غزة بعد الحرب: دعوات لتحقيق شامل والحرب شجَّعَت حماس أكثر

شكوك بإعادة البناء مع استمرار اسرائيل بغلق المعابر

 

شبكة النبأ: فيما عاود مقاتلو حماس ظهورهم المكثف لبسط السيطرة في شوارع القطاع، عادَت الأسر الفلسطينية الى منازلها في شمال غزة لكن الكثيرين لم يجدوا هناك شيئا قائما يمكن تمييزه. حيث أخذ النساء والاطفال ينظرون هنا وهناك في فزع مع اقترابهم من حي السلاطين ببطء وهم يضعون أمتعتهم على عربات تجرها الحمير أو مربوطة على سيارات متهالكة ويسيرون على طرق دمرتها الدبابات الاسرائيلية والانفجارات.

لكن الادارة الامريكية الجديدة يبدو انها قد بدأت مساراً امريكياً مختلفا في تناولها قضية مخلفات الحرب في غزة بين اسرائيل وحماس خاصة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الانسان الجسيمة التي شهدها العدوان الاسرائيلي على القطاع، حيث عيّن الرئيس أوباما، (ميتشيل) العضو سابق في مجلس الشيوخ الذي ساعد في تسوية الصراع في ايرلندا الشمالية في محاولة لبدء محادثات السلام الفلسطينية الاسرائيلية والذي قال، طلبي الاول من الادارة الامريكية هو ان تتحدث مع المواطن الفلسطيني العادي في غزة.. ان تأتي الى غزة وتتحدث الى اناس عاديين.. أمهات وآباء وزعماء لجمعيات حقوق مدنية.. أناس من غير المتورطين في السياسة.

وفجرت المنازل على اليمين والشمال في شوارع غزة بنيران الدبابات والرشاشات الثقيلة. وبعضها سوي بالارض مثل منزل سلطان بالقنابل التي أسقطتها الطائرات اف 16 الحربية الاسرائيلية.

وقال رجل أصابه الذهول ولف نفسه بدثار بسبب البرودة الشديدة في الصباح انه لم يتمكن من العثور على منزله.

وقال سلطان "طلب الاسرائيليون منا مغادرة منازلنا ... قالوا ان الوضع سيكون خطيرا. جاء مقاتلو حماس وابلغونا بنفس الشيء."بحسب رويترز.

ولجأ نحو 45 ألفا من سكان غزة الى مدارس تديرها الامم المتحدة أثناء القتال. وقتل زهاء 1300 فلسطيني وأصيب 5300. وكان أغلب الضحايا من المدنيين.

وقال سلطان الذي بدا مهزولا وتعلو وجهه ابتسامة خفيفة "فزنا بالحرب. لكننا خسرنا كل شيء. .. كان هذا منزلي" وهو يهز كتفيه في لامبالاة وبجواره كومة من الخرسانة المحطمة والفراش الممزق.

مسؤول بالاونروا: الحرب شجّعَت المتشددين في غزة

وقال مسؤول إغاثة بالامم المتحدة ان غزو اسرائيل لغزة قوى قبضة المتشددين ولن يهديء من الغضب الفلسطيني المتنامي سوى اجراء تحقيق مستقل يعتد به في مزاعم عن انتهاكات.

ودعا جون جينج رئيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في غزة جورج ميتشيل المبعوث الامريكي الجديد للشرق الاوسط للحديث مع مواطنين فلسطينيين عاديين في القطاع في اطار "مسار جديد" للدبلوماسية.

وعين الرئيس الامريكي باراك أوباما ميتشيل العضو سابق في مجلس الشيوخ الذي ساعد في تسوية الصراع في ايرلندا الشمالية في محاولة لبدء محادثات السلام الفلسطينية الاسرائيلية.

