
شبكة النبأ: أعادت الانتخابات
الرئاسية وانتخابات الكونجرس في الرابع من نوفمبر الماضي (2008) تشكيل
الخريطة السياسية في الولايات المتحدة، مع تحول أعداد من الجمهوريين
إلى الحزب الديمقراطي، فضلاً عن تراجع درجات التعصب والانتماء للحزب
الجمهوري وتآكل قواعده الريفية والمحافظة.
كما أضاف عدم الرضا عن أداء إدارة جورج بوش بسبب حرب العراق وزيادة
أسعار النفط بشكل سريع والأزمة المالية الحالية، عاملاً مهمًّا في
إكساب الديمقراطيين زخمًا سياسيًّا.
وقد كانت أسباب تراجع الجمهوريين وقوة الديمقراطيين في انتخابات عام
2008 ـ التي وصفت بأنها نقطة فاصلة في مسيرة الجمهوريين والديمقراطيين
السياسية ـ محور مقالة بحثية لـ ديفيد برادي و"دوجلاس ريفرز و"لوريل
هابريدج حملت عنوان "عام 2008 التحويل الديمقراطي the 2008 democratic
shift" نشرتها دورية بولسي ريفيو، التي يصدرها معهد هوفر الأمريكي
التابع لجامعة ستانفورد.
التحول إلى الحزب الديمقراطي
تقول الدراسة: إنه بعد الانتخابات الرئاسية عام 2004، كانت الأمور
تسير لصالح الجمهوريين، حيث فازوا بالرئاسة، وبالأغلبية في مجلسي
الكونجرس. إلا أنه بعد مرور أربعة أعوام تغير الموقف بشكل كبير. وبدأ
ذلك عندما فقد الجمهوريون 31 مقعدًا في مجلس النواب و6 مقاعد في مجلس
الشيوخ، فضلاً عن فقدانهم السيطرة على الكونجرس خلال انتخابات التجديد
النصفي عام 2006. ومع حلول الانتخابات الرئاسية عام 2008، وبالإضافة
إلى خسارتهم لمنصب الرئاسة، خسر الجمهوريون 20 مقعدًا آخر في مجلس
النواب وما لا يقل عن 6 مقاعد أخرى في الشيوخ. بحسب موقع تقرير واشنطن.
وتشير هذه التحولات في المواقف، بحسب الدراسة، إلى تغيير أساسي
وجذري في الانتماءات الحزبية، والذي من شأنه أن يُعيد تشكيل الخريطة
السياسية الأمريكية لجيل كامل. فقد أجرت عدد من الصحف ووسائل الإعلام
الأمريكية استطلاعات للرأي خلال الفترة ما بين عامي 2005 و2008 لمعرفة
نسبة من يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين، مقابل من يصنفون أنفسهم بأنهم
جمهوريون. أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها New York Times/CBS,
Washington Post/ABC, Wall Street Journal/NBC أن الجمهوريين بدءوا في
التخلي عن انتمائهم لهذا الحزب، وأن هناك تحولاً يسير في اتجاه
الديمقراطيين.
وقد طرحت الدراسة تساؤلاً، للتأكد من هذه النتائج، على عدد من
الأشخاص في عامي 2004 و2008 حول انتمائهم الحزبي (ديمقراطي أم جمهوري
أم مستقل). ثم وجهت الدراسة سؤالاً آخر للديمقراطيين والجمهوريين،
يتمثل فيما إذا كان كل منهم جمهوريًّا أم ديمقراطيًّا "متعصبًا" أم
"ليس متعصبًا بالدرجة الكافية"، بينما سُئل المستقلون وغيرهم إذا كانوا
"يميلون" نحو حزب معين.
ووفقًا لهذه التساؤلات يكون هناك من هو: ديمقراطي متعصب، وديمقراطي
غير متعصب، ومن يميل لأن يكون ديمقراطيًا، ومستقلاً، ومن يميل لأن يكون
جمهوريًّا، وجمهوريًَّا غير متعصب وجمهوريًّا متعصبًا.
ووفقًا للإجابة على هذه التساؤلات، تحول عدد قليل جدًّا من
الجمهوريين ليصبحوا ديمقراطيين، حيث أن 1.2% من الجمهوريين المتعصبين
و0.8% من الجمهوريين غير المتعصبين، الذين كانوا كذلك في عام 2004،
قالوا: إنهم ديمقراطيون أو يميلوا إلى أن يكونوا كذلك في عام 2008. إلا
أن تراجع قوة الجمهوريين حدثت عندما تحول الجمهوريون المتعصبون إلى غير
متعصبين، وغير المتعصبين إلى مستقلين، والمستقلون أصبح لديهم ميول لأن
يكونوا ديمقراطيين أو تحولوا بالفعل إلى ديمقراطيين.
