ملف الاحتباس الحراري: التغير المناخي وراء انهيار الحضارات

تبادل الاتهامات بين الاغنياء والفقراء يقوّض جهود مكافحة الانبعاثات السامة

اعداد: صباح جاسم

شبكة النبأ: فيما طالب الاف المحتجين من أجل الطقس بإجراءات أسرع من جانب الامم المتحدة لمكافحة ارتفاع درجة حرارة الكوكب. سعَتْ زهاء 190 دولة الى الاتفاق على صياغة معاهدة جديدة بحلول عام 2009. لكن محادثات تحضيرية انتهت باتهامات وجهتها دول نامية الى أخرى غنية ببذل جهود أقل مما ينبغي لمساعدتها في مواجهة آثار التغيرات المناخية مثل الجفاف والفيضانات والامراض وارتفاع منسوب المياه في البحار. وما بين هذا وذاك ظهرت للعيان مؤخراً مؤشرات تدل على ان تغيرات المناخ كانت من الاسباب الرئيسية التي أطاحت بالعديد من الحضارات في العصور السابقة.

(شبكة النبأ) من خلال تقريرها الدوري التالي تقدم لقراءها آخر المستجدات في شؤون تغيرات المناخ الناتجة من ظاهرة الاحتباس الحراري والجهود المبعثرة لمواجهتها.

تغيرات المناخ.. هل تؤدي إلى اندثار الحضارة الحالية ونشوء أخرى؟

الحضارات العظيمة تسود ثم تنتهي.. تأتي وتزول، ولكن أسباب سقوط هذه الحضارات مازالت غير واضحة.. إلا أن هناك مؤشرات على أسباب سقوط حضارتين على الأقل، قد تلقي الضوء على الأسباب وتفتح المجال أمام معرفة تلك الأسباب.

لقد تم العثور على الدليل في أحد الكهوف القريبة من مدينة القدس، والذي كشف عن تغير مناخي في الفترة بين عامي 100 و700 بعد الميلاد، تمثل في فترة جفاف، وتزامنت مع سقوط الدولتين الرومانية والبيزنطية في المنطقة.

غير أن الباحثين سارعوا إلى إيضاح أنهم لم يكتشفوا علاقة العلة والمعلول، وفقاً لما كشفه مقال نشر في موقع مجلة العلوم "لايف ساينس" على الإنترنت. بحسب سي ان ان.

وقال الأستاذ بجامعة ويسكونسن-مادسون، جون فالي، الذي قاد فريق البحث: "سواء أكان هذا هو السبب وراء ضعف البيزنطيين أم لا، فهو أمر غير معروف، ولكن العلاقة مثيرة.. فقد حدثت هذه الأمور، أي الجفاف، بالتأكيد أثناء حدوث التغيرات التاريخية."

ومن المقرر أن تنشر نتائج البحث العلمي في العدد المقبل من الدورية الفصلية "كواتيرناري ريسيرتش."وتضمن البحث تحليلاً كيميائي للعناصر مترسبة في أرض الكهف، والتي تشكلت على هيئة "صواعد" جراء ترشحها من سطح الكهف مع مياه الأمطار، وظلت في باطن الكهف مع باقي المواد المترسبة على شكل طبقات، عبر مئات السنين.

اسلوب قديم يحد من انبعاث الغازات

قال علماء ان تقنية قديمة لحرث النباتات المتفحمة في الارض لاحياء التربة ربما تعيق ايضا انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري لالاف السنين وتحبط ارتفاع حرارة الارض.

ويؤدي تسخين نباتات مثل فضلات المزارع أو الاخشاب في ظروف محكمة الغلق الى انتاج "الفحم النباتي" الغني بالكربون والذي يمكنه تخزين غاز ثاني اكسيد الكربون المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري ويعزز من المادة المغذية في التربة. بحسب رويترز.

وتمتص النباتات ثاني اكسيد الكربون من الغلاف الجوي اثناء نموها. وبالتالي فان تخزين ذلك الكربون في التربة يزيل الغاز من الغلاف الجوي.

وقال يوهانس ليمان من جامعة كورنيل خلال احدى المناسبات التي اقيمت على هامش محادثات الامم المناخ في مدينة بوزنان البولندية "اشعر بثقة في ان زمن (تخزين الكربون) من الفحم النباتي المستقر يعود الى ما بين مئات كثيرة الى الاف قليلة من السنوات".

وقدر ليمان بأنه في ظل سيناريوهات طموحة يمكن للفحم النباتي ان يخزن مليار طن من الكربون سنويا - وهو ما يعادل اكثر من 10 في المئة من الانبعاثات العالمية من الكربون والذي بلغ 8.5 مليار طن في 2007.

وقال انه في ظل سيناريو متحفظ يمكن لهذه التقنية ان تخزن 0.2 مليار طن من الكربون سنويا. وسيظل ذلك يتطلب تسخين بدون اوكسجين - يسمى الانحلال الحراري - نحو 27 في المئة من فضلات المحاصيل على مستوى العالم وحرثها في التربة.

