شبكة النبأ: للوهلة الاولى في اندلاع
احداث العنف في العراق بين عامي 2006 و2007، يبدو ان لامجال محتمل
لخروج القوات الامريكية من العراق، غير ان تزايد كفاءة القوات العراقية
مع زيادة عديد القوات الامريكية، ولو بالقدر الذي سيطرت به على مقتضيات
الحاجة الامنية، دفع بالخبراء الدوليين إلى الاشادة بشكل ولو جزئي
بنشاط هذه الاجهزة، وقيامها بواجبها، بدل القوات الاجنبية داخل العراق،
خصوصا بعد جدولة خروج القوات الامريكية عبر تمرير اتفاقية تقضي بموجبها
جلاء هذه القوات من الاراضي العراقية عام 2011.
(شبكة النبأ) في سياق التقرير التالي تسلط الضوء على تحسن الوضع
الامني في العراق، وكيف يمهّد تدريجياً لتسلم العراقيين المهام الامنية
الكاملة بينما تظهر للعيان تحديات الحفاظ على تلك الانجازات خاصة في ظل
عدم استقرار سياسي وإداري تعاني منه الدولة العراقية عموماً:
تمرير الاتفاقية يحجِّم الدور الأمريكي في العراق
رأت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية The Christian Science
Monitor، أن دور أمريكا في العراق في تضاؤل، لا سيما ان الكثير من
العراقيين يقولون ان تمرير الاتفاقية الامنية بين بغداد وواشنطن يبشر
بعهد جديد.
وقالت الصحيفة أن السلطة السياسية العراقية ستحل محل السلطة
العسكرية الامريكية، الا ان مسؤولين عراقيين المحوا الى بقاء مناخ
انعدام الثقة بين العراقيين. بحسب اصوات العراق.
واوضحت انه مع التطور المفاجئ في شوارع بغداد واروقة السلطة اصبح
دور الولايات المتحدة وقواتها البالغة 140.000 عسكري لا داعي له، مشيرة
الى ان بعض المسؤولين العراقيين يرون في تمرير الاتفاقية التأريخية مع
الولايات المتحدة بداية عهد جديد عهد صار فيه الوجود الامريكي معتما
وراحت السلطة السياسية العراقية تحل محل السلطة العسكرية الامريكية.
وأقر مجلس النواب في الـ27 من شهر تشرين الثاني نوفمبر الجاري
اتفاقية انسحاب القوات الامريكية من العراق، بعد أن كانت الحكومة
العراقية قد وافقت عليها اواسط الشهر ذاته.
وقال نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح للصحيفة: اعتقد اننا ندخل
مرحلة جديدة تماما، واضاف، انها نهاية حقبة الدينامية السياسية
العراقية تتولى الامر بالتزامن مع انتهاء ولاية ادارة بوش، ونهاية حقبة
مع قرارات مجلس الامن في الامم المتحدة والمجيء باتفاقية وضع القوات
القانوني.
وتمنح اتفاقية وضع القوات القانوني (SOFA) الاساس القانوني للقوات
التي تقودها الولايات المتحدة للعمل في العراق بعد انتهاء وصاية الامم
المتحدة في اواخر الشهر الجاري.
وتذكر الصحيفة ان هذه الاتفاقية الثنائية تحول بنحو جوهري الولايات
المتحدة من التصرف كمحتل يتوافر على سلطات هائلة في شن عمليات عسكرية،
واعتقال عراقيين، وجلب معدات الى البلد كما ترغب الى علاقة اكثر طبيعية
مع العراق.
وبموجب (صوفا) على القوات الامريكية الانسحاب الى قواعدها خارج
المدن العراقية بنهاية حزيران يونيو 2009 والانسحاب كليا من العراق في
غضون ثلاث سنوات.
