إعملْ ولا تتكلمْ

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: قال أحدهم: لقد علمتني الحياة، وهي مدرسة الجميع، أن أنجز أعمالي ثم أتبعها بأقوالي.

يقودنا هذا الكلام الى مسألة استخدام الشعار، وهو عادة ما يسبق الشروع بالعمل، في أي مجال من مجالات الحياة العملية كما في السياسة او الاقتصاد او الاجتماع وما شابه.

يقول المجدد الثاني الامام الشيرازي (قده) في هذا الصدد مبديا رأيه في ما يتعلق بالقول او الشعار والعمل وردود الافعال التي يحققها الانسان المنتج بصمت، موجها كلامه لم يرغب الاستفادة منه في حياته العملية: (إذا لم تقل شيئا وركزت جهودك على عملك وأدائه على أحسن وجه ظنوا بك خيرا وكبر عملك في أعينهم فالعامل المجد الصامت يظن الناس به فوق حقه بينما المكثار في الكلام يظن الناس به دون حقه).

هنا يتبين لنا ان سجية الانسان تذهب الى احترام من يعمل وينتج بصمت، وتمقت بل وتكره من يفوق كلامه عمله او انتاجه في مضمار من مضامير الحياة، على ان هذا التوجه او الرأي لا يلغي حق الانسان المنتج في الترويج لمنجزه واعماله بما يساويها او يقل عنها، أما أن يفوق الكلام ماينتجه الانسان فهنا تكمن الاشكالية التي تعرض سمعة الانسان الى الخطر.

وبخصوص استخدام الشعار في أي مجال من مجالات الحياة، يرى الامام المجدد الثاني، ان فحوى الشعار يجب ان لا يكون مستفزا للآخرين، بحيث يتشدق الانسان بالكلمات والاهداف الرنانة التي تفوق قدارته على انجازها، وهنا سيصبح مصدر تهكم الآخرين وسخريتهم، اضافة الى استثارة الآخرين وتحويلهم الى اعداء له، حيث يؤكد الامام الشيرازي: (الشعار العنيف والمجرد من العمل يخلق الاستفزاز مما يجلب كراهية العقلاء، وغالبا ما يستغله السفهاء لإيذاء الآخرين، ولذا فاللازم تركه إلا في أقصى موارد الضرورة).

ان ملازمة الأعمال للأقوال أمر يصب في صالح الانسان الفرد والمجتمع معا، وهو امر يجب ان يتوافر في نوايا وسلوك الانسان المنتج، فلو افترق احدهما عن الآخر سيبدو الخلل واضحا، لاسيما اذا توافر الكلام وعلَتْ موجاته، واختفى الفعل تماما، بعكس حضور العمل والانتاج وغياب الكلام، قطعا سيكون هناك نقص ما، لكن الصمت هنا لن يؤثر كثيرا على انتاجية الانسان، فالدلائل العملية الملموسة لمس اليد والنظر، هي التي تدعمه وتقف الى جانبه، يقول الامام المجدد الثاني في هذا الصدد: (لقد كان شعار احد الأحزاب الإسلامية - إعملْ ولا تتكلمْ - ولذلك نجح في إنقاذ بلاده من الاستعمار الذي دام أكثر من قرن).

من هنا صار لزاما علينا لاسيما من يتصدر ادارة شؤون البلد، أن يترك لأفعاله وانجازاته مجالا واضحا للاشارة إليه، واذا كان لابد من حضور للكلام، فإنه ينبغي ان يتساوى مع العمل المنجز لا أن يقل عنه.

خاصة ونحن نمر في مرحلة انتخابات مجالس المحافظات، فلقد ملأت المدن العراقية مئات بل آلاف الصور واللافتات والملصاقات والشعارات التي تشير لهذا الحزب او الكتلة السياسية او لهذه الشخصية او تلك، واذا كان ثمة وجوب لهذه المظاهر كونها تعبر عن حرية الآراء في اختلافها او تقاربها، فإن الوجوب الأهم هو مرادفة الاقوال لهذه الشعارات والكلمات وغيرها، حيث اثبتت السنوات الخمس الماضية، صعود شخصيات غير مناسبة لمجالس المحافظات من خلال التباين بين افعالها القاصرة واقوالها المنمقة او غير الصادقة.

لذا وكما ورد في متن هذه الكلمة سابقا، يستحسن لمن يروم النجاح في حياته أيا كان عنوانه او صفته، فردا او جماعات، هو إقران الشعار بالعمل، ومراعاة فحوى الشعار والموازنة بين ما يهدف ويدعوا اليه وبين امكانيات الانجاز، لكي يبقى الانسان محتفظا بوجه ابيض أمام الآخرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/كانون الثاني/2009 - 15/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م