وقال جينج متحدثا من غزة للصحفيين في جنيف "طلبي الاول من الادارة الامريكية هو ان تتحدث مع المواطن الفلسطيني العادي في غزة. ان تأتي الى غزة وتتحدث الى اناس عاديين... أمهات واباء وزعماء لجمعيات حقوق مدنية اناس من غير المتورطين في السياسة."وأضاف "مازالوا مصدومين لكن هناك المزيد من الغضب يتنامي."بحسب رويترز.

وتابع أن من المهم ان تكون هناك محاسبة للقتل والدمار الذي الحق بالبنية الاساسية الفلسطينية من خلال الية يعتد بها من شأنها "تحويل هذه المشاعر الى ثقة في حكم القانون."

ومضى يقول "المتشددون هنا -وهم أكثر الان بعد نهاية الصراع مما كانوا عليه عند بدايته وهذه نتيجة مثل هذه الصراعات- واثقون للغاية في أقوالهم بانه لا يجب توقع أن تتحقق العدالة عن طريق حكم القانون. والان يجب أن نثبت خطأهم."

وقال ان التحقيق يجب ان يدرس "شرعية المزاعم" من الجانبين اذ ان مدنيين اسرائيليين تضرروا كذلك.وأضاف "والتحدي ان ننجح في تحقيق ذلك. لاننا اذا لم ننجح فاننا نكون قد اذعنا بالفعل لجدول أعمال المتشددين هنا في غزة."

وكان بان جي مون الامين العام للامم المتحدة قال انه يتوقع ان تقدم اسرائيل بشكل عاجل تفسيرا كاملا عن الهجمات على منشات تابعة للامم المتحدة منها مدارس كانت تستخدم للايواء وقال انه يتعين محاسبة المسؤولين عن ذلك.

الامم المتحدة مصدومة لحجم الدمار في غزة

وقال مدير وكالة الامم المتحدة لغوث اللاجئين جون هولمز لبي بي سي، ان الوضع في قطاع غزة بعد الحملة العسكرية التي شنتها اسرائيل ضده لثلاثة اسابيع "أسوأ مما كان يتصور." وقال السير جون هولمز الذي زار غزة الجمعة انه "صدم" للدمار المنظم الذي الحقته اسرائيل بالقطاع. واعتبر هولمز ان وضع القطاع الاقتصادي تخلف بسنوات.

وفي اسرائيل، كلف رئيس الوزراء ايهود اولمرت وزير العدل في حكومته بالدفاع عن اسرائيل من كل تهم توجه اليها بارتكاب جرائم حرب.

وسيكون الوزير دانييل فريدمان على رأس فريق متعدد الوزارات لتنسيق الدفاع عن "المدنيين الاسرائيليين والجيش."

أما مقرر الامم المتحدة في الاراضي الفلسطينية ريتشارد فولك، فقال انه "يبدو مبدئيا ان اسرائيل انتهكت معاهدات جنيف بشكل كبير" خلال حملتها التي دامت 22 يوما. لكن اسرائيل ردت بأن "تحيز السيد فولكس ضد اسرائيل معروف."

وقال هولمز في حوار مع بي بي سي ان الدمار الذي لحق بغزة من شأنه ان يؤثر على سكانها بشكل "مريع"، واعطى مثال منطقة صناعية مساحتها كيلومتر مربع، "سطحها" الجيش الاسرائيلي بالصواريخ والجرافات.

كما تحدث المسؤول الاممي الرفيع في المقابلة عن مشكلة انابيب صرف المياه المكسورة التي تصب محتوياتها في الشوارع.

وقال هولمز: "قد يقول الاسرائيليون انهم هاجموا المنطقة لان مسلحين كانوا يطلقون منها صواريخ، لكن نشاطها الاقتصادي تخلف بسنوات عديدة الآن، ولا يمكن ان تحتضن اية انشطة اقتصادية."

ويرى هولمز ان ذلك سيجعل الفلسطينيين في قطاع غزة يعتمدون على القطاع العام، وبالتالي على حركة حماس التي تسيطر عليه.