والاتفاقية الامنية هي الاولى من نوعها منذ الغزو الامريكي للعراق
عام 2003 التي تضع شروطا محددة للتدخل الامريكي في العراق، كما تقول
الصحيفة. كما انها اول اتفاقية في المنطقة تناقش علنا وتصدّق. وقد دعم
القادة العراقيون الاتفاقية بعد تطمينات من الرئيس المنتخب باراك
اوباما في ان ادارته لن تحاول تغيير الاتفاقية التي ناقشتها ادارة بوش،
حسب ما يقول مسؤولون عراقيون وامريكيون.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول عراقي كبير، لم تسمه قوله: اعتقد ان هناك
اعترافا واسعا في ان دور الولايات المتحدة، ضغط الولايات المتحدة؛ قد
تناقص وسيتناقص اكثر، واضاف المسؤول ان البعض يرحب بهذا لكن، وهذه هي
المفارقة، ان الذين كانوا من قبل يعارضون الامريكيين بشدة هم الان
قلقون منها.
ويقول برهم صالح للصحيفة: املي ان كما كان لدينا زخم امني في العام
الماضي، عام ونصف، فقد حان الوقت لزخم سياسي جاد لحصر عيوب النظام
الكبيرة وحل القضايا السياسية الاساسية، سواء مشاركة السلطة او تقاسم
العائدات.
واضاف صالح: هذه القضايا تحتاج الى ان يجري التعامل معها كجزء من
ميثاق وطني فاذا لم ناخذ هذه التحديات السياسية على محمل الجد، واذا لم
نحرز تقدما باتجاه ميثاق وطني، فانا اخشى ان تتبدد الانجازات الامنية.
وراى المسؤول العراقي البارز ان السياسة في جزء منها استعراض لكنها
تعكس ايضا طبيعة الصراعات الموجودة في المجتمع. واذا لم نعالج القضايا
الاساسية ربما تضيع المكاسب الامنية. واذا لم نعالج القضايا السياسية
سنخاطر في مواجهة بين المعتدلين والمتطرفين.
وتشير الصحيفة الى ان (صوفا) اثارت ايضا مخاوف محللين في مجال
مكافحة التمرد وبعض المسؤولين العراقيين من ان المكاسب التي تحققت ضد
القاعدة في العراق وجماعات تمرد اخرى ربما ترتد في وقت انسحاب القوات
الامريكية واستبدالها بالقوات الامنية العراقية التي ما زالت تهيمن
عليها غالبية شيعية.
وبهذا الصدد قال المسؤول العراقي البارز: انا قلق. فهذه واحدة من
المجالات التي تقلق السنة بشكل كبير، فهم يقولون نحن نثق بالامريكيين
اكثر من ثقتنا بقوات الامن العراقية، وهذا ليس بيان ثقة في الوضع
العراقي الراهن.
التحالف يتقلص في العراق بعد تحسّن الأمن
مع ملامح بدء عودة الاستقرار والأمن للعراق، يشهد التحالف الذي
تقوده الولايات المتحدة هناك، تقلّصا حيث أنه من المتوقع، في غضون
أسابيع قليلة جدا، أن لا تكون سوى الولايات المتحدة وخمس دول أخرى هي
الباقية هناك، وفق مسؤول عسكري رفيع المستوى.
وقال العميد نيكولاس ماترن، نائب قائد القوات متعددة الجنسيات في
العراق، وهو ضابط كندي يعمل مع القوات الأمريكية: الوضع الأمني استقرّ
بكيفية واضحة وهو ما يسمح للتحالف باتخاذ هذا المنحى. بحسب (CNN).
وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا تشكلان عمادي التحالف حيث أنّ
للأولى 146 ألف جندي فيما تشارك الثانية بأربعة آلاف جندي، مثلما كانا
الأوليين في شنّ القتال.
كما كانتا عضوين في تحالف من 35 دولة ساهمت بإرسال قوات عسكرية
للعراق أثناء الحرب للعمل ضمن القوة متعددة الجنسيات وكذلك ضمن قوات
الناتو ومهمات الأمم المتحدة.
وبعد أن كان حجم تلك القوات غير الأمريكية يناهز 25 ألفا طيلة ستّ
سنوات تقريبا، بات عددها الآن لا يتجاوز ستّة آلاف.
وخلال هذا العام، غادرت كل من بولندا وأرمينيا ومنغوليا وجورجيا
ولاتفيا ومقدونيا والبوسنة وكازاخستان وكوريا الجنوبية، العراق.
