه في اي ائتلاف حكومي بعد ان تقدم على حزب العمل.

في هذه الاجواء اعرب الفلسطينيون عن تشاؤمهم من صعود اليمين الذي قال المفاوض صائب عريقات انه يبشر "بشلل" عملية السلام في ظل اي حكومة مقبلة.

اما حماس فاعتبرت ان الناخبين اختاروا "الاكثر تطرفا والاكثر اثارة للحروب" هي التي كانت هدفا من الحرب الدامية على غزة التي استمرت ثلاثة اسابيع وخلفت اكثر من 1300 قتيل ودمارا هائلا.

ولكن المحللين يرون ان نتانياهو ليس راغبا في تشكيل حكومة من الاحزاب اليمينية وحدها حتى لا يصطدم بواشنطن او يصبح رهينة للاحزاب الصغيرة. لكن ليفني لا تبدو مستعدة للانضمام اليه ان لم تكن الحكومة برئاستها. وفي هذه الاجواء بدأ الحديث عن رئاسة الوزراء بالتناوب كما حصل في الثمانينات.

الانتخابات الاسرائيلية نبأ سيء جدا لمشاريع اوباما

ورأى خبراء اميركيون ان جنوح الناخبين الاسرائيليين يمينا يسدد ضربة لامال الرئيس الاميركي باراك اوباما بتحريك عملية السلام في الشرق الاوسط وصون مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

وتجنبت الادارة الاميركية في خطابها الرسمي التعليق على نتائج الانتخابات التشريعية الاسرائيلية، مؤكدة انها ستواصل جهودها مع الحكومة المقبلة من اجل تحقيق السلام والامن لاسرائيل.

وقال متحدث باسم البيت الابيض مايك هامر "نتطلع الى العمل مع الحكومة الاسرائيلية المقبلة على تعزيز العلاقة المميزة القائمة بين الولايات المتحدة واسرائيل، بنية راسخة في صب جهودنا على امن اسرائيل ومساعي السلام بين اسرائيل والفلسطينيين وبين اسرائيل وجيرانها".

غير ان اوري نير المتحدث باسم حركة السلام الان اعتبر ان "نتائج الانتخابات تشكل نبأ غير سار من اجل الامن والاستقرار في المنطقة". بحسب فرانس برس.

وقال في بيان "انه نبأ سيء جدا ايضا لادارة اوباما التي تبدو عازمة على الدفع في اتجاه السلام بين اسرائيل والفلسطينيين وبين اسرائيل والعرب".

وفي وقت يواصل كل من زعيم المعارضة اليمينية الاسرائيلية بنيامين نتانياهو ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني مساعيه لتشكيل ائتلاف حاكم، اشار الخبراء الى ان الادارة الاميركية الجديدة ستجد في كلتا الحالتين صعوبة في دفع عملية السلام الى الامام.

وحتى الساعة يتصدر حزب كاديما (يمين وسط) بزعامة ليفني النتائج مع 28 مقعدا من اصل 120 في الكنيست في مقابل 27 مقعدا لليكود (يمين) بزعامة نتانياهو، فيما حقق اسرائيل بيتنا (يمين متطرف علماني) اختراقا بفوزه ب15 مقعدا.

 ىوفي حال كلف نتانياهو تشكيل حكومة، وهو ما يرجحه الخبراء، فان وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ستذكر حتما خيبة الامل التي لحقت بزوجها بيل كلينتون في التسعينات في وقت كان رئيسا للولايات المتحدة وكان نتانياهو رئيس وزراء في اسرائيل.

ولفت مجلس المصلحة الوطنية، مجموعة الضغط المؤيدة لمفاوضات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين، الى ان "نتانياهو يتباهى بسمعته كمتحمس للحرب يميني وهو لا يخفي رفضه التفاوض بشأن دولة فلسطينية في الضفة الغربية".

وختم "لا شك ان بيل كلينتون يأمل من اجل زوجته هيلاري ان لا يكون رئيس الوزراء الاسرائيلي المقبل بنيامين نتانياهو" مضيفا "لقد عاش تجربة مريرة معه قبل 11 عاما. وقد تتكرر التجربة مع ادارة اوباما".

وقال اوري نير ان "مقاربة نتانياهو الرافضة تضع الحكومة الاسرائيلية المقبلة في منطق تعارض مع ادارة اوباما وتوجه رسالة عدوانية الى الفلسطينيين والعالم العربي".

واشار الى ان "انضمام حزب اسرائيل بيتنا القومي المتطرف والعنصري بزعامة افيغدور ليبرمان المحتمل الى الائتلاف المقبل سيشكل استفزازا اضافيا سيوقظ عداء العالم العربي".

