معهد الأمل للصُم والبُكم في كربلاء بين تكريس لغة الأمل وتحديات مجابهة الحياة

توفيق الحبالي/ كربلاء

شبكة النبأ: عندما تدخل الى المعهد الذي يحمل اسم (معهد الأمل) فإنك ستجد أطفالاً بعمر الورود تملئهم الحيوية والأمل نحو مشاركة الأسوياء من أقرانهم  في هذه الحياة، إلا انك لن تتمكن ان تتكلم معهم إلا من خلال الإشارة، ومن اللحظة الأولى تستطيع ان تحكم على أنهم حُرِموا من نعمة ولكن الله عز وجل عوضهم بنعم أخرى، الا وهي الذكاء والفطنة.

ولمعرفة أحقية هذه الشريحة وما لهم وما عليهم، وأين تؤول الدنيا بهم،  وماذا قدمت الدولة لهم كونهم شريحة عاجزة عن النطق  للمطالبة بحقوقهم او سماع  ما يدور حولهم، حاولنا من خلال التحقيق التالي الوقوف على آمالهم وتطلعاتهم وحاجاتهم..

في معهد الأمل للصم والبكم  في كربلاء المقدسة مجموعة من البنين والبنات قد تحدّوا الصعاب وتجدهم يصنعون بأيدهم أشياء جملية تعوّض النقص الذي يعانون منه وتمنحهم شعوراً بأنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع.

المعهد وأولياء الامور

احمد عطية، والد الطفلة صفا، التلميذة في المرحلة الأولى في المعهد، قال: كنّا نتعامل مع صفا قبل ان تدخل معهد الأمل بإشارات خاصة ولكن بعد دخولها المعهد ظهر ان اغلب الإشارات التي نستخدمها معها كانت خاطئة وقد تم تزويدنا بكتيب خاص عن الإشارات المستخدمة للتعامل مع الطفل المعاق.

 وأضاف عطية لـ شبكة النبأ، ان التعليمات الواردة بهذا الكتيب هي أشارات عالمية، والان ولله الحمد تتم مخاطبتها من قِبل جميع أفراد العائلة وهي تحب الذهاب الى المعهد حيث ان تعامل المعلمات هناك تعامل لطيف جداً كما تقول ابنتي.

فيما قال علي ياسين عبد الله، والد الطفل عبد الله: بعد معرفتنا ان  إبننا عبد الله  أصم  أصابتنا خيبة أمل وأين سيكون مصيره؟ وكيف يتدبر حياته في هذه الدنيا التي يصعب على الأصحاء العيش فيها!! ولكن وبعد دخوله  لمعهد الأمل والذي هو بالفعل أسم على مسمّى تكوّن لدينا أمل كبير باندماج عبد الله في المجتمع، حيث انه الان يقرأ ويكتب ويمتلك سهولة المحادثة عن طريق الإشارات وخصوصا بعد تزويدنا بكتيب خاص من قبل المعهد.

 وأضاف ياسين لـ شبكة النبأ، اننا نطمح ونتمنى من الحكومة ان تعطي أولية خاصة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ولاسيما المتعلمين منهم في الوظائف الحكومية.

شروط القبول

التقينا الست باسمة مسلم عطية، مديرة المعهد وحدثتنا عن آلية العمل في المعهد وما هي طبيعة التعامل مع الاطفال المعوقين فقالت: المعهد مؤسسة تعليمية وتأهيلية تابع الى قسم الرعاية الاجتماعية في كربلاء وتأسس عام 1980.

وأضافت باسمة، الطاقة الاستيعابية للمعهد تقريبا 80 طالب أما الان فهو يحتوي على 100 طالب وطالبة، منهم 52 ذكور و48 إناث، وواجبه الرئيسي هو تعليم المعاقين من الصم وضعيفي السمع القراءة والكتابة وكذلك تأهيلهم من النواحي العملية والتربوية، فضلا عن إعمال حرفية كالنجارة والخياطة والرسم والتطريز وترتيب وصناعة الزهور وغيرها من الأعمال التي تلائمهم.

وقالت باسمة لـ شبكة النبأ، إن طرق التدريس المستخدمة في المعهد هي ( قراءة الشفاه والإشارة والنطق) وكذلك استخدام الوسائل النظرية وذلك عن طريق تزويدهم بصور توضيحية تخص الدروس.

وعن شروط القبول في المعهد أكدت باسمة على  ان القبول يقتصر على الصم وضعيفي السمع ومن عمر ( 5-9) سنوات، ويتم تزويد الطالب الأصم بكتاب لغرض الفحص الطبي عن طريق التخطيط السمعي.

وعن احتياجات المعهد ركزت مديرة المعهد على عدم وجود سيارات كافية لنقل الطلبة حيث ان المعهد يمتلك ثلاث سيارات مشتركة مع معهد الرجاء للمعاقين، وهي غير كافية لذا نحن بحاجة لسيارة أضافية، لأن العدد الكلي مع معهد الرجاء يصل الى 150 تلميذ،  والشيء الاخر نقترح توسيع المعهد لأن عدد الغرف وصفوفه غير كافية ولا يتناسب مع عدد الطلبة الموجودين.