وفي غضون الاسابيع القادمة، ستغادر قوات كلّ من أذربيجان وتونغا
وتشيكيا واليابان وأوكرانيا وبلغاريا وليتوانيا والدنمارك ومولدافيا
وألبانيا التحالف الذي سيودّع بذلك نحو 600 جندي.
ومع الولايات المتحدة وبريطانيا، ستبقى في العراق، قوات من إستونيا
ورومانيا وأستراليا والسلفادور بجنودها الـ750، خلال عام 2009.
وقال ماترن: الوحدات التي ستعود إلى الولايات المتحدة لن يتمّ
استبدالها وإنما ستحل محلها قوات أمن عراقية مدربة وقادرة وتتمتع
بالكفاءة، هذا هو ثمن السيادة.
وأضاف أنّ: التحالف سيراجع استراتيجية مساحة المعركة كلما كان
ضروريا استنادا لتشكيله وجاهزية القوات العراقية ومستوى التهديد.
وكانت تلك القوات تشارك في عمليات الدعم والإسناد مثل حماية القوات
وحراسة معسكرات الاحتجاز وتدريب الجنود وجمع المعلومات الاستخبارية
وأعمال طبية وهندسية، كما شارك بعضها في عمليات قتالية.
وشاركت بعض الدول مثل بولندا وكوريا الجنوبية وجورجيا بآلاف الجنود
في الوقت الذي اكتفت فيه أخرى مثل كازاخستان وأرمينيا ببضع عشرات.
ووفق إحصائيات CNN فإنّ أذربيجان فقدت جنديا واحدا، وبلغاريا 13
وتشيكيا جنديا واحدا تماما مثل فيجي والمجر وكازاخستان وكوريا الجنوبية،
وبلغاريا 13 والدنمارك 7 والسلفادور 5 وإستونيا 2 تماما مثل تايلاند
وهولندا، وجورجيا 5 ولاتفيا 3 وإسبانيا 11 وأوكرانيا 18 وسلوفاكيا 4
وإيطاليا 33 وبولندا 22 ورومانيا 3. أما الولايات المتحدة فقد فقدت
4207 جنديا فيما فقدت بريطانيا 176 من قواتها.
ومن المتوقع أن يستمر تضاؤل حجم التحالف حيث من المتوقع أن تغادر
القوات الأمريكية العراق بنهاية 2011، وفق اتفاق أمني صادق عليه
البرلمان العراقي.
واعتبر الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما سحب القوات القتالية
في غضون 16 شهرا هو الجدول الملائم.
ووفق ماترن فإنّ بقية الدول التي بقيت ضمن التحالف ستتوصل، بدورها،
منفصلة لاتفاقيات أمنية مع العراق يخول لها البقاء.
قدرات القوات العراقية وتطويرها أمر حاسم
لانسحاب القوات الأمريكية
ورأت صحيفة ماكلاتشي McClatchy الأمريكية أن تطوير قدرات قوات الأمن
العراقية أمر حاسم لانسحاب الأمريكيين من المدن في العام المقبل.
وقال التقرير الذي نشرته الصحيفة بعنوان (مستقبل العلاقات الأمريكية
العراقية؟ عمل جماعي) إن: دور الجيش الأمريكي في العراق على مدى العام
المقبل يمكن ان يشبه مشهد دورية عسكرية أمريكية عراقية مشتركة نفذت
عملية تفتيش في منطقة تقع شمال غرب بغداد يوم الأحد الماضي. بحسب أصوات
العراق.
وينقل التقرير مشهد قوة عراقية من الشرطة تتحدث مع أصحاب أملاك،
وتكسر أقفال، وتشق طريقها الى حوالي 40 بناية في مجمع. كان الأمريكيون
يتبعونهم بأدوات تعوز العراقيين، من قبيل الكلاب المدربة على الكشف عن
قنابل وفريق متفجرات. كما كان برفقتهم فريق من مستشاري الشرطة العسكرية
الأمريكية للنظر للأمور التي يمكن للعراقيون فعلها لتطوير تكتيكاتهم.