وخلص ان "ادارة اوباما ستواجه صعوبة في العثور على الحليف الاسرائيلي الذي هي بامس الحاجة اليه من اجل دفع سياستها الجديدة قدما في المنطقة".

تدني المشاركة في المناطق العربية

ولم تكن الحرب على غزة وحدها كافية لثني عدد كبير من ناخبي الاقلية العربية في اسرائيل عن اختيار نوابهم الى الكنيست فكانت العاصفة لهم بالمرصاد وبقي عدد كبير منهم في منازلهم.

وقال المحرر الصحافي حسين السويطي بعد ان ادلى بصوته في قرية ابو سنان في حوالي الواحدة ظهرا (11,00 ت غ) "نسبة المصوتين متدنية عن المعتاد في مراكز الاقتراع في الناصرة (كبرى المدن العربية) والقرى المجاورة في الجليل".

واضاف لوكالة فرانس برس "النساء والمسنون يكونون عادة اول من يدلون باصواتهم لكن المطر منعهم من ذلك على ما يبدو. الحركة خفيفة جدا بسبب البرد".

وكانت سيارات ترفع رايات القوائم العربية الثلاث المشاركة في الانتخابات تجوب المدن والقرى لتحض الناس على التصويت عبر مكبرات الصوت.

ومن 15% صباحا تحسنت النسبة الى 29% بعد الظهر لكنها ظلت اقل بكثير من النسبة العامة التي بلغت 42% في اسرائيل كما اعلنت لجنة الانتخابات العامة في الرابعة بعد الظهر (14,00 ت غ).

وقال فاتن غطاس رئيس طاقم يوم الانتخابات في الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة "بلغت نسبة المشاركة 29% حسب الارقام التي وصلتنا في الثالثة والنصف بعد الظهر (13,30 ت غ). واضاف من مركزه في الناصرة "النسبة اقل بكثير عن النسبة العامة ولكن في هذه الساعات بدات الحركة تتحسن باتجاه الصناديق".

وتشكل المشاركة رهانا كبيرا بالنسبة للاحزاب العربية التي كانت ممثلة بتسعة نواب في الكنيست خصوصا اذا كانت المشاركة العربية منخفضة والمشاركة العامة مرتفعة لان هذا يهدد بخسارة بعض من مقاعدها التسعة التي تشغلها في الكنيست.

وعادة ما تكون نسبة المشاركة العربية ادنى من النسبة العامة. فقد بلغت 56% في 2006 مقابل نسبة عامة من 63,5%.

وعدا عن اتجاه نصف العرب الى الامتناع عن المشاركة سواء بسبب عدم الاكتراث او لشعورهم بانهم لا يلعبون اي دور في سن القوانين في بلد يعانون فيه من التمييز او في تقرير السياسات فقد عززت الحرب الاسرائيلية على غزة وصور الدمار والقتل هذا التوجه لانها جعلتهم يشعرون ان وجودهم في الكنيست لا طائل منه كما افادت استطلاعات الراي السابقة على الانتخابات.

وقال غطاس ان العمل جار على اقناع الناس "بان يدلوا باصواتهم لان موقفهم مهم جدا وعليهم ان ينتبهوا انهم بتصويتهم يختارون من يريدون ولكن ان لم يشاركوا فسينتصر من لا يريدونه".

وهو لخص بذلك مضمون رسالة الاحزاب العربية التي حاولت التغلب على حالة اليأس التي المت بجماهيرها بسبب الحرب وحملة عداء غير مسبوقة قادها اليمين المتطرف الذي يطالبهم بالولاء للدولة اليهودية مقابل حقوقهم كمواطنين هم الذين يشكلون 18% من السكان.

وفي الطيرة اكد المحامي اسامة سعدي السكرتير العام لقائمة الحركة الموحدة والعربية للتغيير ان احوال الطقس "زادت من نسبة الاحجام الى جانب وجود قسم غير مبال لكن الاقبال تحسن بعد الظهر".

وفي مدينة ام الفحم شمال اسرائيل قال المحامي حسين ابو حسين "لم يكن هناك سوى عدد قليل في مركز التصويت عندما ذهبت لادلي بصوتي.. المطر ارغم الناس على البقاء في منازلهم". لكن عفو اغبارية العضو الرابع على قائمة الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة رفض الحديث بلهجة متشائمة معتبرا ان "المشاركة عادية مثل كل الانتخابات ربما اقل قليلا بسبب رداءة الطقس".

وقال اغبارية "نامل ان تزيد مع المساء هذا ما يحدث عادة لان العمال يعودون من عملهم. صحيح ان اليوم اجازة في اسرائيل لكن العمال العرب يعملون لانهم ليسوا موظفين في مؤسسات حكومية".

