
شبكة النبأ: يزعم اغلب المحللين
السياسيين ان طبيعة الهجمة الاسرائلية على قطاع غزة تكشف العديد من
اوراق الصراع الاقليمي في المنطقة. فسوق الالة العسكرية الضخمة باسلوب
وحشي دون اعتبار لسلامة المدنيين في معركة غير متكافئة اصلا، يعد رسالة
اسرائيلية الى المجتمع الدولي عامة والادارة الامريكية القادمة خاصة.
بل يذهب البعض الى القول ان مايجري هو تفسير منطقي للتحول الكبير في
الصراع السياسي الذي تشهده المنطقة منذ حرب حزيران الماضي، وخروج مصر
والسعودية من دائرة الصراع العربي الاسرائيلي الى دائرة الصراع
السعودي المصري من جهة ضد التحالف الايراني السوري.
فيما يرى الكثير من المراقبين ان ما تواجهه حماس مجرد عقوبة مصرية
سعودية بأيدي اسرائيلية لخروجها على الاجندة التي يضعها التحالف الدولي
الجديد ضد ايران، وعرقلتها لعملية السلام التي ولدت ميتة.
فراغ سياسي في الشرق الأوسط
فالهجوم الاسرائيلي الذي دخل أسبوعه الثاني على غزة هو نتيجة تتسم
بالعنف لحملة تقودها الولايات المتحدة بكثير من الدعم الاوروبي والعربي
لمعاقبة حركة حماس على مقاومة "عملية السلام" بالشرق الاوسط التي فقدت
كثيرا من مصداقيتها.
ومن المستبعد أن تقضي هذه الحملة على حركة المقاومة الاسلامية (حماس)
او تسهل على الرئيس الامريكي القادم باراك اوباما بأي حال من الاحوال
كسر دائرة الصراع وانقاذ الاحتمالات التي تتضاءل بسرعة شديدة للتوصل
الى حل قائم على اقامة دولة فلسطينية تعيش مع اسرائيل جنبا الى جنب.
وتشدد اسرائيل قبضتها على الضفة الغربية بينما تواصل محاصرة سكان
غزة. كما جعلت الانقسامات بين الفصائل الفلسطينية من المحادثات
المتقطعة التي تجري برعاية الولايات المتحدة بين الاسرائيليين والرئيس
الفلسطيني محمود عباس مجرد فكرة في أحسن الاحوال.
وحدد الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش هدفا بالتوصل الى اتفاق
للسلام بحلول نهاية عام 2008 بعد اعادة اطلاق المفاوضات الاسرائيلية
الفلسطينية التي تأخرت كثيرا في انابوليس في نوفمبر تشرين الثاني 2007.
بحسب رويترز.
وشجع البيت الابيض - الذي وجد نفسه في مواجهة موجة جديدة من العنف -
الاسرائيليين على المضي قدما في تنفيذ ما يصورونه على أنه محاولة لوقف
الهجمات الصاروخية على المدنيين في اسرائيل و"تغيير الواقع" في غزة
التي تسيطر عليها حركة حماس.
واكتفى الاتحاد الاوروبي - الذي يفتقر الى الطاقة والوحدة اللازمتين
للتحرك في ظل الفراغ الدبلوماسي الذي تركته واشنطن - بتوجيه نداء لوقف
اطلاق النار ووعد بمزيد من مساعدات الاغاثة الانسانية لسكان القطاع
البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة والذين وجدوا انفسهم يعانون من حصار عقابي
تفرضه اسرائيل وحدود مغلقة مع مصر.
اما الجامعة العربية - الواقعة بين مطرقة الاستياء الشعبي من أعمال
العنف في غزة وسندان عداء الكثير من الدول الاعضاء لحماس والجماعات
الاسلامية الاخرى المتحالفة مع ايران - لم تتفق الا على مطالبة مجلس
الامن الدولي بالزام اسرائيل بوقف هجومها.
لكن المجلس لا حيلة له بدون موافقة الولايات المتحدة والدول الاخرى
صاحبة حق الاعتراض (الفيتو). ولم يصدر المجلس أي قرار حتى الان.
وبدأ الزعماء الاسرائيليون - الحريصون على تعزيز مسوغاتهم الامنية
قبل انتخابات العاشر من فبراير شباط - الهجوم في 27 ديسمبر كانون الاول
بعد ثمانية ايام من انتهاء تهدئة مع حماس استمرت لستة اشهر وجرى التوصل
اليها بوساطة مصرية.