كانت العملية، كما يقول التقرير، جزء من خطة أمريكية لتقليل وجودها
في العراق وتسليم المزيد من السلطة الى الحكومة العراقية، حسب ما تبين
الاتفاقية الامنية بين البلدين التي ستدخل حيز التنفيذ اعتبارا من 1 من
كانون الثاني يناير. فالاتفاقية تدعو القوات الأمريكية الى الانسحاب من
العراق بنهاية العام 2011.
وتنقل الصحيفة عن اللفتنانت كولونيل جون فيرميتش، الذي يتولى قيادة
الفوج الاول من فرقة المشاة 18، التي تساعد العراقيين في تنفيذ عمليات
تفتيش، قوله: ما لم نتمكن من تعزيز قدرة العراقيين على تامين بيئتهم
الخاصة بهم، لن نتمكن من المغادرة أبدا.
واشار التقرير الى ان هذا الفوج قد بدأ فعلا بتنفيذ العديد من بنود
الاتفاقية الأمنية، التي تتطلب إيضاح العمليات العسكرية لقادة عراقيين
مقدما، والحصول على أوامر اعتقال لإلقاء القبض على عراقيين وسحب القوات
القتالية من المناطق المأهولة بحلول حزيران يونيو المقبل.
هذه التغيرات، كما ينقل التقرير عن رسالة اوديرنو التي وجهها الى
قواته، ستحد من بصمة الجيش الأمريكي في العراق وتدع مجالا للبلدين
للبناء على المكاسب التي تحققت بمشقة في مجال الامن.
فقد كتب قائد القوات الأمريكية في العراق، ري اوديرنو، رسالة وجهها
الى قواته في العراق، قائلا: علينا ان نبقى متكيفين ونقلل بشكل متواصل
من ظهورنا. وعلينا ايضا الحفاظ على فاعليتنا في انجاز مهمتنا.
وتعلق الصحيفة بالقول ان بعض شروط الاتفاقية الأمنية يجب ان تحدد في
الشهر المقبل. وتشمل البنود التي لم تحسم بعد، انشاء لجان مشتركة
للاشراف على انتقال السلطة للعراقيين واعداد عملية جديدة ستسمح للقوات
الأمريكية بالحصول على أوامر اعتقال لإلقاء القبض على مواطنين عراقيين.
وتذكر الصحيفة ان عملية التفتيش تلك خططت لها الشرطة الوطنية
العراقية بالاشتراك مع سرية مشاة في فوج فيرميتش.
وقال فيرميتش للصحيفة ان الوحدة الأمريكية تطلع نظرائها العراقيين
على خططها وتحجب فقط المعلومات المتعلقة بتحركات الضباط الكبار وادارة
العملية.
وتضيف الصحيفة في تقريرها ان هذه الوحدة الامريكية التي ساعدت
بالتخطيط لهذا الجهد متمركزة في زاوية قاعدة عراقية حيث يقدم أمريكيون
المشورة للعراقيين ويمارسون تعاونا مشتركا.
ويقول العراقيون، كما تذكر الصحيفة، انهم متحمسون لتحمل المزيد من
المسؤولية ويؤكدون استعدادهم لتولى ادارة الكثير من مسؤوليات الدفاع عن
امنهم.
وقال اللواء في الشرطة الوطنية عبد الكريم فرحان شرهد، الذي ساهم
بالتخطيط لعملية التفتيش، لقد بدأنا الخطوة الأولى منذ سنوات. ونحن
نكبر ونكبر. والان بامكاني القول اننا مستعدون لتولي المسؤولية.
ولكن الصحيفة تقول ان بعض المسؤولين العسكريين والمدنيين يتساءلون
ما اذا كان العراقيون مستعدين ومهجزين للتحديات التي تواجههم، وما اذا
تركوا ورائهم الصراعات الطائفية او ما يزالون في قبضتها.
وتشير الصحيفة الى ان في حين كان البرلمان العراقي يناقش الاتفاقية
الامنية مع الولايات المتحدة، ذكر وزير الدفاع العراقي عبد القادر
العبيدي واخرون عددا من مواطن الضعف في امن البلد، ومن بينها حقيقة ان
العراق لا يملك قوة بحرية او جوية للدفاع عن نفسه امام جيرانه.
