من سنَّ سُنة حسنة

علي المرهون

بين فعل الصحفي منتظر الزيدي وقراءة الإعلام العربي والعالمي لفعله، ضاعت رمزية الفعل وتلاشى كل الغبن والإحساس بالقهر الذي تطاير من "جزمته" وهي تعبّ الهواء لتُخطأ وجه جورش بوش بسرعة بديهة منه أولاً ثم بخيبة في دقة التصويب ثانية.

أقنية إعلامية كقناة الجزيرة وصحيفة القدس العربي والإعلامي مصطفى بكري ومن شاكلهم رأوا أن التاريخ سجل رمية الزيدي بمداد من ذهب، فهوانتصر للحق العراقي المضيّع وانتقم لآهات الأمة وآلامها وألحق عاراً وشناراً ببوش وأمريكا ومن لفّ لفهم من متأمركين ومتصهينين ومتلبررين و"مدري مين" !!

فيما الجناح الآخر، أوقل "الحمامة الوادعة كاملة" الأخرى كمشاري الذايدي والعربية والشرق الأوسط فرأوا رمزية التخلف والسذاجة وقمة اللاوعي الحضاري واللا أتيكيت في فعلة الزيدي وأنه ما عمل عملته الخرقاء إلا ليشتهر في أقنية كتلك التي أشهرته فعلا ً!!

لستُ في وارد بكائية أخرى على مهنية العمل الإعلامي عندنا ولا عند سوانا، ولستُ في مقام التعبير عن رأيي في فعل الصحفي العراقي، فالأمر عندي لم يحتمل سوى ضحكة بسيطة وإعادة إرسال لمقطع الحادثة لبعض الزملاء بالبريد الإلكتروني كحدث لا يصح أن يُفوته أحد.. لكن استوقفني ترديد أحد الأصحاب لما يُنسب للسنة النبوية المطهرة " من سنَّ سُنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة " في تعليقه الساخر على حادثة أوردتها صحيفة الوطن السعودية لمشجع رياضي رفع "الجزمة" في وجه حكم مباراة لكرة القدم كتعبير لانتقاده ورفض "مظالمه" !!

إن كانت فعلة منتظر حسنة وأسست لـ "سُنَّة" اجتماعية أوسياسية جديدة تحمل رمزية الإهانة والإستنكار أيّا كان مداها فلا شك أن مستقبلاً باهراً ينتظر صناعة الأحذية عالمياً ويُبشر إسكافي حارتنا وأقرانه بمواسم الفرح والحبور والبيع الكثير!!

الطريف في الأمر أن حالة الإعجاب بهذه "البدعة" اجتاحت العالم كله وصارت مظهراً عالمياً توّحد فهمُه في لندن والصين وطهران والرياض وكاراكاس فيما استعصى فهم أمور أكثر إلحاحاً ومصيرية في مسيرة الإنسان على هذا الكوكب.

" عدوى الزيدي تنتقل للملاعب السعودية"

" البريطانيون يضربون مقر حكومتهم بالأحذية"

" محافظة إيرانية ترفع نصباً لرمي رسم بوش بالأحذية"

" الرئيس البرازيلي يمازح الصحفيين على خلفية حادثة الحذاء"

هذه بعض عناوين أخبار طريفة حملتها الصحافة في الأيام التالية للحادثة الشهيرة، لكن وما دامت رمزية رمي الحذاء أوأقلاً رفعه صارت حاضرة في أذهان كثير من بني البشر متوحدة في معناها فهل نستغرب بعد أيام لوطالعتنا الصحف بعناوين من قبيل:

"الجزم لمُقاول طريق الدمام –الجبيل"

"في رمزية لا تخفى.. طلاب الثانوية العامة يرفعون الجزم في وجه مدرسي مادة الفيزياء بعد الامتحان النهائي"

"تطوير خدمات جسر الملك فهد.. أوالجزمة؟!!"

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/كانون الثاني/2009 - 29/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م