ماذا عن خيار التسوية بعد الانتخابات الإسرائيلية؟

تمخّضت الانتخابات الإسرائيلية، التي جرت أخيرا، عن صعود اليمين واليمين المتطرف القومي والديني، وتراجع نفوذ الوسط واليسار، في المجتمع الإسرائيلي.

الآن، وبغض النظر عن تقييم هذه النتائج، وتقييم صدقية التيارات الإسرائيلية، بشأن عملية التسوية، ثمة أسئلة تطرح نفسها على الفلسطينيين، فمثلا، ما العمل بعد الانتخابات؟ وماذا بشأن اعتماد خيار المفاوضات والتسوية، خيارا وحيدا لهم؟ وما هي الخيارات الأخرى المتاحة، أو الممكنة، في هذه الظروف المعقّدة والصعبة؟

وقد تبدو هذه الأسئلة جدّ متأخرة، فقد عملت إسرائيل، منذ خمسة عشر عاما (هي عمر عملية التسوية)، على تدمير هذه العملية بطريقة ممنهجة ودؤوبة، بشكل أو بآخر، سلما وحربا.

وربما كان واضحا، منذ زمن، لكل من يريد أن يرى، أن التسوية التي تتوخّاها وتراهن عليها القيادة الفلسطينية، والتي تتأسّس على إقامة دولة مستقلة في الضفة والقطاع، وعاصمتها القدس الشرقية، مع حل عادل لقضية اللاجئين، غير موجودة في القواميس الإسرائيلية. كما كان واضحا أن ثمة إجماعاً إسرائيلياً، لا تنازل عنه، يتمثل باعتبار القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، والحفاظ على الكتل الاستيطانية في الضفة، وعدم تحمّل أي مسؤولية بشأن حل قضية اللاجئين. بحسب تقرير لصحيفة الحياة.

وفي هذا الإطار فقد حكمت علاقة إسرائيل بالفلسطينيين ثلاثة مسارات، المسار الأول، يتمثل بتلاعبها بعملية التسوية، وسدّ أفقها، وجعلها بلا معنى، عبر توسيع وتعزيز الأنشطة الاستيطانية، وبناء الجدار الفاصل، والتضييق على الفلسطينيين، وإضعاف السلطة، وفرض الحصار على غزة بعد الانسحاب الأحادي منها سنة 2005.

أما المسار الثاني، فيتمثل بشنّها حروباً مدمرة ضد الفلسطينيين، منذ رفضوا الانصياع لإملاءاتها في مفاوضات كامب ديفيد 2 عام 2000. وقد بيّنت إسرائيل، باستخدامها القوة الوحشية (في الضفة عام 2002 و2003 وفي غزة أخيرا) بأنها لا تلقي بالا للفلسطينيين، ولا تعاملهم كشركاء، ولا كجيران، وكأنه ليس ثمة عملية تسوية، وهذا ينطبق على مؤسسات السلطة التي دمّرتها اسرائيل في الضفة والقطاع.

وبالنسبة الى المسار الثالث، الذي عملت عليه إسرائيل، فيتمثل بالتملص من استحقاقات التسوية، بدعوى مراعاة حساسية قطاعات من المجتمع الإسرائيلي، وبدعوى غياب الإجماع بين تياراتها السياسية. وفي ذلك فقد كانت الديموقراطية الإسرائيلية، وضمنها التوجه لانتخابات مبكرة تلو الأخرى، هي الوسيلة التي أخرجت، أو برّرت، فيها إسرائيل، تملّصها من عملية التسوية حتى الآن.

على أية حال يجد الفلسطينيون أنفسهم مجددا أمام انتخابات تمخّضت عن صعود حزب «الليكود»، بزعامة نتنياهو، الذي يدعو صراحة للتراجع عن فكرة «الأرض مقابل السلام»، لصالح فكرة «السلام من أجل السلام»، على الصعيد العربي، ولصالح فكرة إنشاء سلام اقتصادي مع الفلسطينيين، لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، وبقاء سلطتهم كإدارة ذاتية، بمعنى الحفاظ على واقع الاحتلال.

أما حزب «إسرائيل بيتنا»، فهو إذ يتقاطع مع «الليكود» في ما يطرح، إلا أنه يزايد عليه بضرورة إخضاع الفلسطينيين بالقوة، وبمزيد من القوة، كما يزايد عليه في وجهة النظر العنصرية، المتمثلة بإخراج فلسطينيي 1948 من إطار المواطنة الإسرائيلية، في محاولة منه للإجابة على تحدي ما يسمى بالخطر الديموغرافي.