وتشير الإحصاءات إلى أن 34.6% من المستقلين كانوا ثابتين وصوتوا في
2008 للحزب ذاتها التي صوتوا لصالحها في عام 2004. أما 37.5% من
المستقلين فقد تحولوا إلى ديمقراطيين بينما تحول 27.9% إلى جمهوريين،
وبذلك يكون المكسب الصافي هو9.6% لصالح الديمقراطيين، أي تحول بنسبة
6.0% نحو الحزب الديمقراطي.
ومن ناحية أخرى، بالمقارنة بين الديمقراطيين المتعصبين ونظائرهم من
الجمهوريين، توضح الدراسة أن خسائر الحزب الديمقراطي من هذه الفئة
المتعصبة تعتبر أقل من خسائر الجمهوريين من الفئة ذاتها. والأمر ذاته
ينطبق على فئة غير المتعصبين ومن لديهم ميول نحو أحد الحزبين.
فالجمهوريون غير المتعصبين أصبحوا من فئة المتعصبين بنسبة 35.2%، بينما
الديمقراطيون غير المتعصبين تحولوا إلى الفئة المتعصبة بنسبة 39.5%.
العراق والاقتصاد وراء التحول
أما عن الأسباب التي أدت إلى تغيير الناخبين لانتماءاتهم الحزبية
بين عامي 2004 و2008، فتؤكد الدراسة أن هناك ناخبين كانوا قد صوتوا
لإعادة انتخاب جورج بوش الابن في عام 2004 وصوتوا أيضًا لصالح المرشحين
الجمهوريين في انتخابات الكونجرس، إلا أنهم أصبحوا بعد ذلك ديمقراطيين.
وتوضح الدراسة أن السبب وراء هذا التحول الملحوظ يتمثل في نقطتين
هامتين هما: إما عدم الرضا عن أداء إدارة بوش أو عدم اتفاقهم مع
أيديولوجيا الحزب الجمهوري.
ووفقًا للدراسة، فإن الرؤساء وأحزابهم يتعرضون للوم عادة عند سماع
أخبار اقتصادية سيئة خلال فترة حكمهم. وكان لإدارة بوش الثانية نصيبًا
كبيرًا من هذه الأخبار السيئة مع القليل من النقاط الإيجابية التي يمكن
إحصاؤها. فزيادة أسعار النفط بشكل سريع والأزمة المالية الحالية، والتي
تُعد الأعنف من نوعها، كفيلان بأن يفقدا الرئيس وحزبه شعبيتهما. وتشير
الإحصاءات إلى أن 63.0% من الأشخاص الذين كانوا جمهوريين متعصبين في
عام 2004 وأصبحوا غير راضين عن أداء بوش تحولوا بقوة إلى ديمقراطيين.
أما الجمهوريون الذين لم يتحولوا إلى ديمقراطيين فقد أصبحوا على الأقل
من فئة الجمهوريين غير المتعصبين.
أما السبب الآخر الذي أثر على شعبية بوش فيكمن في الحرب التي شنها
على العراق، حيث أن 54% من عامة الشعب الآن يعتقدون أنها كانت خطأ
فادحًا. وعلى الرغم من أن معارضة الديمقراطيين للحرب تعتبر أكثر قوة من
معارضة الجمهوريين لها، إلا أن حماسة الجمهوريين لهذه الحرب انهارت
خلال الخمسة أعوام الماضية. فغالبية الجمهوريين المتعصبين وغير
المتعصبين الذين تغير موقفهم إلى معارضة الحرب في العراق بحلول عام
2008 قد تحولوا إلى الاتجاه الديمقراطي. واعتمادًا على ذلك، تؤكد
الدراسة أن واحدًا من ضحايا هذه الحرب ربما يكون الحزب الجمهوري.
أيديولوجية الحزب طاردة للمناصرين
أما السبب الثاني في تحول نسبة من الناخبين الجمهوريين إلى
ديمقراطيين، كان في العلاقة بين أيديولوجية الناخبين وتأييدهم للحزب
الجمهوري. فتتمثل أيديولوجية الحزب الجمهوري في مواقف متحفظة من عديد
من القضايا، لا تتضمن فقط قضايا الضرائب وحجم الحكومة بل أيضًا قضايا
الإجهاض، وحقوق الشواذ، والهجرة، والسيطرة على استخدام السلاح.
