المسلمون في الهند: الشباب المضلل ضحية التطرف السلفي

فتوى تكفِّر الإرهاب الشعور بالإضطهاد يؤدي إلى إنتقام التطرف

 

شبكة النبأ: هل يكون الشعور بالاضطهاد مبررا لممارسة أعمال العنف؟ وهل يكون المظلوم أداة طيعة تتحرك بإتجاه القتل؟ ربما ان المادة الخامة والاساسية التي تساعد تأجج الموقف هي الفتاوي الغير مسؤولة التي يطلقها أصحاب المشاريع الخاصة، فمقارعة النظام الفاسد أيا كان هذا النظام لايعني زهق أرواح الناس بلا مبرر. وهذا ما تجلى من الاحداث الدامية التي شهدتها الهند في الايام الاخيرة الماضية. حتى يرى البعض ان الشعور بالاضطهاد هو الذي أدى الى العمل الانتقامي ذاك.

(شبكة النبأ) في سياق التقرير التالي تسلط الضوء على أهم المفاصل والملابسات في الاحداث التي طالت الهند مؤخرا، مع عرض للرأي الآخر الذي يتمثل بتصريحات منفذين الهجوم في مومباي:

الشعور بالإضطهاد يؤدي إلى إنتقام التطرف الدموي

أثارت الصرخة التي أطلقها أحد المسلحين الذين سيطروا على فندق أوبيريو في مدينة مومباي الهندية أمام إحدى وسائل الإعلام المحلية، والتي تشير إلى أن عمله يأتي انتقاماً لاضطهاد المسلمين في الهند، الكثير من الجدل، حيث أنها أعادت طرح السؤال عن وضع المسلمين بذلك البلد، ومستقبلهم بعد هذه الهجمات الدامية.

فخلال اتصال هاتفي مع وسيلة إعلامية، قال المسلح: نحن نحب بلدنا، لكن أين كان الجميع عندما كانت أمهاتنا وأخواتنا تتعرضن للقتل؟ بحسب (CNN).

وبعيداً عن الأبعاد السياسية للصراع بين المسلمين الذين يشكلون أكبر أقلية في الهند، مع 13.4 في المائة من السكان، والهندوس الذين يمثلون أكثر من 80 في المائة، وما يردده المسلمون عن وجود تفرقة منظمة ضدهم، فإن الأرقام والإحصائيات تُظهر فروقات كبيرة.

فمتوسط أعمار أفراد الأقلية الإسلامية أدنى من سواه في الهند، كما أن وضعهم الصحي أسوأ، وهم يعملون في مهن دنيا وتتراجع لديهم معدلات التعليم، إلى جانب الجرح الكبير الذي خلفته لديهم مواجهات مدينة جوغارات عام 2002 مع المتطرفين الهندوس، والتي راح ضحيتها أكثر من ألفي شخص، دون أن يأخذ القضاء مجراه بشكل كامل حيال الجناة.

وتعود جذور الخلاف إلى عام 1857، عندما وقعت حرب الاستقلال الأولى في الهند إثر إعدام جندي هندوسي على يد الإنجليز. ورغم أن الجندي لا ينتمي لديانتهم، غير أن المسلمين دفعوا الثمن الأكبر، إذ سقطت إمبراطورية المغول في نيودلهي، لتنتهي بذلك حقبة سيطر فيها المسلمون طوال خمسة قرون.

وتبع ذلك ضمور عام في وضع الطائفة الإسلامية، خاصة بعد فرض اللغة الإنجليزية لغة رسمية في البلاد، فتراجعت معدلات التعليم لديها من 100 في المائة إلى 20 في المائة، وخلال الفترة ما بين 1857 و1878 لم يتخرج من جامعة كلكوتا سوى 57 مسلماً من بين 3100 خريج، وسط تزايد الاضطهاد من الهندوس والإنجليز على حد سواء.