اعادة اعمار غزة موضع شك مع ضغط اسرائيل على حماس

ورفضت اسرائيل نداءات دولية بفتح المعابر الحدودية على نحو كامل مع قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الاسلامية (حماس) مما يترك وقفا هشا لاطلاق النار ويجعل عملية اعادة الاعمار بعد الحرب موضع شك.

وبينما أشاد مسؤول بالامم المتحدة "بحسن نية" اسرائيل لسماحها بدخول نحو 120 شاحنة محملة بالاغذية والادوية يوميا الى غزة شكا دبلوماسيون من القيود التي تفرضها اسرائيل على واردات الصلب والاسمنت والاموال النقدية لاجراء عمليات الترميم بعد الهجوم الذي استمر 22 يوما.

كما منعت اسرائيل أيضا السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب من ارسال اموال نقدية الى غزة رغم تحذيرات دولية من ان مكانة الرئيس محمود عباس عرضة للخطر. بحسب رويترز.

وقال دبلوماسي غربي بارز عن الاموال النقدية "انهم يخشون من ان تذهب الى حماس." واذا لم يحدث تغيير سريع في السياسة الاسرائيلية قال الدبلوماسي ان الاستجابة العاجلة واعادة الاعمار في المدى البعيد "مصيرها الفشل".

وعبر مسؤولون امريكيون عن تأييدهم في ظل شروط معينة لفتح المعابر بطريقة أكثر شمولا لكنهم لم يحددوا جدولا زمنيا.

وقال جون جينج الذي يرأس عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للامم المتحدة في غزة ان النتيجة النهائية لحرب اسرائيل التي أسفرت عن قتل 1300 فلسطيني واصابة أكثر من خمسة الاف كانت "متطرفة للغاية".

لكن مستشارا كبيرا لرئيس الوزراء ايهود اولمرت استبعد فيما يبدو ذلك. وقال "اذا كان فتح الممرات سيقوي حماس فاننا لن نفعل ذلك."

وتعتقد اسرائيل ان القيود على المعابر سيعطيها قوة في المفاوضات التي تتوسط فيها مصر مع حماس للافراج عن جلعاد شليط الجندي الاسرائيلي الاسير.

لكن اسرائيل تجد نفسها تحت ضغوط متزايدة لكي تفعل المزيد لتخفيف مصاعب سكان غزة البالغ تعدادهم 1.5 مليون نسمة.

منظمات الاغاثة تكثف عملياتها

من جهة اخرى عبأت منظمات الاغاثة مواردها لمساعدة قطاع غزة الذي تديره حركة حماس عملا على توفير الحاجات الاساسية لعشرات الآلاف من الفلسطينيين المحتاجين بشدة الى المعونات العاجلة بعد الحرب المدمرة التي استمرت ثلاثة اسابيع.

وقال اسحق هرتزوج الوزير الاسرائيلي الذي يشرف على الشحنات القادمة من الجانب الاسرائيلي من الحدود "نريد الوصول الى 500 شاحنة في اليوم." وتقوم حوالي 150 شاحنة حاليا بنقل المعونات بما في ذلك الاغذية والادوية الى أبناء غزة الذين يبلغ عددهم 1.5 مليون نسمة. بحسب رويترز.

وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا)التي تعمل في قطاع غزة منذ عام 1948 انها قامت بعملية تقييم أولية للحاجات على الارض وخلصت الى ان النفقات العاجلة تحتاج الى مبلغ قدره 330 مليون دولار.

ويضاف هذا المبلغ الى 1.6 مليار دولار تفيد تقديرات دبلوماسيين غربيين بأنها مطلوبة لاعادة اعمار البنية الاساسية مثل الطرق والجسور وأنظمة الصرف الصحي فضلا عن بعض من المباني التي لحقت بها اضرار والتي تقدر حماس عددها بنحو 22 الفا.