ويتخوف البعض، كما تقول الصحيفة، من ان انسحابا متعجلا من شأنه ان
يفتح النافذة لعودة العنف الطائفي، الا ان العميد شرهد يقول للصحيفة ان
من غير المرجح عودة العنف الى مستويات العامين 2006 و2007، على الرغم
من الهجمات الانتحارية التي حدثت مؤخرا في الفلوجة والموصل.
وشهدت مدينة الفلوجة كبرى مدن محافظة الانبار غربي العراق تفجيرين
انتحاريين أسفرا عن مقتل سبعة اشخاص وجرح 35 آخرين، فيما تتعرض مدينة
الموصل شمالي العراق باستمرار الى عمليات مسلحة وتفجيرات كان آخرها
انفجار قنبلة يدوية على دورية للشرطة يوم الاحد الماضي اسفرت عن جرح
تسعة اشخاص بينهم شرطيان.
ويؤكد شرهد في رأيي، ان المجموعات الخاصة والميليشيات والمجرمين
سيلفظون اخر انفاسهم في غضون ستة شهور.
وتذكر الصحيفة ان ضباط في الجيش الأمريكي يتفقون ان الرأي العام
العراقي تحول ضد العنف الطائفي، الا ان لديهم بعض التحفظات على قوة
قوات الامن العراقية.
ففي نيسان ابريل الماضي، اثار المفتش العام الأمريكي الخاص بالعراق
تساؤلات عن نقص في عدد الضباط ذوي الخبرة بين صفوف الشرطة والجيش. وقال
في تقريره ايضا ان قوات الامن العراقية تفتقر الى شبكة امدادات يعتمد
عليها.
ولاحظت الصحيفة ان الكابتن اندريو تشوفانسك، الذي قاد عملية الاحد
اشار الى نقاط الضعف نفسها في الشرطة العراقية. لذلك كلف ثلاثة فصائل
للعمل بنحو وثيق مع وحدات عراقية، وأعطى قواته فرصة توجيه الضباط
العراقيين وانشاء قناة بين الجانبين لتبادل المعلومات.
ويركز احد جوانب عملهم، كما تقول الصحيفة، على تطوير قدرات الشرطة
العراقية للقيام بتحقيقات جنائية، وهي مهمة قد تسهل على العراقيين
متابعة مهامهم بالتوازي مع خطط القوات الأمريكية للانسحاب من المناطق
المأهولة في غضون العام المقبل.
تحسن الوضع الأمني يدفع بالقوات الأمريكية
إلى الإسترخاء
قبل بضعة أشهر كان اللفتنانت جريج باسيت وجنود أمريكيون آخرون
يتحركون في أنحاء أبو دشير قفزا بطريقة تشبه حركة الضفادع نصفهم منبطحا
على التراب وأسلحتهم مُستعدة للانطلاق لحماية بقية الجنود الذين كانوا
يتحركون جريا.
واستراح باسيت هو وجنود أمريكيون آخرون في فناء مدرسة في هذه
المنطقة التي كانت تشتهر بالعنف في وقت من الأوقات على مشارف بغداد وهم
يراقبون السكان أثناء ذبح أربع بقرات بمناسبة عيد الأضحى. بحسب رويترز.
وكان عدد صغير منهم فقط يراقب أسطح المباني بحثا عن قناصة. ومعظمهم
كانوا يعلقون بنادقهم على رقابهم وهم يختلطون مع العراقيين الذين كانوا
منذ فترة قصيرة أعداء لهم.
وأعمال العنف التي ضربت العراق سنوات بعد الغزو الامريكي في عام
2003 بدأت في الاشهر الاخيرة تختفي فيما يبدو مخلفة مشاهد تبين آثار
الانفجارات في الجدران الخرسانية وحواجز الطرق والمتاريس والدمار الذي
يشاهد في بعض الاماكن.
ويواصل مقاتلو القاعدة ومسلحون آخرون القيام بتفجيرات قنابل وشن
هجمات انتحارية تسفر عن مقتل العشرات كل شهر وقد يتصاعد العنف عندما
يجري العراق الانتخابات المحلية في الشهر القادم.
وربما يتدهور الامن عندما تنسحب القوات الامريكية من المدن العراقية
في يونيو حزيران القادم قبل الانسحاب الكامل بحلول نهاية عام 2011
وتسليم الامن للشرطة والجيش العراقيين.