وعلى خلفية هذه الأوضاع، انقسم المسلمون بين من رأى ضرورة العودة لجذور الإسلام، وبين من طالب باعتماد العلوم الحديثة، وأدى ذلك لظهور مدرسة "دار العلوم ديوباند" التي تعلّم الفقه والشريعة، و"جامعة أليغارا الإسلامية" التي تطبق مناهج تقترب من المفاهيم الفلسفية والاجتماعية، بعيداً عن الدين.

وطبقت مدرسة "دار العلوم ديوباند" نظاماً تعليمياً صارماً، ومع الوقت ازداد عدد طلابها واتسعت فروعها لتصل إلى أكثر من تسعة آلاف فرع في باكستان وأفغانستان والهند. ويعتبر فرع "دار العلوم حقاني"، القريب من بيشاور، أشهر تلك الفروع، حيث درس عدد كبير من قادة حركة طالبان، على رأسهم زعيم الحركة، الملا عمر.

ومع اقتراب موعد زوال الاستعمار الإنجليزي، بدأ المسلمون يطرحون أسئلة حول موقعهم في الهند المستقلة، فولدت فكرة وجود دولة مستقلة لهم في أفكار الشاعر والفيلسوف المعروف، محمد إقبال، غير أنها لم تتحول إلى حقيقة إلا على يد محمد علي جناح، الذي أعلن تأسيس باكستان في 14 أغسطس/آب عام 1947.

وعلى مدى 62 عاماً، لم يتمكن قادة باكستان من جمع شعبها إلا على مبدأ واحد، يتمثل في الدين. فالبلاد لم تتمكن من نقل السلطة بصورة طبيعية سوى ثلاث مرات في تاريخها، وتسود في العديد من ولاياتها حالات شبه انفصالية، في حين يتحدث السكان أكثر 12 لغة مختلفة.

وازدادت الصبغة الإسلامية للبلاد بعد انفصال بنغلاديش عن الهند عام 1971، وذلك تطبيقاً لخطة وضعها رئيس الوزراء الراحل، ذو الفقار علي بوتو، لمنع المزيد من الانقسامات، ثم عززها بعده خلفه الجنرال محمد ضياء الحق، الذي رغب بالحصول على دعم الأحزاب الإسلامية بعد إطاحته بوتو، وفقاً لمجلة تايم.

ومع حلول تاريخ الدخول العسكري السوفيتي إلى أفغانستان، كانت باكستان قد أصبحت دولة تعيش حالة إسلامية كبيرة، لذلك وجد عشرات الآلاف من الأفغان الذين تدفقوا إليها آنذاك أنفسهم في المدارس الدينية والمساجد، وانتشرت مفاهيم "الجهاد" ضد المحتل، كما أصبح ارتداء ملابس المجاهدين أمراً شائعاً للغاية لدى الشبان.

بالمقابل، كان من تبقى من المسلمين في الهند يعيش المزيد من التهميش تحت ظل الغالبية الهندوسية، وإلى جانب إقصائهم من الوظائف العليا وحصولهم على نسب أقل من التعليم والرعاية الصحية، ظل جرح منطقة كشمير يزعزع استقرارهم السياسي.

فأبناء الطائفة الإسلامية اعتبروا أن تعاطي الحكومة مع مطالب كشمير التي تقطنها غالبية مسلمة وتطالب بها باكستان، كان سيئاً، إذ تجاهلت نيودلهي قرار الأمم المتحدة الذي طالب بحق تقرير المصير لسكان المنطقة، وخاضت من أجلها ثلاثة حروب مع إسلام أباد، كادت أحدثها أن تتحول إلى نزاع نووي.

وبعد مواجهات مدينة جوغارات عام 2002 مع المتطرفين الهندوس، وتقصير الحكومة في ملاحقة المعتدين والاقتصاص منهم، ازداد لدى مسلمي الهند الدافع إلى تشكيل مجموعات مسلحة، كان بينها "حركة الطلاب الإسلامية" المتهمة بتفجير قنابل أودت بحياة 80 شخصاً في مومباي عام 2003، وتفجيرات سكك الحديد عام 2006 التي أودت بحياة 183 شخصا.

