تزويج الشباب في رؤيا المرجع الشيرازي

التحديات الاجتماعية والتربوية التي تواجههم

الباحث: عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: من منطلق العمل بالأحاديث الشريفة الداعية الى الاستفادة من مجالس العلماء، والاخرى الحاثّة على تقييد العلم وتوثيقه ونشره، وحرصاً على إيصال ما حملته محاضرات آية الله العظمى المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) من المفاهيم الاسلامية الاصيلة الى أولئك الذين حُرموا من سماعها أو الاطلاع عليها نطلع هنا على بعض مما أفاض به المرجع الشيرازي من طرح لمشاكل الشباب التربوية والاجتماعية ولاسيما قضية الزواج والحلول المناسبة لها.

يقول سماحة المرجع الشيرازي: صونوا شبابكم وفتياتكم، وأعملوا على ان يكونوا مؤمنين ومعتقدين بالله والرسول (ص) واهل البيت (ع) ومهما بلغوا من اعتقادهم، فأعملوا على زيادة هذا الاعتقاد لديهم، بل وفروا وسائل وأسباب ذلك.

علينا ان نعرِّف الشباب والشابات بنبي الاسلام (ص) والطريقة التي عرّف بها القرآن الكريم شخصية رسول الله (ص) وحقيقة الأئمة الاطهار (ع) وليس عبر كلمات الافراط والتفريط، التي تصدر من بعض الجهات المظلّة وهي تريد ان تهبط بهم الى ما دون مقامهم.

ويضيف المرجع الشيرازي: أطلعوا الشباب على حقيقة مسألة العصمة وعلم الغيب والمسائل التي تعد من المسلّمات والقطيعات المتعلقة بمقام الائمة المعصومين (ع) وأن صيانة الشباب واجب الآباء والامهات أولاً، وكذا الاعمام والاخوال والاقارب، وهو واجب الشباب المتدين أيضاً.

وفي مسألة حيوية اخرى تخص الحوائج العاطفية والأسرية للشباب يقول سماحته: ان الاقتران العاطفي والمتناغم بين الرجل والمرأة الذي يهدف لسد الحاجة الجنسية والنفسية ويحقق الشعور بالطمأنينة، وينتهي الى تكثير النسل هو ما ندعوه بعقد الزواج. وأن الزواج القائم في نظام الخلقة وعالم الوجود يهدف استمرار الحياة هو سنة فطرية وغريزية، يعد التخلف عنها تخلفاً عن المسار الطبيعي لنظام الخلقة.

أن الشباب والمسؤولين في المجتمع والآباء والامهات يدركون جميعاً ضرورة الاقتران، وأهميته في تحقيق الحياة المستقرة السليمة، ويعتقدون بأن الامتناع عن الزواج مخالفة لسنة النبي (ص) وذلك لقوله: ( من أحب ان يتبع سنتي فإن من سنّتي التزويج). وقال (ص): (مَن تزوج فقد أحرز نصف دينه، فليتق الله في النصف الآخر).

ولكن مؤشرات انخفاض حالات الزواج بين الرجال والنساء في المجتمع الاسلامي أمر يدعو الى القلق، ولا بد من التفكير في معالجته بشكل جذري.

وهناك عدة اسباب لإنخفاض الزواج كالظروف الثقافية والاقتصادية والطبية وسوف نتناول الامور العامة والازمات التي تحد من مشروع الزواج وهي مشكلة عويصة يعاني منها الشباب ولابد من التفكير على مستويات المجتمع كافة لأزالة هذه الموانع والعقبات وتسهيل امور الشباب المسلم ولصيانة المجتمع من الانحرافات المتعددة فيما لو كثر العزّاب وحالات العنوسة:

مشاكل الزواج العامة

بالقدر الذي تعاني منه الحياة العامة في المجتمع المعاصر من المشاكل في البناء والاقتصاد، كذلك هي تعاني من مشكلة زواج الشباب، يبرز امام الشباب والشابات الذين يرون الزواج موانع ومشاكل، من آثارها في هذه السنين ارتفاع سن الزواج، وهذا يعد خسارة اجتماعية ناشئة من العلل الثقافية والاقتصادية في المجتمع، وأهمها :

أولاً: البطالة

أن الحصول على العمل من الحقوق الابتدائية لتكوين الاسرة وضمان الحياة العائلية، ولكن للأسف هناك علل واسباب اقتصادية وثقافية مختلفة أدت الى بروز البطالة كظاهرة سيئة، وتركت المجتمعات البشرية المعاصرة تتخبط في مأساتها ومحنتها، أن بطالة الشباب من اكبر المشاكل الاجتماعية التي توسع من رقعة القلق والخوف في حقوق العاطلين وتؤدي الى ازدياد الانحرافات الاخلاقية وتفشي الفساد فيما بينهم.