خلاف الاغنياء والفقراء يضع عقبات أخرى أمام اتفاقية المناخ

ربما يحتاج الامر الى تدخل زعماء العالم ومنهم الرئيس الامريكي المنتخب باراك أوباما للمساعدة في التوصل الى اتفاق حتى على معاهدة دولية متواضعة بخصوص المناخ في عام 2009 بعد تفاقم خلاف بين دول غنية وأخرى فقيرة على أموال وأهداف جديدة لخفض الانبعاثات الضارة.

ويسعى زهاء 190 دولة الى الاتفاق على صياغة معاهدة جديدة بحلول منتصف ديسمبر كانون الاول عام 2009. لكن محادثات تحضيرية استمرت أسبوعين في بولندا انتهت يوم السبت باتهامات وجهتها دول نامية الى أخرى غنية ببذل جهود أقل مما ينبغي لمساعدتها في مواجهة اثار التغيرات المناخية مثل الجفاف والفيضانات والامراض وارتفاع منسوب المياه في البحار.

وقال أيفو دي بوير رئيس أمانة التغير المناخي بالامم المتحدة لرويترز بعد أن ألقت دول منها البرازيل والهند باللوم على الدول الغنية لقلة اسهامها "حققت (اجتماعات) بوزنان ما كان يفترض أن تحققه لكنها انتهت بنبرة قاتمة."بحسب رويترز.

وأضاف قائلا عن الجلسة الختامية "انها علامة تبعث على القلق أن الناس يتخذون مواقف استعدادا لمفاوضات متشددة."

وأظهرت محادثات بوزنان التي حضرها وزراء البيئة لمراجعة ما تحقق من تقدم في منتصف فترة قدرها عامان خصصت لاعداد معاهدة جديدة أن أكثر من نصف العمل لم ينجز بعد.

وافتقرت محادثات بوزنان الى الالحاح والطموح اللذين أطلقت بهما مفاوضات صياغة معاهدة المناخ في بالي باندونيسيا عام 2007.

ففي بالي قضت مجموعة رئيسية تضم 40 وزيرا الليل في مفاوضات الى قرب الفجر. بينما في بوزنان عندما وصلت المحادثات الى مواجهة أرسل العديد من أعضاء نفس المجموعة نوابهم للتفاوض وذهبوا هم الى حفل.

وبعد أحدث اجتماع رحب دي بوير باقتراح للامين العام للامم المتحدة بان جي مون بعقد قمة في نيويورك في سبتمبر أيلول عام 2009 بهدف اشراك زعماء العالم ومنهم أوباما.

بان: العالم يحتاج الى عهد اخضر جديد

قال الامين العام للامم المتحدة بان جي مون انه يجب على العالم الا يفتر حماسه في مكافحة الاحترار العالمي وان يعمل من أجل الاتفاق على "عهد أخضر جديد" لاصلاح أزماته المترابطة للاقتصاد والمناخ.

وقال بان لاجتماع لمئة من وزراء البيئة في مدينة بوزنان ببولندا لمراجعة ما تحقق من تقدم نحو ابرام معاهدة دولية جديدة للمناخ بنهاية عام 2009 "يجب علينا ان نجدد التزامنا بقضيتنا الملحة."

وقال للوزراء "الازمة المالية ينبغي الا تكون ذريعة للتقاعس او فتور الهمة والحماس في تنفيذ تعهداتكم." واضاف قوله ان ازمة المناخ " تؤثر على رخائنا المحتمل ومعيشة شعوبنا الان وحتى وقت طويل في المستقبل."بحسب فرانس برس.

ودعا بان الى التحلي بخصائص القيادة من جانب الرئيس الامريكي المنتخب باراك اوباما وكذلك الاتحاد الاوروبي. وستحاول قمة للاتحاد الاوروبي تختم اعمالها يوم الجمعة اجتياز مأزق بشأن الخلافات على خطة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بمقدار الخمس بحلول سنة 2020 مقارنة بمستويات عام 1990 .

ودعا بان الى عهد عالمي حديث يراعي قضايا البيئة مماثل "للعهد الجديد" للرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت في الثلاثينات والذي انتشل الولايات المتحدة من براثن الكساد الكبير.

وقال "اننا في حاجة الى عهد أخضر جديد."واضاف قوله ان مواجهة الازمة المالية سيتطلب "حوافز هائلة." وقال ان "جزءا كبيرا من ذلك الانفاق يجب ان يكون استثمارا ... استثمارا في مستقبل أخضر."

المحتجّون من اجل المناخ يطالبون باجراءات سريعة

وطالب الاف المحتجين من اجل الطقس الذين كان بعضهم يرتدي ملابس ليكونوا مثل الدببة القطبية او الشياطين او طائر البطريق باجراء اسرع من جانب الامم المتحدة لمكافحة ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

وخارج مقر اجراء المحادثات التي تجريها الامم المتحدة بهدف فرض اهداف اكثر شدة لمكافحة ارتفاع درجة حرارة الكوكب قال الف متظاهر ان الحكومات تخاطر بمستقبل الكوكب بتأخير اتخاذ اجراء او التشاحن حول من الملوم. بحسب رويترز.