ديكان مجاهدين تتبنى هجمات مومباي

وأذهل إعلان تنظيم يطلق على نفسه اسم "ديكان مجاهدين" مسؤوليته عن هجمات مومباي الدامية الكثير من المراقبين، الذين استغربوا أن تُنسب الهجمات إلى منظمة شبه مجهولة، يعني اسمها، وفق اللغة السنسكريتية القديمة، مجاهدو الجنوب.

وأبدى خبراء الأمن جهلهم التام بهوية هذا التنظيم، وما إذا كان يشكل جماعة جديدة، أم أن عناصره هم من أفراد جماعة قديمة تفككت جراء ضربات أمنية أو انشقت.

وكان رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ، قد تحدث عن منفذي العمليات قائلاً: إن هجماتهم تميزت بالتخطيط والتنسيق الجيدين، وأن أهدافهم تمثلت في إحداث أقصى قدر من الفوضى في عاصمة البلاد الاقتصادية. بحسب (CNN).

كما قال سينغ إن منفذي العملية هم أجانب غير أنه لم يحدد جنسياتهم، مضيفاً أن الفاعلين والمشاركين بالهجمات: لن يفلتوا من العقاب، مشيراً إلى أن بلاده تنسق مع الدول المجاورة في محاربة الإرهاب ومنع كون أي منها منطلقاً لهجمات إرهابية على الدول الأخرى.

ويعتقد قادة أجهزة الأمن في الهند والولايات المتحدة أن تنظيم "ديكان مجاهدين" قد يكون على صلة بتنظيمين آخرين سبق لهما أن نفذا عمليات وهجمات في الهند، وهما المجاهدون الهنود وعسكر طيبة.

ويعتبر تنظيم المجاهدون الهنود حركة جديدة نسبياً، إذ ظهر قبل عام تقريباً، غير أن بول كريكشانك، من مركز القانون والأمن في كلية الحقوق بجامعة نيويورك يعتقد أن لديه القدرات التنظيمية الكافية لشن هجمات بحجم تلك التي وقعت في مومباي.

وكان المجاهدون الهنود قد أعلنوا في السابق الحرب على الحكومة الهندية بسبب ما قالوا إنه اضطهاد يتعرض له المسلمون في البلاد، إلى جانب العلاقات التي تربط نيودلهي بواشنطن.

ويذكر أن التنظيم كان قد أعلن في مايو/أيار الماضي مسؤوليته عن مجموعة من القنابل التي انفجرت بصورة شبه متزامنة في مدينة جيبور الشمالية، ما أسفر عن مقتل 63 شخصاً.

أما التنظيم الثاني الذي قد يكون لـ"ديكان مجاهدين" صلة به فهو "عسكر طيبة" الذي أعلن مسؤوليته عن الكثير من الهجمات ضد جنود وأهداف هندية خلال السنوات الماضية، ويحملهم البعض مسؤولية الهجوم الذي استهدف نظام القطارات في مومباي خلال ساعة الذروة بيوليو/تموز 2006، والذي تسبب بمقتل 200 شخص.

وينشط عسكر طيبة بشكل أساسي في منطقة كشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان، وترى وزارة الخارجية الأمريكية أن الآلاف من عناصره ينتشرون في القسم الباكستاني من المنطقة، كما تعتبر أنه واحد من بين أكبر ثلاثة تنظيمات تحمل السلاح ضد الحكومة الهندية.

وكانت منطقة كشمير، التي تقطنها غالبية مسلمة، قد تسببت بعداء كبير وبحربين بين نيودلهي وإسلام أباد، على أنه سبق للحكومة الباكستانية أن حظرت عسكر طيبة بشكل رسمي عام 2002، وقامت بتجميد أصوله المالية.

