
شبكة النبأ: جاءت الانتخابات
الرئاسية الأمريكية هذا العام بعد ثماني سنوات من إخفاقات مُنيت
بها إدارة الرئيس بوش على كافة الأصعدة، والتي كانت السبب الرئيس
في نجاح المرشح الديمقراطي باراك أوباما، في انتخابات الرابع من
نوفمبر، لرفعه شعار التغيير للسياسة الأمريكية داخليًا وخارجيًّا.
ولهذا تُعول شعوب العالم على أوباما لإحداث تغيير في السياسة
الخارجية الأمريكية، ناهيك عن آمال الناخب الأمريكي الذي انتخب
أوباما في إحداث تغيير في السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية
التي أثرت بالسلب على وضعه الاقتصادي.
وللوقوف على ما يجب على الرئيس الأمريكي الجديد اتخاذه في
المرحلة الانتقالية حتى تسلمه السلطة دستوريًّا في العشرين من
يناير القادم، وكيف سيتعامل الرئيس الجديد وفريقه الرئاسي مع
التحديات الداخلية والخارجية، أجرى برنارد جورتزمان من مجلس
العلاقات الخارجية، حوارًا مع رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد
هاس، نشره المجلس على موقعه الإلكتروني.
في هذا الحوار يرفض هاس ما يذهب إليه كثيرون من أن انتخاب باراك
أوباما سيحدث تحولاً جذريًّا في السياسة الأمريكية، لاسيما في
منطقة الشرق الأوسط، فمن وجهة نظره فإن القضية التي سيوليها الرئيس
الجديد وفريقه أولوية هي الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالولايات
المتحدة حاليًا. وفيما يتعلق بقضايا منطقة الشرق يرفض هاس أن يكون
هناك تقدم في عملية السلام الفلسطينية في ظل غياب قيادات فلسطينية
وإسرائيلية قادرة على الجلوس والتحاور، ولكنه يعول على التقدم
الحادث على الجانب السوري - الإسرائيلي والذي قد تبدأ به الإدارة
الجديدة.
وفيما يخص الأزمة النووية الإيرانية يدعو هاس إلى التركيز على
الجهود الدبلوماسية لاسيما في وقت يُواجه فيه الاقتصاد الإيراني
تحديات جمة بعد انخفاض أسعار النفط إلى النصف. وفيما يلي نص الحوار
الذي أُجرى مع رئيس مجلس العلاقات الخارجية "ريتشارد هاس". بحسب
موقع تقرير واشنطن.
أثار انتخاب باراك أوباما ــ أول رئيس أسود ومن أقلية كانت
مضطهدة ــ إعجاب العالم، ويعول كثيرون عليه لإحداث تغيير في
السياسة الأمريكية. ماذا تنصح الرئيس الجديد للتعامل مع التحديات
التي ستواجهها إدارته، والطموحات المعلقة عليه؟
في البداية أتفق مع ما ذهبت إليه من أن انتخاب "بارك أوباما"
أحدث حالة من الدهشة داخل وخارج الولايات المتحدة، لانتخاب أول
رئيس أسود، ولانتهاء حقبة الرئيس بوش الابن بإخفاقاتها المتعددة،
فضلاً عن الإعجاب بدينامكية المجتمع الأمريكي الذي انتخب أول رئيس
أسود، وكثيرٌ من الناس معجبٌ بانتخاب بارك أوباما لأن هذا لم يحدث
في بلدانهم، ولذلك فهم يتمنون أن يحدث مثل هذا في بلدانهم وفي
المستقبل القريب.
ولكن التحدي الذي يواجه انتخاب أوباما، هو كثير من الآمال
المعلقة عليه، بعبارة أخرى إحداث تحول جذري في السياسة الأمريكية،
ولكن الواقع يُشير إلى خلاف هذا، فانتخاب أوباما لن يحدث اتفاقًا
حول قضية التغيرات المناخية بحلول الأول من فبراير القادم، ولن
تكون هناك دولة فلسطينية في الثاني من الشهر ذاته ، ولن تُحل
المعضلة الأفغانية في الثالث من فبراير.
ولكن كثرة التحديات التي يُواجهها الرئيس الجديد تفرض عليه
التعامل معها داخليًّا وخارجيًّا، وأفضل طريقة هي التواصل، والتي
يمتلكها باراك، ليس مع الشعب الأمريكي ولكن مع الخارج على حد سواء.
وأعتقد أن أوباما سيعمل في البداية على إتاحة فرصة لفريقه للتواصل
مع المشكلات والتحديات ببعث مبعوثيه إلى كافة أرجاء العالم للحديث
مع القيادات وللوقوف على المشكلات والتحديات، فضلاً عن كثير من
الزيارات الناجحة من قيادات ومسئولين لواشنطن. فباراك أوباما يملك
كثيرًا من القدرات لإدارة تلك الطموحات.
قبل الانتخابات طلب باراك أوباما من جون بوديستا، مساعد الرئيس
الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، بتشكيل فريقه الانتقالي. وباعتبارك
عضوًا سابق في فريقين انتقاليين، ما تحديات المرحلة الانتقالية؟
يتحرك باراك أوباما بسرعة ليس فقط لأن أمامه 76 يومًا حتى يتولى
قيادة الولايات المتحدة دستوريًّا، ولكن لكثرة القضايا التي يجب
إنجازها بسرعة سواء على الجانب الاقتصادي أو على صعيد السياسة
الخارجية الأمريكية، التي شهدت تأزمًا خلال فترتي الرئيس بوش.