وتصاعد اطلاق الصواريخ بعد أن أعلنت حماس أنها لن تسعى الى تجديد
التهدئة التي لم يتم الالتزام بها على نحو تام. وشددت اسرائيل الرقابة
على حدودها وشنت غارات قاتلة على الناشطين الذين لم يوقفوا هجماتهم
الصاروخية.
وتمثل هذه الحرب ذروة محاولات لسحق حماس تكثفت بعد فوز الحركة
الساحق على حركة فتح التي يتزعمها عباس في انتخابات 2006 .
وردت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي اللذان يصنفان حماس كجماعة
ارهابية بطريقة حادة على نتائج الانتخابات.
وقاطعا حكومة الوحدة التي كانت تقودها حماس وأوقفا معظم المساعدات
حيث أصرا على أن تعترف حماس بحق اسرائيل في الوجود ونبذ العنف وقبول
اتفاقات السلام التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية المستبعدة منها.
صمت اوباما الصارخ
من جهته أكد الرئيس الامريكي المنتخب باراك اوباما بصمته على
الهجمات التي تشنها اسرائيل في غزة توقعات العرب بأن التغيرات في
السياسة الخارجية للولايات المتحدة ستكون صغيرة وبطيئة حين يأتي الى
البيت الابيض الشهر القادم.
وقال حسن نافعة المحلل السياسي المصري وأمين عام منتدى الفكر العربي
في عمان ان اوباما يريد أن يكون حذرا وبأنه سيظل حذرا لان الصراع
العربي الاسرائيلي ليس من بين اولوياته. بحسب رويترز.
وعلق هلال خشان استاذ العلوم السياسية بالجامعة الامريكية في بيروت
بأن موقف اوباما خطير للغاية فجماعات الضغط اليهودية حذرت من انتخابه
وبالتالي اثر التزام الصمت بشأن غزة.
وقال بول وودوورد من منتدى الصراعات وهي منظمة تهدف الى تغيير
السياسة الغربية تجاه الحركات الاسلامية مثل حماس "اذا استمر اوباما
على صمته... سيتم النظر الى صمته واعتبار أن له التأثير العملي بتقديم
تأييد لحرب اسرائيل على غزة."
وكان العالم العربي بشكل عام متحمسا بشأن فوز اوباما في الانتخابات
في نوفمبر تشرين الثاني اعتقادا بأن وجها جديدا في البيت الابيض لا بد
أن يكون أفضل من الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش الذي غزا العراق ومنح
اسرائيل دعما قويا.
لكن اختياره لفريق السياسة الخارجية خاصة هيلاري كلينتون كوزيرة
للخارجية ورام ايمانويل كرئيس لفريق موظفيه أثار الشكوك بشأن حدوث
تغييرات كبيرة.
وعبر مصطفى السيد من جامعة القاهرة عن تشاؤمه حيث قال انه حين يرى
نوعية الناس التي تحيط بالرئيس المنتخب اوباما يجد أنهم أفضل أصدقاء
اسرائيل الذين لا يجرؤون على أن ينأوا بأنفسهم عن مواقف الحكومة
الاسرائيلية.
وخلافا لمعظم الحكومات الكبرى لم تناد ادارة بوش بوقف فوري لاطلاق
النار بين اسرائيل وحركة المقاومة الاسلامية حماس التي تسيطر على غزة
وتبنت موقفا مماثلا للموقف الذي اتخذته حين قامت اسرائيل بغزو لبنان
عام 2006.
وكانت قد عارضت وقفا لاطلاق النار في لبنان الى أن بات واضحا أن
اسرائيل لن تستطيع تحقيق أهدافها من الحرب ضد مقاتلي حزب الله وأن
الخسائر البشرية بين الاسرائيليين كبيرة للغاية.
وقال نافعة ان الحكومة الاسرائيلية اختارت هذا التوقيت لمهاجمة حماس
لانها ليست واثقة ان كانت ستحصل على دعم اوباما اذا انتظرت حتى توليه
مهام منصبه في 20 يناير كانون الثاني. وأضاف أنها تعلم أنها تتمتع
بالدعم غير المشروط لبوش.
