الرأي والرأي المعارض في العهد الجديد

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في الدول التي سبقتنا بأشواط طويلة على طريق التحرر والتقدم يحظى الرأي المعارض بالمتابعة والإهتمام ويُدرس بعناية لكي تُستخلَص منه النتائج الواقعية التي ستقود بدورها من يتصدر قيادة البلد الى تصحيح السياسات والممارسات الخاطئة سواء الخارجية منها او الداخلية وفي المجالات كافة وصولا الى مصلحة المواطن التي تشكل حجر الزاوية في مهام وأهداف حكومات الدول المتقدمة.

ولنا في أغلب الدول المتقدمة لا سيما الأوربية منها أمثلة راقية على كيفية التعامل مع الرأي المعارض للحكومات، ولسنا بصدد المقارنة بين الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق وبين حكومات الدول الأوربية فيما يخص التعامل مع المعارضة لأن الفارق الشاسع بين الإثنين يدفعنا للشعور بالخجل والشعور المرير بالدونية بإزاء الأوربيين كما أننا لا نستثني الحكومات العربية كلها من استحالة المقارنة بينها وبين الدول المذكورة، فالرأي المعارض لأي من الحكومات العربية هو رأي حاقد (بالضرورة) ومغرض وله أهداف انقلابية ومؤامراتية تبغي الحصول على الحكم والإستحواذ على السلطة بأي ثمن كان، ومادامت النظرة للرأي المعارض تأخذ هذا المنحى في تصور الحكومات العربية، فإن لجم الأفواه وقطع الألسنة وتجفيف مداد الأقلام الجريئة الصادقة هو السبيل الأمثل لمعالجة أمر المعارضين وهكذا أصبحت الحكومات العربية صاحبة الأرقام القياسية في الأعمار التي تجاوزت في ديمومتها أعتى دكتاتوريات أمريكا اللاتينية او صومال محمد سياد بري او حبشة هيلاسي لاسي او زمبابوي موغابي، ولهذا نجد أن الرئيس العربي يقضي ثلثين من عمره في سدة الحكم من غير أن يشعر بالخجل او الغرابة او التعب وكل هذا متأتٍ من القضاء شبه التام على الأصوات المعارضة، وكلنا نتذكر أساليب النظام السابق في تكميم الأفواه التي تطلق سهامها نحو الأخطاء التي ترتكب بحق الشعب وكان أكثرها شيوعا تهمة الإنتماء الي أحد الأحزاب الممنوعة.

ولا ادري لماذا ينهج السياسيون الذين يتصدرون دفة الحكم نهجا اقصائيا كهذا، نعم هناك نزعة التمسك بكرسي الحكم، هذا أمر متعارف عليه، ولكن يخطأ من يظن ان تكميم الافواه ومصادرة الرأي الآخر يقود الى تثبيته في سدة الحكم او ايصاله اليها، ان العراق يمر بمرحلة جديدة ويجب ان تختلف كليا عن سابقاتها من التجارب داخل العراق او في الدول العربية.

ان فرصتنا اصبحت سانحة جدا لبناء دولة الحرية التي لا يستأثر سياسيوها بكراسي الحكم الى الابد او الى مدة طويلة، كما ان هذه التجربة الولفتية تستوجب تلاقح الآراح حتي في تضادها، فالآراء إن اختلف صحت، ولذلك يجب ان تسود التجربة العراقية الراهنة عملية احتضان الرأي المعرض البناء الذي هذفه التصويب وليس التشهير.

يقول العارفون ان الحياة لا تسير بشكل سليم إلاّ وفق قانون الأضداد، ولذلك نقول ان بلدا خاليا من المعارضين سينتهي به الأمر الى الشمولية المقيتة وان شعبا لا يسمح بتناقض الآراء هو شعب جامد بل خال من نبض الحياة المتجددة، من هنــــا نقول (رحم الله من أهدى لنا عيوبنا) كي نصححها ونمضي في سبيل الصواب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 25/كانون الثاني/2009 - 27/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م