وشارك عدة الاف اخرون في مسيرة في لندن للمطالبة "باجراء عاجل وجذري" من الحكومة البريطانية بشأن تغير المناخ.

وقالت سوزان شيربارث من جماعة اصدقاء الارض في المانيا عن المحادثات في مدينة بوزنان الواقعة بغرب البلاد "حتى الان اعتقد انها تمضي بصورة بطيئة".

ولوحت ومحتجون اخرون في بوزنان بلافتة كتب عليها "توقفوا عن العبث..كونوا جادين بشأن تغير المناخ". وحمل اخرون صورا للبحار تغرق المدن والقرى ويد رجل اعمال تعصر الكوكب.

المتزلِّجون يدعون الى تحرك سريع!!

وقّع حوالى 30 متزلجا محترفا من بينهم البطل الاميركي تيد ليغيتي نداء يطالب بالتحرك سريعا لمكافحة التغير المناخي.

ويشمل الموقعون الاميركية جوليا مانكوزو البطلة الاولمبية في سباق التعرج الطويل والسويسرية تانيا فريدن البطلة الاولمبية في سباق السنوبورد.

واعلن الرياضيون "نحن المتزلجون ولاعبو السنوبورد الشغوفون نلاحظ مباشرة التاثير المدمر لتغير المناخ" وذلك في نص العريضة التي سلمت الى وزير البيئة البولندي ماتياج نوفيتشكي الذي يرأس مؤتمر المناخ في بوزنان. بحسب رويترز.

واضافوا "من جبال الالب الى الهملايا من روكي ماونتن الى الانديز يشكل التغير المناخي خطرا على الشتاء". ولفتوا الى ان تقلص الكتل الجليدية والتغيرات الجذرية في تساقط الثلوج "ستؤثر على ملايين الاشخاص" وتهدد على الاخص السياحة المرتبطة بالرياضات الشتوية.

وطالب الموقعون على العريضة التي بدأت بمبادرة من الصندوق العالمي لحماية الطبيعة باتفاقية جديدة جريئة تسمح باحتواء الاحتباس الحراري للكرة الارضية وابقائه ما دون درجتين اضافيتين بالنسبة الى الفترة ما قبل الصناعية.

كما طالبوا الدول الصناعية ان تتعهد تقليص انبعاثاتها من غازات الدفيئة بنسبة تتراوح بين 25 و40% مع حلول العام 2020 بالنسبة الى العام 1990.

استراليا تتعهد بخطة لخفض انبعاثات الكربون من 2010

تعهدت استراليا بتبني أقوى خطة للقضاء على الكربون خارج أوروبا في 2010 حيث قاومت مطالب الصناعة بالتأجيل لكن خطتها بخفض غازات الاحتباس الحراري جاءت أقل بكثير مما طالبت به الجماعات البيئية.

وحدد بيني وونج وزير التغير المناخي نطاقا مستهدفا بخفض انبعاثات الغازات المسببة لارتفاع درجة حرارة الارض في استراليا بما يتراوح بين خمسة بالمئة و15 بالمئة بحلول 2020 بناء على المستويات في عام 2000 وذلك لمنح استراليا مرونة في المحادثات العالمية بشأن تخفيضات الانبعاثات فيما بعد 2012. بحسب رويترز.

وأبلغ وونج الصحفيين "هذه أهداف صعبة لاستراليا" مضيفا أن السياسة صممت لتخفيف الاثر الاقتصادي للخطة في ضوء الازمة المالية العالمية.

وقال "يتعرض اقتصادنا ومنه انتاج الغذاء والزراعة وامدادات المياه لتهديد. اذا لم نتحرك الان فاننا سنتضرر بشدة وبسرعة . سوف نفقد صناعات رئيسية ووظائف استراليين."

وكان علماء وجماعات بيئية يريدون تخفيضات بنسبة 25 بالمئة على الاقل لكن خطة الكربون تأتي في وقت حساس للحكومة من الناحية السياسية حيث يحل الموعد المحدد لبدء تنفيذها في منتصف 2010 قبل أشهر فقط من اجراء انتخابات تسعى خلالها الحكومة للفوز بفترة ثانية.

وقال جون هبورن الناشط في مجال المناخ بمنظمة السلام الاخضر للدفاع عن البيئة "انه فشل كامل وتام."

ورغم أن أهداف الانبعاثات أقل من هدف الاتحاد الاوروبي بخفض هذه الانبعاثات بنسبة 20 بالمئة بحلول 2020 والتخفيضات المقترحة للرئيس الامريكي القادم باراك اوباما بنسبة 25 بالمئة قال وونج ان أهداف خطته أقوى بالنسبة للفرد الواحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 18/كانون الثاني/2008 - 19/ذي الحجة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م