المعهد والدوائر المتعاونة

وعن مدى تعاون المعهد مع الدوائر الاخرى والمنظمات الإنسانية  ذكرت مديرة المعهد ان التعاون مع الدوائر الخدمية في المحافظة موجود ولله الحمد ، حيث هناك تعاون كبير من قبل المسؤولين فقد قام السيد المحافظ بزيارة المعهد لأكثر من مرة وقد كرّم المعهد بمبالغ مالية وعينية للكادر والطلبة، اما دور الدوائر الحكومية فإن تربية كربلاء تزودنا بالمناهج الدراسية وكذلك دائرة صحة كربلاء لها دور في توفير الرعاية الصحية للطلبة، فضلا عن الدور الرئيسي من قبل دائرة الرعاية الاجتماعية التي وفرت لنا العديد من وسائل الإيضاح وبشكل مستمر للمعهد.

اما بخصوص دور المنظمات الإنسانية والمجتمع المدني فقالت المديرة لـ شبكة النبأ: نقدم الشكر للعتبة الحسينية المقدسة التي زارت المعهد وجهزته بالمستلزمات الضرورية والأساسية وكذلك زودت المعهد بألعاب ترفيهية للاطفال، كما نقدم شكرنا لمنظمة chf حيث قامت بترميم الدار وتزويدها باجهزة الحاسوب ومكتبة وكذلك عملت قواطع للقاعة الكبيرة.

وأشارت مديرة المعهد الى ان امتحانات الطلبة للصفوف الأولى شفوياً لبعض الدروس مثل اللغة العربية والرياضيات كبقية التلاميذ في المدارس الابتدائية، وامتحانات تحريرية للصفوف المتقدمة ويكون الطلاب متهيئين لامتحانات شفوية وتحريرية يومياً وشهرياً وامتحانات نصف السنة ونهاية السنة.

 وأضافت متأسفةً، شهادة المعهد غير مُعترف بها من قبل وزارة التربية وذلك بسبب كون المعهد لا يوجد فيه امتحانات (بكالوريا) إلا إن هناك مشروع مقدَّم من قبل مدير العوق في الوزارة يقترح فيه دخول الطلبة امتحانات البكلوريا كي يتم فيما بعد الاعتراف الرسمي لشهادة المعهد.

نشاطات أخرى

وعن ابرز النشاطات خلال السنة الدراسية قالت المديرة، لقاءاتنا مستمرة مع أولياء أمور الطلبة شهرياً لإطلاعهم على مستويات أبنائهم وحثهم على الدراسة والاحترام والنظافة، وكذلك لدينا معرض سنوي يقام كل عام في 20/ 4 يحمل عنوان (عيد الطفل الأصم) حيث نعرض فيه مشاركات ونشاطات ومواهب الطلبة وبحضور المسؤولين ومنظمات المجتمع المدني، فضلا عن مشاركة المعهد بمسرحية شارك فيها (21) طالب وطالبة وبمساعدة وأشراف الاستاذ علاء العبيدي في النشاط المدرسي حملت عنوان (العراق) حيث لاقت إعجاب الحاضرين مما دعا المسؤولين والسيد المحافظ  بتكريم الطلبة المشاركين بالمسرحية.

وعن كيفية تعامل المعلمين مع الصم والبكم تحدثت مديرة المعهد لـ شبكة النبأ بالقول بأن الجهات التدريسية تبذل جهد غير طبيعي حيث يعتمد المدرسون في المعهد في إيصال معلوماتهم على الإشارة التي هي الوسيلة المنهجية للتفاهم بين المعلم والطالب الأصم إضافة الى وسيلة أخرى أكثر وضوحاً من الإشارة والتي هي وسائل الإيضاح.

طلبة من الأقضية والنواحي

وتابعت مديرة المعهد بالقول، ان معهدنا لايقتصر على استيعاب طلبة مركز المحافظة فقط ومن المفترض ان تمتد أذرعنا العلمية ليصل الى الاقضية والنواحي، وذلك من خلال توفير وسائل نقل للطلاب من سكنة الأقضية والنواحي، لكي تتاح الفرصة أمامهم للتعليم بدلاً من حرمانهم من هذه الفرصة التي تفتح أمامهم أفاق أوسع في الحياة وتسهل اندماجهم الطبيعي في المجتمع.

وأثناء تجولنا بالمعهد شاهدنا أربعة فتيات بعمر الزهور، إلا ان تصوُرنا أخذَنا بعيداً حيث كنّا نظن أنهن معلمات في المعهد، وعند سؤالنا مديرة المعهد عن إمكانية الحديث معهن؛ قالت أنهن صم!؟ وأنهن من طالبات المعهد المتخرِّجات من الاوئل، ولكنهن طالبنَ بالبقاء بالمعهد لتقديم الخدمات لأقرانهن من الطلبة.

مع ذلك حاولنا التحدث مع أحدهن عن طريق الإشارة وبمساعدة مديرة المعهد وتوجهنا بسؤال لـ(صفاء) عن سبب تواجدها في المعهد وبدون مقابل فقالت بلغة الإشارة: أنها تجد نفسها في هذا المعهد كونه منحها أمل بالحياة وطور قابلياتها ومهاراتها وتود أن تقدم ما تعلمته لأقرانها ممن حرموا من هذه النعمة.

والذي يلفت النظر ان صفاء وزميلاتها موهوبات جداً وقد شاركن بمعارض فنية، ولهن لوحات فنية تم عرضها في المعهد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 18/كانون الثاني/2008 - 19/ذي الحجة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م