هيلاري كلينتون وتحديات الواقع القادمة
فيما تعد الهجمات الجوية الاسرائيلية على قطاع غزة قد تكون بمثابة
اختبار لهمة هيلاري كلينتون بصفتها أكبر الدبلوماسيين الامريكيين
المقبلين في جهود الوساطة بين الاسرائيليين والفلسطينيين.
وبصفتها وزيرة الخارجية في حكومة الرئيس الامريكي المنتخب باراك
أوباما سيتحتم عليها التغلب على التصور السائد في بعض أنحاء العالم
العربي بأنها أكثر اهتماما بدعم اسرائيل عن كونها محايدة.
وبمجرد أن تتولى مهام منصبها الجديد ستجد هيلاري نفسها تتابع نفس
عملية السلام بالشرق الاوسط التي راوغت زوجها الرئيس الامريكي السابق
بيل كلينتون في الشهور الاخيرة له في الرئاسة عام 2000 .
وقال شبلي تلحمي الاستاذ بجامعة ماريلاند ان استطلاعات الرأي التي
أجراها في وقت سابق من العام الحالي في الدول العربية أشارت الى أن
كلينتون ينظر اليها على أنها مثل زوجها ستعمل من أجل احراز تقدم في
عملية السلام بالشرق الاوسط.
وتابع "يتمتع بيل كلينتون بصورة أكثر ايجابية في الشرق الاوسط (عن
الرئيس الحالي جورج بوش) وينظر الى هيلاري بنفس الطريقة" مضيفا أن
دعمها السابق لاسرائيل لن يؤخذ بالضرورة ضدها. بحسب رويترز.
ولكن حتى اذا كانت كلينتون مستعدة للقيام بدور الوسيط في عملية
السلام مبكرا فان تصاعد أعمال العنف والانتخابات الاسرائيلية
والفلسطينية المتوقعة خلال الشهرين المقبلين يمكن أن تؤجل أي مناقشات
ذات معنى. وقال تلحمي "هناك سفك كبير للدماء يحول دون انهاء هذا الامر
سريعا."
وقال أرون ميلر الذي قدم النصح لستة وزراء خارجية فيما يتعلق
بالمفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية ان كلينتون تحظى باحترام في المنطقة
وشكك في أنه ينظر اليها على أنها منحازة لاسرائيل.
وأضاف أن معاركها الشخصية والسياسية كمرشحة سابقة في انتخابات
الرئاسة الامريكية جعلتها صلبة وسهلة التكيف مع كل ما يطرأ وهما صفتان
مطلوبتان في دبلوماسية الشرق الاوسط.
والاهم من براعتها كوسيط هو الى أي مدى سيمنح أوباما أولوية للقضية
الاسرائيلية الفلسطينية وسط العديد من التحديات التي تواجه ادارته
الجديدة.
وقال ميلر الذي يعمل الان في مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين في
واشنطن " سيتحتم عليها حمل العبء الثقيل ولكن يجب أن تمنح السلطة وتحصل
على الدعم والمساندة من الرئيس."
وتابع أن كلينتون التي تغلب عليها أوباما في حملة الحزب الديمقراطي
لاختيار مرشح الحزب في انتخابات الرئاسة الامريكية تحتاج الى الحفاظ
على علاقة قوية مع الرئيس حتى تكون فعالة.
وبالرغم من خبرتها في الشؤون الخارجية الا أن كلينتون لم تختبر بعد
في أزمة مثل الهجوم الاٍسرائيلي على قطاع غزة الذي تقول اسرائيل أنه
يهدف الى وقف الهجمات الصاروخية الفلسطينية ضد الاسرائيليين.
مذبحة غزة ترجيء خطوات السلام بين سوريا
واسرائيل
من جانب آخر دفع هجوم اسرائيل على غزة سوريا الى استبعاد استئناف
مبكر لمحادثات السلام غير المباشرة دون استبعاد رغبة سوريا في التوصل
الى اتفاق في نهاية المطاف.
وقال بول سالم مدير مركز الشرق الاوسط بمعهد كارنيجي "من المؤكد أن
هذا سيغير المزاج لفترة من الزمن من حيث الخطاب الشعبي والتوترات لكنه
في النهاية لا يغير الخيارات الاستراتيجية لاي من اللاعبين."
