لماذا تقصر أعمار الحكومات؟؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يذكر لنا التأريخ السياسي أن ثمة حكومات تمكنت من إطالة أعمارها الى أبعد حد ممكن في الوقت الذي انتهت غيرها على حين غرة، على الرغم مما كان يتوقعه لها المراقبون من ديمومة في الحكم.

وحين يبحث المراقب المختص في الاسباب التي تقف وراء هذا التفاوت في اعمار الحكومات، سيصل الى عدة اسباب رئيسة تسهم بشكل او آخر في اطالة او تقصير أعمار الحكومات.

ولكن ثمة سبب قد يكون الأهم أو الأكثر تأثيرا في هذا الجانب، فالعدل على سبيل المثال هو الداعم الأمثل لاستقرار الحكومات وديمومتها، وبخلافه سيحدث العكس كما تذكر لنا الوقائع على امتداد التأريخ السياسي، فالظلم والقهر والتهميش عوامل تسهم بشكل او بآخر في زعزعة الحكومة، غير أن العامل الأكثر تأثيرا في هذا الجانب هو تلويث صورة الدولة وحكومتها بالدم.

ويُقصد بذلك اذا تجبَّرت الحكومة وشرعت بتقتيل الناس تحت شتى الاسباب وربما لأبسطها، حيث تجعل من الاسباب التافهة دوافع لتكميم الافواه المعارضة لها من خلال إلصاق التهم المجانية بها ثم تذهب بالناس الى حبال المشانق ومنصات الاعدام.

وفي هذا الصدد يحذر الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قده) من تلويث الحكومات بالدم لاسيما تلك التي تتولد عن ثورات مناهضة لحكومات ظالمة سبقتها، فيقول:

(ان الحكم الذي يوغل في قتل الناس ويتورط في دمائهم يبدأ العد العكسي لسقوطه، فإن الناس لا يصبرون على قتل أولادهم وإخوانهم وآبائهم وذويهم وأصدقائهم فيأخذون في ذم القاتل وترصد عثراته وينصرفون إلى هدم كيانه وإسقاط شرعيته وإثارة الرأي العام ضده)، فالحكم الذي لا يقوم على ولاء الشعب يفقد مقومات البقاء.

(وسقوط الحاكم المتلوثة يده بدماء شعبه يبدأ من جرائم متناثرة.. فقتل هنا وقتل هناك وهكذا تتراكم حتى يسقط الحكم).

ونلاحظ في هذا الجانب إمكانية ان تتخذ الحكومة - لاسيما الثائرة على حكومة سابقة ظالمة - من عامة الشعب رصيدا ساندا لها بدلا من معاداتها ومن ثم اسقاطها، حيث ان مراعاة حقوق الشعب والأخذ بيده نحو الحرية والتقدم والاعتداد بالنفس سيشكل دعامة اساسية لتقوية عناصر الحكم، في حين ان التجبّر والظلم وعدم المساواة بين مكونات الشعب ستؤدي حتما الى حدوث اضطرابات وإن بدأت قليلة وغير ذات اهمية لكنها ستكون الشرارة التي تولد حريقا كبيرا يأتي على الحكومة الظالمة وكل من يسندها.

وفي هذا الجانب يقول الامام الشيرازي:(إذا تبنت الدولة قتل الأفراد تحت ستار أنها من فئة معينة تختلف معها، أو من حزب سياسي أو جماعة دينية أو مجموعات انخرطت في تجارة السلاح أو المواد المخدرة أو ما أشبه ذلك حيث إن هذه الجرائم والمجازر وإن حصلت تحت مظلة القانون عبر تشكيل المحاكم الصورية التي ظاهرها القانون والعدالة وحفظ النظام وباطنها تعبيد الطريق للحاكم وأعوانه وتثبيتهم في الحكم أكثر فأكثر... كما يتوهمون.

ومن المعلوم، أن ذلك من أكبر معاول هدم الدولة، إذ إن الدولة تحتاج إلى أكثر قدر من الالتفاف الشعبي والشرعي حولها ومعاونتها والدفاع عنها.. فإذا لم يتحقق ذلك كانت في طريق الزوال فكيف إذا انقلب الأمر فصار الأعوان أعداءً والأنصار خصماء). ويضيف الشيرازي في هذا الصدد: (وقد رأيتُ دولاً، وكما يتحدث التاريخ عن إمبراطوريات ودول، كانت فيها مقومات البقاء مئات السنين إلا أنها قلصت أعمارها لسنوات معدودات فقط لشهوتها في قتل الناس وولوغها في دمائهم).

إن هذه الشواهد تؤكد على ان منطق القوة غير المحسوبة او غير العادلة سيقود الى انهاك الحكومة واركان الدولة في آن واحد، وسيجعل من زوالها أمرا محتوما، بسبب الاخطاء القاتلة التي ستقع فيها، ولعل في ذلك دروس وعبر لمن يرغب من الحكومات بالافادة من اخطاء الغير.

أما بخصوص العراق وحكومته الحالية او الحكومات المقبلة، فهي ايضا مشمولة بوضع هذه الامور نصب أعينها، نعم نحن نبني تجربة ديمقراطية تؤكد على التداول السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع، لكن تبقى النوازع الفردية لمن يتصدر دفة الحكم هي مصدر القلق أو زواله بهذا الخصوص، فلربما تكون النزعة الفردية للحكم الأعلى أقوى من الديمقراطية على سبيل المثال، عند ذاك فإن هذا العامل سيشكل خطورة على الحكومة القائمة بل على التجربة الديمقراطية برمتها، وهنا يتوجب التعامل القانوني المنطقي مع الاخطاء التي قد تقع بسبب الجهل او الاهمال، وفي هذا يقول الامام الشيرازي:(إذا اضطرت الدولة إلى استخدام القوة في تطبيق القانون فاللازم أن لا يعدو ذلك السجن في الموارد الخاصة القليلة جداً وبعض الغرامات البسيطة وذلك عبر المحاكم الشرعية والإنسانية التي توفر جميع الضمانات الحقوقية لإجراء العدالة).

إن مثل هذا السلوك المتوازن من لدن الحكومات مع الشعب، سيؤدي الى إطالة أعمارها حتما، أما تلك الحكومات صاحبة الاعمار القصيرة فإنها بأفعالها واجراءاتها الفردية العشوائية الظالمة، قادت نفسها الى مصير الهلاك وصنعت بنفسها صيتها السيّئ في سجل التأريخ.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/شباط/2009 - 7/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م