وقال المتحدث باسم الاونروا كريستوفر جانيس "معظم مبلغ الثلاثمئة وثلاثين مليون دولار مطلوب لاصلاح وتأهيل الملاجيء وسيخصص جزء اصغر من المبلغ لمنشآت الاونروا التي أصيب 53 منها بأضرار او دمر تماما."

وأضاف "ومع اتضاح النطاق الكامل للدمار سيرتفع المبلغ بلا شك. وهذا الرقم ليس خاصا باعادة اعمار غزة بل يقتصر على الاصلاح الفوري والاغاثة العاجلة."

وقال موظفو الاغاثة ان ما بين خمسة الاف وستة الاف من النازحين خلال اسابيع القتال الثلاثة حاولوا العودة الى منازلهم في اعقاب وقف اطلاق النار الذي اعلنته اسرائيل وحماس كل على حدة يوم الاحد لكنهم وجدوها قد دمرت أو لحقت بها أضرار يتعذر معها الاقامة فيها.

وقالت اللجنة الدولية للصليب الحمر التي قدمت امدادات طبية ومعونات أخرى خلال الصراع ان تركيزها بعد الحرب سينصب على مساعدة حوالي ثمانية الاف عائلة اي حوالي 60 الف شخص قالت انهم فقدوا منازلهم او وجدوها غير صالحة للسكنى.

وقالت المتحدثة ان صوفي بونفيلد "الحاجات العاجلة تشمل الحشايا والبطاطين وادوات المطبخ والواح البلاستيك."وأضافت "سنواصل تزويد المستشفيات بالادوية وغيرها من الامدادات بما في ذلك الوقود اللازم لمولدات الكهرباء."

وتابعت "وتساعد فرقنا ايضا الفنيين المحليين في اصلاح خطوط الكهرباء ومحطة معالجة المخلفات في غزة وتبحث في مشاكل امدادات المياه في اماكن مختلفة."

الأمم المتحدة تطالب بدخول مواد البناء إلى غزة

وفي نفس السياق حثَّ رئيس مفوضية الأمم المتحدة للشؤون الانسانية اسرائيل على فتح كل المعابر مع قطاع غزة لتسهيل نقل البضائع والسلع. وقال جون هولمز إنه ما لم تسمح اسرائيل بدخول مواد البناء لن يمكن البدء في اعادة التشييد هناك. واضاف أن الهدنة الأخيرة بين حماس واسرائيل لا تشمل أي اتفاق على فتح المعابر التي تتحكم فيها اسرائيل.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان- كي مون إنه يشعر بالاستياء من اعتداء اسرائيل على مجمع تابع للأمم المتحدة في غزة بعد ما شاهد بنفسه حجم ما نتج من دمار. وأضاف بان- كي من إنه يجب إخضاع المسؤولين عما وقع من دمار لـ"تحقيق شامل". بحسب رويترز.

وقام فيما بعد بزيارة مدينة سيدروت التي كانت خلال الفترة الأخيرة هدفا رئيسيا لصواريخ حماس خلال السنوات الأخيرة.

ووصف بان- كي مون صواريخ حماس بأنها أسلحة عشوائية قائلا إن هجمات حماس تعد انتهاكا للقانون الدولي.

وتقدر مصادر طبية فلسطينية عدد القتلى منذ بدء العملية العسكرية الاسرائيلية في قطاع غزة قبل ثلاثة اسابيع بـ 1300 قتيل، تقريبا ثلثهم من الأطفال، و5500 جريح. وقتل 13 اسرائيليا بينهم ثلاثة من المدنيين حسبما أعلن الجيش الاسرائيلي.

وخلال مؤتمر صحفي في نيويورك قال هولمز إن الضروري للغاية السماح بدخول مواد النباء مثل الأسمنت والقضبان الحديدية بالدخول إلى قطاع غزة من أجل اعادة بناء ما دمره الجيش الاسرائيلي. وحتى الآن تسمح اسرائيل بدخول المواد الأساسية الإنسانية مثل الأغذية والأدوية فقط.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 25/كانون الثاني/2009 - 27/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م