والبطالة تؤدي الى عدم تفكيرهم في الزواج والى ابتلائهم بالامراض النفسية والسرقة وإدمان المخدرات وما الى ذلك من المفاسد.

وخلاصة القول: ان البطالة وعدم الحصول على مورد مادي يعد في الحقيقة عقدة أمام الزواج في المجتمع المعاصر، ولابد من حل لهذه المشكلة، وعلى الشعب والحكومة ان يتعاضدا ويتعاونا لأيجاد حل اساسي وثابت لهذه المعضلة.

ثانياً: أزمة السكن

مع الاخذ بنظر الاعتبار الهجرة من الريف الى المدينة ومن المدن الى خارج البلاد، فقد غدت اعداد المساكن على الخصوص بالنسبة الى الشباب الذين يعتزمون الزواج مشكلة اجتماعية.

ففي بعض الدول الاسلامية وما قامت به من الحد من الهجرات الواسعة نحو المدن، والقيام ببناء الشقق، واعطاء القروض للسكن والزواج وبناء البيوت الاستئجارية، فمع الالتفات الى ازدياد نسبة الشباب في المجتمع ولأجل الوقاية من الانحرافات الأخلاقية لا بد للأشخاص من قبل الزواج أن لا يصروا على ان يمتلكوا بيوتاً مستقلة، وأن يخضعوا للأمر الواقع ويسيروا على الطريقة التقليدية المتبعة في السكن مع أوليائهم، أو ان يلزموا الصبر والقناعة والموازين الاخلاقية والحقوقية بالنسبة الى الوالدين بل وحتى الاخوة والاخوات، ويبدأوا حياتهم الزوجية. وعلى كل حال فأن توفير السكن على حدود الوسع امر ضروري للشروع في الزواج.

ثالثاً: المهور الغالية

ان المهر والصداق هو ما يتوافق عليه الرجل والمرأة من مال أو عمل أو شيء مشروع يتكفل الرجل بأدائه عند عقد النكاح.

وعليه يتعهد الرجل حين عقد الزواج بأن يفعل للمرأة شيئاً أو يقدم لها مالاً مهراً لها، كما تعهد موسى بن عمران (ع) ان يعمل يرعى الغنم لمدة ثمان سنوات حينما تزوج من ابنة شعيب.

وأقل ما يمكن دفعه كمهر هو ان يكون مما يتمول، واكثره فهو ان لا يتجاوز مهر السنّة وهو خمسمائة درهم الذي هو صداق فاطمة الزهراء (ع).

وفي الايام الاولى من تطبيق احكام الاسلام في المدينة حيث كانت الامور تجري على البساطة والايمان المسوؤل، كان الرجل احياناً يتعهد بتعليم المرأة عشرين آية من القرأن أو سورة واحدة، واحياناً كل القرآن كمهر لها، وبذلك يحصل الزواج ويؤدي الرجل ما تعهد به من المهر، كما يكتفي احياناً بقبضة من الحنطة أو خاتم كمهر للزواج، ويتم الزواج في جو من البساطة والايمان قال النبي (ص): (افضل نساء امتي اصبحهن وجهاً وأقلهن مهراً).

لكن تغير الظروف الاقتصادية في هذا الزمان والاستغلال السيء الذي حدث في بعض الاحيان من هذه الناحية، ولتحقيق التوازن بين المهر و(الجهاز) الذي يقع على عاتق اسرة البنت عند البعض لضمان ثبات الزواج واستحكامه ما امكن ارتفعت المهور، ولكن مع ذلك اذا حصل الزواج على اسس صحيحة وفي جو تسوده الثقة المتبادلة ضمن تقليل المهور أو اجرائها على اساس غير النقد والمادة، فسوف يكون اللجوء الى ذلك من المشاكل التي تحول دون الزواج في المجتمع المعاصر.