وفي ذروة التمرد والصراع الطائفي في منتصف عام 2007 بين الغالبية
الشيعية والسنة الذين كانوا يهيمنون على الساحة السياسية في وقت من
الاوقات شهدت منطقة الرشيد 927 هجوما بالقنابل في شهر واحد أو بمعدل 31
هجوما في اليوم.
وينسب التراجع في أعمال العنف الى أشياء كثيرة من بينها زيادة كبيرة
في عدد القوات الأمريكية وقرار زعماء العشائر السنية الانقلاب على
حلفائهم في تنظيم القاعدة واعلان الميليشيات الشيعية وقف اطلاق النار.
ويقول بعض الجنود الامريكيين وزعماء المجتمع العراقي ان التغير في
موقف القوات الامريكية والتركيز على كسب ود المجتمعات المحلية بدلا من
القتال ضدها لعب دورا في ذلك.
وقال رجل الاعمال مؤيد حامد الذي تبرع بالبقرات التي ذبحت للتوزيع
على السكان في أبو دشير والذي أصبح متعاقدا رئيسيا للقوات الامريكية
وقام بترميم مدارس ومستشفيات عراقية: هؤلاء الناس يحتاجون الى مساعدة.
الحاجة لبقاء القوات الامريكية عشر سنوات
للتدريب والتأهيل!!
قال مسؤول عراقي كبير ان العراق سيحتاج الى وجود قوات أمريكية
للمساعدة في بناء قواته العسكرية لفترة تتجاوز السنوات الثلاث التي تم
الاتفاق عليها في الاونة الاخيرة كموعد انسحاب نهائي للجنود الامريكيين.
وقال علي الدباغ المتحدث باسم حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي انه
قد تكون هناك حاجة لبعض القوات الامريكية لمدة عشر سنوات لكنه قال
للصحفيين ان شروط اي تمديد لوجود قوات امريكية سيتم التفاوض عليه بين
الحكومتين العراقية والامريكية. بحسب رويترز.
وقال الدباغ في افادة صحفية في وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون):
نفهم ان الجيش العراقي لن يبنى في ثلاثة اعوام. نحتاج حقا الى سنوات
اخرى كثيرة. قد تصل الى عشر سنوات.
وكان مسؤولون عراقيون تحدثوا عن الحاجة المحتملة لوجود مطول للقوات
الامريكية قبل التوصل الى اتفاقية وضع القوات. لكن تصريحات الدباغ هي
الاولى فيما يبدو التي تتناول الحاجة المحتملة لبقاء قوات امريكية منذ
اعلان التوصل الى الاتفاقية.
وقالت الحكومة العراقية ان جيشها سيكون مستعدا لتولي المهام الامنية
في المناطق الحضرية بحلول الصيف المقبل. لكن مسؤولين امريكيين يعتقدون
ان الامر سيستغرق اعواما حتى يكون للعراق من القوة الجوية والدعم
والامدادات ما يؤهله ليكون قوة قتالية حديثة.
وقال مسؤول من وزارة الدفاع البريطانية ان بلاده الشريك الرئيسي
للولايات المتحدة في العراق ستبدأ سحب قواتها البالغ قوامها 4100 جندي
في مارس اذار نتيجة تحسن الوضع الامني.
وقال الدباغ ان القرار بشأن اذا ما كان سيمتد الوجود الامريكي لن
تتناوله اتفاقية وضع القوات الحالية. واضاف، ترك الامر للحكومة في عام
2011 كي تفكر وتتفاوض مع الامريكيين بشان ماهي القوات التي يحتاج اليها
العراق.
ودعا الرئيس الامريكي المنتخب باراك اوباما الذي ستنتهي ولايته في
20 من يناير كانون الثاني عام 2013 الى سحب القوات الامريكية من العراق
في خلال 16 شهرا لكنه ترك الباب مفتوحا لبقاء بعض القوات لتدريب
العراقيين ومحاربة المتمردين.
درس الصراع العراقي وحرب الثلاثة بلايين
دولار
ورأى خبير اقتصادي امريكي بارز، ان المشكل في العراق يتعلق
بالاستراتيجية وليس بزيادة القوات، معتبرا انه كان على الولايات
المتحدة ايجاد حكومة قوية وموحدة بدلاً من تشكيل ميليشيات طائفية.