وأثارت العمليات العسكرية الاسرائيلية ضد قطاع غزة الذي تسيطر عليه
حركة حماس غضب العرب والمسلمين وتقول سوريا وتركيا التي تلعب دور
الوسيط انه جعل من المستحيل استئناف المحادثات. بحسب رويترز.
وقال علي باباجان وزير خارجية تركيا "ليس من الممكن استمرار
المفاوضات في ظل هذه الظروف."
ودون ذكر المحادثات المعلقة بالفعل أعلن مسؤول سوري أن العمليات
التي تقوم بها اسرائيل في غزة "تغلق الباب امام التحرك من أجل تسوية
سياسية سلمية."
وقال سالم ان ردود الفعل من هذا النوع متوقعة لكنه جادل بأن التقدم
على المسار الاسرائيلي السوري سيتوقف على ما اذا قرر رئيس الوزراء
الاسرائيلي القادم انه يريد مواصلتها ومدى جدية الرئيس الامريكي
المنتخب باراك اوباما في دعم هذه الجهود.
وقال سالم "أعتقد أن السوريين سيردون بجدية على منهج اسرائيلي جاد"
مضيفا أنه يتوقع أن تأخذ ادارة اوباما مسار السلام بين اسرائيل وسوريا
على محمل الجد.
وتابع قائلا "الاحداث في غزة لا تؤثر بشكل أساسي على هذا
المنطق."وأجرت سوريا أربع جولات من المحادثات غير المباشرة مع اسرائيل
في تركيا هذا العام لكن هذه المحادثات علقت بعد استقالة اولمرت.
وفي حين لا زالت الولايات المتحدة تفرض عقوبات عليها استعادت سوريا
بعض التأييد الاوروبي بعد أن دعمت اتفاقا للسلام في لبنان وأقامت
علاقات دبلوماسية مع جارتها التي كانت تهيمن عليها ذات يوم.
لكنها في الوقت نفسه تمسكت بتحالفها الذي يرجع لزمن طويل مع ايران
ودعمها لمقاتلي حزب الله اللبناني والجماعات الفلسطينية مثل حماس
والجهاد الاسلامي.
وقال الرئيس السوري بشار الاسد ان مسعى السلام الذي يجري بوساطة
تركية يمكن أن يؤدي الى اجراء محادثات مباشرة وابرام اتفاق للسلام اذا
تخلت اسرائيل عن مرتفعات الجولان التي احتلتها عام 1967 وشاركت
الولايات المتحدة كراع.
وظلت واشنطن مبتعدة منذ انهيار المفاوضات التي أشرفت عليها الولايات
المتحدة بين الدولتين عام 2000 بسبب نطاق الانسحاب الاسرائيلي المقترح
من الجولان.
وقال نديم شحادة خبير شؤون الشرق الاوسط الذي يتخذ من لندن مقرا له
ان "السوريين تحدثوا دوما باللغة المزدوجة ولعبوا اللعبتين."
وتستغل دمشق الى جانب حزب الله وحماس ازمة غزة لاتهام خصومها العرب
خاصة السعودية ومصر بالتواطؤ في ما يعتبرونه مسعى لاخضاع المنطقة
للهيمنة الامريكية والاسرائيلية.
وأضاف "كل الجبهة المناهضة لسوريا في مأزق" وذكر الرئيس الفلسطيني
محمود عباس ورئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة من بين الزعماء العرب
الذين تسبب لهم المعاناة في غزة احراجا.
وربما تكون سوريا تستغل بالفعل صلاتها بايران وحزب الله وحماس في
محاولة جلب اسرائيل الى مائدة المفاوضات بطرح احتمال أنها قد تخفف من
هذه الصلات في اطار اتفاق.
والاسرائيليون منقسمون انقساما حادا بشأن ما اذا كان السعي الى
تحقيق السلام مع سوريا يستحق وهو الامر الذي سينطوي على اعادة مرتفعات
الجولان التي ضمتها اسرائيل عام 1981 في خطوة قوبلت برفض دولي.
ويعتبر المدافعون عن ابرام اتفاق مع سوريا أن الاسد "جار مسؤول وجاد
يمكن ابرام الصفقات معه" حسبما كتب الكاتب الصحفي الوف بن في صحيفة
هاارتس الاسرائيلية اليومية مؤخرا. |