يشار إلى أن الحكومة الهندية لم تعلن رسمياً اسم الجهة المسؤولة عن هجمات مومباي، غير أن صحيفة "ذي تايمز أوف إنديا" الناطقة بالإنجليزية، قالت إنها تلقت رسالة عبر بريدها الإلكتروني في هذا الصدد من قبل منظمة تطلق على نفسها اسم ديكان مجاهدين.

و"ديكان" هي كلمة إنجليزية محرفة عن كلمة بالاسم نفسه تقريباً، باللغة السنسكريتية القديمة وتعني "الجنوب"، وهي اسم لهضبة تضم عدداً من الولايات الجنوبية في الهند، من بينها ولاية مهرشترا.

يشار إلى أن المسلمين يشكلون أقلية في الهند، إذ يصل عددهم إلى نحو 150 مليون نسمة، من إجمالي سكان الهند البالغ أكثر من مليار نسمة.

إمتناع علماء مسلمين في الهند من دفن جثامين المسلحين  

وتعهد كبار زعماء المسلمين بمومباي بمنع دفن تسعة متشددين اسلاميين قتلوا 183 شخصا في هجمات استمرت ثلاثة قائلين ان افعالهم اهانت الاسلام.

وقال مولانا سيد معين الدين أشرف، الامين العام لجماعة علماء السنّة لعموم الهند، لرويترز: لن يجد مثل هؤلاء الشياطين بوصة من الارض في اي مقبرة اسلامية. وتحدث بعد لقاء لعلماء وزعماء مسلمين من ولاية ماهاراشترا الهندية وعاصمتها مومباي. بحسب رويترز.

وفي هجمات شنها اسلاميون في الهند في الماضي جرى دفن المهاجمين الذين قتلوا. وقال سيد نوري احد زعماء المسلمين ممن حضروا اجتماع: لن تصبح مسلما لانك فحسب تطلق على نفسك اسم يوسف او عظيم او رحمن. هؤلاء الاشخاص الذين نفذوا هجمات من هذا القبيل لا يمكن ان يكونوا مسلمين.

فتوى ضد الارهاب تحضى بتأييد آلاف المسلمين

وأيد الاف المسلمين الهنود فتوى دينية تدين الارهاب وتصفه بانه "مناف للاسلام" على ما صرح به احد علماء الدين. وشارك نحو ستة الاف رجل دين مسلم في اجتماع استمر يومين خلال عطلة نهاية الاسبوع في مدينة حيدر اباد.

وجاء الاجتماع بعد تعرض الهند لسلسلة من التفجيرات التي يشتبه ان مسلحين اسلاميين نفذوها في البلاد التي تدين غالبية سكانها بالهندوسية. واشتكى مسلمون هنود من ان عددا من المسلمين تعرضوا للمضايقات من قبل الشرطة. بحسب فرانس برس.

وتنص الفتوى على ان مصطلح "الجهاد" لا ينطبق على الاعمال الارهابية. وجاء في الفتوى ان الجهاد هو ظاهرة بناءة. ولكن الارهاب يقوم على التدمير فقط. الجهاد مسموح به فقط لاستعادة السلم وهو حق اساسي للانسان.

وصرح خالد رشيد عالم الدين البارز من شمال الهند الذي شارك في الاجتماع: هذه خطوة جيدة ومهمة تميز بين الجهاد والارهاب وتبين ان الاثنين مختلفان ولا يجمع بينهما شيء.

وفي الجلسة الختامية دعا ك. رحمن خان نائب رئيس مجلس الشيوخ الهندي علماء الدين الى المساعدة في انهاء كل اشكال الارهاب.

وقال: ان الشباب المضللين هم فقط الذين يقعون في فخ اولئك الذين ينفذون اعمالا ارهابية. يجب على علماء الدين ان يعيدوهم الى طريق الصواب بان يشرحوا لهم معنى الجهاد. ويدين نحو 14 % من سكان الهند الذي يزيد عددهم عن مليار بالاسلام.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/كانون الثاني/2008 - 14/ذي الحجة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م