في لجّة الأمن والإهمال.. المثقفون العراقيون يواصلون الابداع والتواصل

منجزات واعمال ثقافية تجد طريقها الى التكريم خارج البلد

 

شبكة النبأ: يجد المثقفون العراقيون انفسهم في خضم الاحداث السياسية في العراق كالعائد من رحلته بخفي حنين.

فبعد سنوات من المخاض والصراعات الدموية والتناحرية لا تزال الثقافة العراقية تفتقر للعديد من المرافق الملائمة للنهوض بهذا القطاع الفضفاض.

بل يذهب الكثير منهم الى القول بأن الثقافة والمثقفين كانوا من بمثابة الكبش الاليف الذي سيق الى مذبح الحرية بهدوء، قبل وبعد التغيير السياسي على حد سواء.

ولكن رغم تلك الظروف برزت العديد من الاعمال الثقافية التي تصدت للمشهد بتنوعة دون ان تنثني بوجه العاصفة.

المنجز الثقافي عام 2008: تباين الآراء

اختلف مثقفون عراقيون بشأن ما شهده عام 2008 من نشاطات ثقافية، منهم من رأى في نتاجات ومبادرات ثقافية شهدها العام “منجزا” يعكس حراكا ثقافيا ملحوظا، فيما عدها آخرون أنها لا ترتقي لمستوى الإنجاز الثقافي ولا تمثل “منظومة” الثقافة العراقية.

الفنان التشكيلي صلاح عباس رأى أن “أهم حدث ثقافي في العراق هو صدور مجلة تشكيل مطلع عام 2008، كمجلة عراقية سلطت الضوء على جوانب مشرقة في الفن التشكيلي العراقي وبـ96 صفحة من القطع الكبير والتي صدر منها للآن (4) أعداد. بحسب اصوات العراق.

فيما اعتبر الباحث والكتبي كريم حنش أن “حدث اغتيال المفكر كامل شياع هو أبرز أحداث عام 2008، والذي يمثل نكوصا لدور الثقافة في العرق وردة فعل همجية على المثقفين العراقيين.”

والفقيد كامل شياع كاتب وباحث عراقي عين مستشاراً  لوزارة الثقافة العراقية بعد العام 2003 وعمل مع ثلاث وزراء للثقافة،  اغتيل ببغداد يوم 23 -8-2008 وأثار ذلك موجة غضب واستنكار محلية ودولية، حيث نعاه مثقفون وكتاب عراقيون وعرب كما نعته منظمة اليونسكو. وصدر قبل يومين عن منتدى بغداد الجديدة الثقافي كتاب (كامل شياع… شهيد الثقافة العراقية).

وأضاف حنش “مادامت القوى الظلامية تسيطر على الوسط الثقافي والمثقف أصبح تابعا لرجل الدين والسياسي، فنحن نشهد تفكيكا للبنية الثقافية أصبح واضحا في عام 2008 وأغلب المثقفين انصرفوا لمناصب إعلامية”. بحسب اصوات العراق.

الباحث ناجح المعموري قال: أن “أهم الأحداث الثقافية في هذا العام هو أولا إعلان رئيس الوزراء نوري المالكي عن تأسيس المجلس الأعلى للثقافة والفنون.”

وأضاف “وثانيا يتمثل بتمكن هيئة الأحياء والتحديث الحضاري في بابل من تحقيق تجربة رائدة وجديدة في العراق وهي سنبوزيوم النحت بإقامة معسكر لثلاث عشر نحاتا في مدينة بابل الآثارية وفي قاعة من قاعات الطاغية صدام ، لينجزوا ثلاثة عشر عمل نحتيا بأحجام كبيرة ستوضع في ساحات مدينة الحلة وأقضيتها ومجلس محافظتها”.

بينما اعتبر رئيس لجنة الثقافة والإعلام والسياحة في مجلس النواب النائب مفيد الجزائري أن “حدث إعادة اعمار شارع المتنبي وإعادة افتتاحه كان من أبرز الأحداث الثقافية المهمة في هذا العام، إلى جانب إعلان بابل عاصمة للثقافة العراقية.”

وأشار الجزائري إلى “بعض المشاركات العراقية المهمة  في المسرح والسينما والإبداعات الأخرى، وجني العديد من الجوائز الهامة، وصدور العديد من المجاميع الشعرية والقصصية والكتب الفكرية والثقافية عموما، واستئناف الأوركسترا السمفونية لنشاطها بأكثر من حفلتين شهريا”.

وشهد عام 2008  تأسيس عدد من االمنتديات والمنظمات الثقافية الجديدة، منها الملتقى الثقافي الحر، والمركز الثقافي للطفل العراقي –مؤسسة مدارك، وجماعة تشكيليون بلا قيود، وملتقى كلواذى الثقافي وغيرها، فضلا عن افتتاح نادي السينما التابع لدائرة السينما والمسرح.

كما صدرت مجموعات شعرية وقصصية وروائية واصدارات في مجالات أخرى لكتاب عراقيين  في بغداد ودمشق والقاهرة وبيروت.وكان ان فاز عراقيون بجوائز مختلفة، منها فوز الشاعر محمد جبار حسن بجائزة الدولة لأدب الطفل في دولة قطر، كما تم في هذا العام اختيار الشاعر العراقي يحيى السماوي ضمن قائمة افضل الشعراء العرب  ،بعد فوزه بجائزة البابطين عن ديوانه (نقوش على جذع نخلة)، واختيار الروائي العراقي علي بدر ضمن قائمة أفضل خمسة روائيين عرب.