في المقابل فإن النتائج بيّنت انحسار نفوذ حزب العمل، الذي فقد منذ زمن هويته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يعد ثمة ما يميزه لا عن «الليكود» ولا عن «كاديما». ومعلوم أن زعيم هذا الحزب، أي ايهود باراك، هو الذي وقف وراء تقويض عملية التسوية (إبان رئاسته للحكومة 1999 - 2001)، بتهرّبه من استحقاقات المرحلة الانتقالية من اتفاقات أوسلو، وبتحوله نحو التفاوض حول قضايا الحل النهائي، وهو ما جرى في مفاوضات كامب ديفيد 2 (2000)، التي أخفقت. وهو مسؤول أيضا، عن اندلاع الانتفاضة في أيلول (سبتمبر) 2000، وتحوّلها الى مواجهات عسكرية عنيفة، بسبب استخدامه القوة المفرطة ضد الفلسطينيين، وهو المسؤول عن اعتبار أن القيادة الفلسطينية لم تعد شريكا في السلام. وأخيرا فإن باراك هو الذي قاد الحرب الإجرامية الوحشية الاخيرة، من موقعه وزيرا للدفاع، ضد قطاع غزة.

وبالنسبة الى حزب «كاديما»، فهو الحزب الذي أيد الانسحاب الأحادي من قطاع غزة، من دون اتفاق، وهو يعتقد أن بإمكانه فرض التسوية على الفلسطينيين برغبتهم أو رغماً عنهم، وهو الذي اخذ على عاتقه وأد مقاومة الفلسطينيين، بالقوة وبالمزيد من القوة، وهو ما حصل خلال الحرب على قطاع غزة.

إزاء هذه الحقائق لم يعد ثمة مناص أمام الفلسطينيين من مراجعة خياراتهم السياسية، وعدم حصرها بخيار واحد، والبحث عن خيارات بديلة أو موازية، خصوصا بعد انسداد خيار الدولة المستقلة، وربما يمكن أن يسهّل ذلك عليهم استعادة وحدتهم، ويمكنهم من تعزيز أوضاعهم، لمواجهة تحديات المرحلة القادمة.

وهكذا ثمة خيارات عديدة أمام الفلسطينيين، أولــــها يتــمثل باستمرار الوضع الحالي، أي الاستمرار بخيار المفاوضات وعملية التسوية، بغض النــــظر عـــمّن يحكم إسرائيل، وهو الخيار الأكثر كلفة، إذ أنه يمكن أن يفاقم حدة الانقسامات الفلسطينية، كما انه يضعف السلطة أمام شعبها، ويعزز قدرة إسرائيل على فرض املاءاتها بالاستيطان والجدار الفاصل والتهويد، وباستخدام القوة المفرطة ضد الفلسطينيين.

في مقابل ذلك، ثمة خيار الدولة الواحدة الديموقراطية العلمانية (دولة مواطنين أو ثنائية القومية)، التي تعيد فتح الصراع على مستقبل فلسطين، وعلى مستقبل المشروع الصهيوني في المنطقة بتجلياته كافة. وعلى رغم أن هذا الخيار هو بمثابة الحل الأمثل لمختلف تجليات الصراع ضد المشروع الصهيوني، إلا انه مستحيل في المعطيات الحالية، على رغم أن إسرائيل بإصرارها على دوام الاحتلال، والسيطرة على الفلسطينيين، تخلق ممهدات لهذا المسار، بقوة الأمر الواقع.

أيضا، ثمة خيار يتمثل بحلّ السلطة، من دون أن يعني ذلك إنهاء وضعها تماما، كقيادة للفلسطينيين في الأرض المحتلة، وإنما القصد من ذلك إنهاء وظيفتها التفاوضية. ويمكن طرح هذا الخيار، كخيار مقاومة شعبية بين أشكال مقاومة أخرى، كتحد للسياسة التي تنتهجها إسرائيل، ووضعها أمام مسؤولياتها كدولة محتلة، إزاء احتمالين يمكن أن يتمخّض عنهما هذا الوضع عليها، إن بتكرّسها كدولة استعمارية عنصرية لا ديموقراطية، أو انتهاء طابعها كدولة يهودية، وتحولها الى دولة ثنائية القومية، بحكم الأمر الواقع أو بحكم القانون، والقبول المتبادل.

الخياران الأخيران هما بالطبع من طبيعة صراعية وطنية، لكن ثمة خيارات أخرى، تصبّ في إطار خيارات إقليمية، تراهن إسرائيل عليها وتدفع باتجاهها، بالسياسة والحرب والحصار والانقسامات، لتقويض المشروع الوطني الفلسطيني..

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/شباط/2009 - 23/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م