رابعاً: توفير الجهاز

ان الجهاز عبارة عن الاثاث الذي يحتاج اليه الرجل للزواج، فتوفيره على عاتق الرجل، كما صنع الامام علي (ع) حينما اراد ان يتزوج من فاطمة الزهراء (ع) حيث جعل درعه صداقاً فباعه بأمر الرسول (ص) واعطى ثمنه الى الرسول (ص) فقام بشراء جهاز مختصر وبسيط بجزء من الثمن.

وبالتدريج تحول الجهاز بوصفة مساعدة من قبل اهل الزوجة لبناء كيان الاسرة الى واجب عليهم، ثم صار للأسف الشديد بفعل طبقة من الناس عقبة امام الشباب، حتى عجزت الاسر الفقيرة عن توفيره، وفي كثير من الموارد تحرم الفتاة من الزواج بسبب عدم امتلاكها للجهاز أو كونه بسيطاً.

وأن الذي يجري حالياً في المجتمعات البدوية التي تسكن البوادي حيث الفطرة والطبيعة السليمة هو ان توفير الجهاز يكون على عاتق اسرة الزوج، ومضافاً على ذلك يتكفل الزوج بدفع مقدار من المال يدعونه ثمن الرضاع.

وعلى كل حال فأن توفير الجهاز الغالي يعقد مسألة الزواج، وقد يؤدي الى حوادث مأساوية، مثل الذي يبيع احدى كليتيه ليوفر ثمن الجهاز.

ان هذه التقاليد اذا لم يتم الحد منها  ولم تحل القيم الانسانية محلها فسوف تتجذر الامراض الاخلاقية والاجتماعية ويتحول الزواج الى مجرد معاملة تجارية ومادية صرفة.

ويجدر الالتفات الى حديث الرسول (ص) الموجه لأسرة الفتاة حيث يقول: (لاتغالوا في الصداق فتكون عداوة).

وعليه ففي مورد تحديد المهر الذي لا يدفع نقداً في الغالب قد أوصى الاسلام بأن يكون قليلاً ولا بد من مراعاة ذلك، لا سيما ونحن نعيش في ظروف اقتصادية حرجة، ولأجل الحفاظ على كرامة اسرة الطرفين وعلى الاسرة ان تقنع بالقليل المتواضع، لكي لا تثقل على عاتق الاسر الفقيرة والمحتاجة ليحصل بذلك التوازن الاخلاقي والاقتصادي الذي بتمخض عن توثيق الروابط بين الاسر.

خامسا: تكاليف حفلات العقد والزواج

ان (الوليمة) ودعوة الاشخاص لتناول الطعام والحلويات في حفلات العقد والزواج وان كانت مما يحث عليه الاسلام ويقبله كل عقل سليم، الا ان ما يحدث حالياً في ظل الظروف الاجتماعية الراهنة هو الاسراف في نفقات هذه الحفلات الذي يؤدي الى تعقيد الزواج بل وقد تؤدي الى تعطيله اساساً.

اذ ان اتساع رقعة المطالب والاسراف المصحوب احياناً بأرتكاب المآثم من قبيل عدم مراعاة الاخلاق والعفة، بل وأيذاء الناس، يعد حالياً من المعضلات الاجتماعية والموانع من تسهيل عملية الزواج.

وقد واجهنا موارد اخطر فيها البعض الاقتراض من اجل اعداد مسكن للأيجار الا انهم لقلة وعيهم ولأجل المنافسات التي ليس لها مبرر اسرفوا في نفقات العقد والزواج مما اخطرهم  الى العيش سنوات وهم يتجرعون الآلام والغصص ويدفعون بسبب ذلك اثماناً مادية ومعنوية باهضة، وان يتحملوا الآلام الطويلة من اجل لذة قصيرة وقليلة وما اروع ما جاء في الحديث (رب لذة ساعة أورثت حزناً طويلاً).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 7/كانون الثاني/2008 - 8/ذي الحجة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م