وتابع  الجزائري  “ونحن نتذكر عام 2008، فإننا نذكر بالخسارات الثقافية فيه لعدد من مبدعينا،ومنهم الروائي فؤاد التكرلي والشهيد كامل شياع، إضافة إلى بقاء البنى التحتية للثقافة العراقية المدمرة منذ ما قبل سقوط النظام وما بعده على حالها”.

الشاعر سلمان داود محمد قال أن “الحدث الثقافي الأبرز في عام 2008 هو وجود الشعر والسرديات والتشكيل في خضم الجحيم العراقي، وبطل الأحداث هو المواصلة والابتكار المدعم بمنتوج ثقافي ومعرفي هائل ،فالثقافة العراقية الخالصة تعمل على منظومات ابعد عن التوصيفات، منها (ميتا،مافوق،ماوراء)، وكانها بدت لنا وخصوصا في هذا العام بان لها خطوتين ،خطوة في الأرض والأخرى في الأعالي”.

أما الناقد السينمائي علي حمود الحسن  فقال: “لا أعتقد أن هناك ثمة إنجاز حقيقي للثقافة العراقية، فما تحقق هو إنجازات فردية هنا وهناك  لا تمثل منظومة العراق الثقافية التي تعيش للآن ذهولا وعدم تبلور، يتجسد في عدم مواكبتها لجسامة المرحلة التاريخية.”

وأضاف الحسن متهكما “فالمفارقة أن يفوز مبدع عراقي بجائزة سينمائية عام 2008 ولا نملك دورا للعرض السينمائي في بغداد”.

يذكر ان من بين ما شهده العام على صعيد السينما والمسرح منح جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان بيروت السينمائي للمخرج العراقي بشير الماجد عن فيلمه “تقويم شخصي”) ، فضلا عن جائزتين في المسرح كأفضل سينوغرافقيا وافضل ممثل مناصفة “عبدالستار البصري ويحيى ابراهيم” عن مسرحية “تحت الصفر”.

واتفق رئيس جمعية الفنون البصرية المعاصرة الفنان التشكيلي نزار الراوي مع رأي الحسن  بقوله أن “عام 2008 كسابقه من الأعوام يخلو من أي إنجاز ثقافي بمعيار الأهمية الثقافية وبالمقارنة بالأحداث الثقافية في المنطقة على الأقل، باستثناء المشاركات العراقية في المهرجانات والمحافل الثقافية، والتميز فيها معتاد عليه.

وأضاف “يمكن لنا أن نلمس اهتماما إعلاميا متزايدا في عام 2008 بالثقافة ونشاطاتها، الا أن هذا لا يمكن أن نعده حدثا ثقافيا.

وقال الدكتور جمال العتابي، مستشار وزارة الثقافة “لا يمكن التوقف عند أحداث ثقافية محلية مهمة.. ما يزال النشاط الثقافي لا يتعدى المهرجانات والاحتفالات التقليدية لبعض المثقفين،أما الفعل الثقافي  الحقيقي  القادر على التغيير ودرء الصدى أو الأثر المروي لم يتحقق بعد.”

وأضاف “ربما تكون ظروف المرحلة  التي يمر بها العراق سببا أساسيا في هذا الركود، هناك إصدارات ونشاط ثقافي  تقدمه بعض المؤسسات، والمثقف يسهم في تنشيط الفعل الثقافي المحلي ..وإذا أردنا أن نشير الى إعادة الحياة إلى شارع المتنبي  للتأكيد على عزم العراقيين في إحياء ذاكرة الثقافة ونبضها، يمكن أن نعد هذا الإنجاز واحدا من أهم الأحداث على الصعيد الثقافي.”

وقالت القاصة إيناس فاضل البدران، رئيسة منتدى نازك الملائكة “شهد العام 2008 العديد من النشاطات  الثقافية من أبرزها مهرجان المربد الخامس في البصرة وملتقى السياب الخامس في البصرة ومهرجان الجواهري ,ومهرجان المتنبي في الكوت  إضافة إلى ذلك اعتبار محافظة بابل عاصمة للثقافة  العراقية.”

الشاعر كاظم الحجاج ربط بتهكم بين الاهتمام بالثقافة والرياضة بقوله أن “أهم أحداث العام 2008 هي الجدية في بناء مدينة رياضية في البصرة _من أجل دورة الخليج _ وعدم الجدية في (جعل )البصرة عاصمة للثقافة.” مشيرا إلى إن ذلك “مفارقة لأن البصرة ليست في حاجة إلى إعلانها عاصمة ثقافة _لأنها كذلك منذ قرنين.”

وقال “نحن نحتاج إلى بنية ثقافية  تحتية مثل المسرح ودور العرض المسرحي والتشكيلي وقاعات الموسيقى .وهي كلها غير موجودة، أما أيجاد مدينة رياضية  حقيقة فهي واقع ملموس، وعدم إيجاد بنية ثقافية  فهو الذي يثير شكوكنا.”

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/كانون الثاني/2009 - 8/محرم/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م