ومن المعروف أن الحزب الجمهوري من أشد المعارضين لزواج الشواذ ومعظم
الناخبين الجمهوريين يتبنون الموقف ذاته، إلا أن هؤلاء الذين لديهم
موقف مخالف لذلك قد تخلوا عن انتمائهم للحزب الجمهوري. فما يقرب من نصف
الجمهوريين المتعصبين الذين يؤيدون زواج الشواذ أصبحوا ديمقراطيين ما
بين عامي 2004 و2008. كما أنه من بين هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم "محافظين"،
فإن ما بين 13.0% و 21.8% منهم تحولوا إلى الحزب الديمقراطي. وفي
المقابل، كانت الخسارة في صفوف من يصفون بـ"الجمهوريين المعتدلين" أكبر،
حيث تحول 39.0% منهم وخاصة إلى ديمقراطيين.
وفي الوقت ذاته، أشارت الدراسة إلى أن الذين تركوا الحزب الجمهوري
ليصبحوا مستقلين أو ديمقراطيين، لهم مواقف تؤيد نظام الرعاية الصحية
الشامل، وحقوق الشواذ، وحق الإجهاض، كما يعتقدون أن تأثيرات الاحتباس
الحراري موجودة بالفعل، وهو ما يعد مخالفًا كلية لأيديولوجية الحزب
الجمهوري.
بوش وراء خسارة ماكين
وتناول المقالة الأسباب الكامنة وراء خسارة المرشح الجمهوري، جون
ماكين، في الرابع من نوفمبر الماضي، فتقول إن جون ماكين لم يكن موفقا
مثلما كان بوش خلال الانتخابات السابقة في 2004. ويرجع ذلك إلى أن
الأزمة الاقتصادية، وحرب العراق، وميل الحزب بشدة نحو اليمين، كلها
عوامل من الصعب على أي مرشح أن يتغلب عليها.
وعلى الرغم من محاولات ماكين إبعاد نفسه عن إدارة بوش وسياستها، إلا
أن ذلك لم يقنع الناخبين بأنه يختلف حقيقة عن بوش. ولكن من المهم
ملاحظة أن هؤلاء الناخبين مازالوا أقرب من مواقف بوش وماكين فيما يتعلق
بالأيديولوجية العامة، أكثر من قربهم للمرشحين الديمقراطيين.
وتوضح الدراسة أن تغيير الشعب الأمريكي لموقفه من بوش ومن حرب
العراق من التأييد إلى المعارضة، لا يؤثر بالضرورة على صلاحية المرشحين
الجمهوريين لتولي منصب الرئاسة. والدليل على ذلك عودة الجمهوريين
للحكم، بعد خسارتهم للانتخابات الرئاسية في عامي 1964 و1976، جاءت
نتيجة السياسات الفاشلة لكل من الرئيسين الديمقراطيين ليندن جونسون و
جيمي كارتر، وليس بسبب أي تحولات في الهوية الحزبية لصالح الحزب
الديمقراطي.
ولكن المشكلة التي يواجهها الجمهوريون الآن هي أن قاعدتهم، التي
تعرف بأنها ريفية ومحافظة، آخذة في التآكل ومن ثم لا يمكنهم الفوز في
أي انتخابات دون الحصول على تأييد ودعم والمعتدلين. وعلى الرغم من
ترشيح الحزب الجمهوري في 2008 لمرشح معروف من قبل غالبية الجمهوريين
بأنه أقل محافظة من بوش، إلا أن أعدادًا كبيرة من الجمهوريين المعتدلين
كانوا يتخلون عن عضوية الحزب.
وحاول ماكين، ـ حسب الدراسة ـ التركيز خلال حملته الانتخابية على
السياسة الخارجية وهي المنطقة التي يعتبر أنه أكثر خبرة فيها من نظيره
الديمقراطي باراك أوباما. كما حاول أن يفصل نفسه عن بوش إزاء عديدٍ من
القضايا، إلا أن الفارق الحقيقي بينه وبين بوش حول غالبية القضايا يعد
فارقًا بسيطًا.
وقد أشارت نتيجة انتخابات 2008 أن ماكين فاز بـ 90% من أصوات من
يصفون أنفسهم بأنهم جمهوريون، بينما فاز أوباما 89% من أصوات
الديمقراطيين. ولكن من سوء حظ ماكين والجمهوريين، أن 32% فقط من أجمالي
عدد الناخبين الأمريكيين يعتبرون أنفسهم جمهوريين مقابل 39%
ديمقراطيين، بالإضافة إلى نجاح أوباما في الفوز بأصوات المستقلين بهامش
52-44، فضلاً عن فوزه بأصوات الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18
و24 عامًا.
وبعد أي هزيمة انتخابية، يكون هناك دائمًا جدالاً متوقعًا بين أعضاء
الحزب الخاسر. لذا لابد أن يتناول الجمهوريون، في تحليلهم لهزيمتهم
الانتخابية، مسألة تراجع أعداد أعضاء الحزب، وما الموقف الذي يجب أن
يتخذه الحزب لاستعادتهم وجذب المستقلين في الوقت ذاته. |