ونقلت جريدة اوربا الجديدة الاسبوعية New Europe، التي تصدر عن
الاتحاد الاوروبي، عن ستغلتز الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام
2001، في مقال له بعنوان (تعلُّم الدروس من العراق) قوله إن ستغلتز
يعتقد انه: كان ينبغي على الولايات المتحدة ايجاد حكومة قوية وموحدة
عوضا عن تعزيز ميليشيات طائفية. والحكومة العراقية الان متيقظة ازاء
المخاطر، وبدات بايقاف بعض قادة تلك الجماعات التي لقيت دعما من جانب
الحكومة الامريكية.
ورأى الخبير أن افاق مستقبل مستقر في العراق تزيد قتامة. والنقطة
الرئيسة في ذلك هي: كان من المفترض ان توفر زيادة القوات المساحة
لتسوية سياسية، من شأنها ان تضع أسساً لاستقرار طويل أمد. لكن تلك
التسوية لم تحدث.
وأضاف أنه: كان من الواضح دائما ان توقيت رحيل امريكا من العراق
ربما لن يكون باختيار منها ما لم ترد خرق القانون الدولي مرة اخرى.
فالعراق الان يطالب بخروج القوات القتالية الامريكية في غضون اثني عشر
شهرا، وخروج القوات كلها في العام 2011. ومما لا شك فيه ان انخفاض
العنف موضع ترحيب، وأن زيادة حجم القوات الامريكية لعبت دورا في ذلك.
ويواصل ستغلتز: وكما هو الحال مع الحجج التي استخدمت لتسويغ الحرب،
والاجراءات التي اتخذت لنجاحها، فان الاساس المنطقي لزيادة القوات هو،
ايضا، يبقى متحولا.
وتابع بالقول إن: حرب العراق استبدلت بانحطاط الاقتصاد بوصفه القضية
الاكثر اهمية في حملة الانتخابات الرئاسية الامريكية، وجزء من ذلك سببه
ان الامريكيين صاروا يعتقدون ان التيار قد تحول في العراق: اذ ان
اندفاع القوات يفترض انها اخافت المسلحين، فاثمرت عن انخفاض بمستوى
العنف.
وبين ستغلتز أن تضمينات ذلك واضحة: فاظهار القوة يحقق فوزا سريعا.
وبالتحديد ان هذا النوع من منطق اظهار العضلات هو الذي قاد امريكا الى
الحرب في العراق بداية. فقد كانت الحرب تعني تبيان القوة الاستراتيجية
في القدرة العسكرية. الا ان بدلا عن ذلك، اظهرت الحرب حدودها التي تقف
عندها. اذ ان الحرب دمرت مصدر قوة امريكا الحقيقي، سلطتها الاخلاقية.
والاحداث الاخيرة عززت من المخاطر في مقاربة ادارة بوش.
وأشار ستغلتز الى تكاليف الحرب الباهضة بقوله ان: في الوقت نفسه، ان
تكاليف الفرصة العسكرية والاقتصادية لهذه المغامرة تتزايد بنحو واضح.
وحتى لو توصلت الولايات المتحدة الى تحقيق الاستقرار في العراق، فذلك
لن يكون نصرا مضمونا في الحرب على الارهاب، ناهيك عن النجاح في بلوغ
اهداف استراتيجية اوسع نطاقا.
وعبر عن اعتقاده بأن زيادة حجم القوات ليست بالحل الاستراتيجي قائلا
ان الفشل في العراق مسألة استراتيجيا، وليس تعزيز قوات، لافتا الى ان
الوقت قد حان بالنسبة لامريكا، واوروبا، لتعلم الدروس من العراق، بل أي
بلد يحاول احتلال اخر والتحكم بمستقبله عليه ان يعيد تعلم الدروس من
العراق.
ويذكر ان جوزف ستغلتز هو الان استاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا
وألّف مع لندا بايلمز كتابا بعنوان (حرب الثلاثة بلايين دولار:
التكاليف الحقيقية للصراع في العراق). |