فالرئيس ليس لديه فترة انتقالية طويلة والعالم لن يعلن انتهاء
الفترة الانتقالية وإعطاء باراك أوباما أشهرًا أخرى. والشيء المهم
بالنسبة للرئيس الجديد في المرحلة الانتقالية تحديد أعضاء إدارته
من الوزراء ومساعديهم وباقي فريقه الرئاسي بأسرع وقت قبل حلول
العشرين من يناير القادم. وليس هناك نقص في مستشاري السياسة
الخارجية سواء داخل حملته الانتخابية أو بالمحيطين به، وهم معروفون
للجميع، والذي يُعد أول مثال على القدرة والرغبة في اتخاذ إجراءات
من شأنها إحداث التغيير المنتظر (داخليًّا وخارجيًّا). وأرى أن
باراك أوباما يتحرك في المرحلة الانتقالية بسرعة.
هناك كثير من الآمال والتوقعات المعقودة على الرئيس الجديد في
كثير من قضايا منطقة الشرق الأوسط، يمكن أن توضح لنا كيف ستكون
السياسة الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط؟
أستغرب لكثرة التوقعات والآمال المعقودة على الرئيس الجديد
بمنطقة الشرق الأوسط، منذ سنوات كتبت كتابٌ حول النضوج بالمنطقة،
ومن الصعوبة بمكان رؤية أن هناك توجهًا ونضوجًا بمنطقة الشرق
الأوسط حول التقدم، ناهيك عن تحقيق انفراجة. فالنظر إلى أوضاع
منطقة الشرق الأوسط تجد قيادة فلسطينية منقسمة وتوجهًا إسرائيليًّا
إلى انتخابات في بداية العام 2009. ولذا فلن تكون منطقة الشرق
الأوسط من أولويات تركيز الإدارة الجديدة في سنواتها الأولي، فليس
هناك قوى يمكن العمل معها. ولكن ما اعتقده أنه على الإدارة الجديدة
تبني سياسات، من شأنها تطوير النضوج بالمنطقة والعمل على دفع عملية
السلام بما يشجع القيادات الفلسطينية والإسرائيلية للجلوس للتحاور
والتفاوض حول عملية السلام.
في منطقة الشرق الأوسط هناك تقدم على الجانب السوري –
الإسرائيلي، وهو ما قد يستدعي الاكتشاف في بدايات العام 2009.
ويلاحظ أنه سيكون هناك اهتمام بالقضية الإيرانية والسعي الإيراني
إلى تخصيب اليورانيوم لاسيما في وقت انخفضت فيه أسعار النفط إلى
النصف والذي سبب كثيرًا من المشكلات الاقتصادية داخل إيران. والذي
يخلق مناخًا يعطي أهمية للوعود والمبادرات الدبلوماسية.
هناك حديث بعد انتهاء الانتخابات الأمريكية أن الولايات المتحدة
ستسعى إلى إنشاء مكتب لرعاية المصالح بإيران، وهو ما يثير تساؤلاً
حول إمكانية إنشاء هذا المكتب، وما موقف الجانب الإيراني؟
هناك تعارض واختلاف بين الجانبين حول هذا المكتب، ومن وجهة نظري
أنه شيء ثانوي بالنسبة لما سوف تسير عليه الأمور، وهذا سوف يعتمد
على الاقتصاد الدولي، وعلى طبيعية الاقتصاد الإيراني وعلى السياسة
الداخلية للنظام الإيراني. وستشهد إيران في ربيع 2009 انتخابات
رئاسية، لذا فإن كل شيء متوقع. وإذا أرادت الإدارة الإيرانية
الحالية إنشاء مكتب لرعاية المصالح فإن ذلك سوف يكون في مصلحة
الإدارة الإيرانية الجديدة. والقراءة التاريخية تشير إلى أنه عندما
كانت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان في مأزق ــ بطة
عرجاء ــ عملت على إقامة علاقات وحوارٍ مع منظمة التحرير
الفلسطينية، وعندما جاءت إدارة بوش الابن لم يكن لزامًا عليها أن
تنفق من رأس المال السياسي لبدء المحادثات مع منظمة التحرير
الفلسطينية لأنها ورثت الحوار.
لذا فإن إنشاء مكتب للرعاية المصالح الأمريكية بإيران سوف يمكن
الإدارة الإيرانية الجديدة من الانطلاق بسهولة من مرحلة ما بعد
إنشاء المكتب.
سوف يتمتع حزب الرئيس بالأغلبية في مجلسي الكونجرس ولكن قد يفرض
الكونجرس بعض العوائق أمام أهداف السياسة الخارجية كالمعونات
والمساعدات الخارجية؟
من المحتمل أن يفرض الكونجرس عوائق أمام السياسة الخارجية
الأمريكية التي تعتمد على الموارد والمخصصات المالية التي يخصصها
الكونجرس. والمساعدات الخارجية والإنفاق العسكري من المجالات التي
تحتاج إلى تخصيص الكونجرس، وفي الوقت الذي تُواجه فيه الولايات
المتحدة أزمة مالية طاحنة قد يكون هذان المجالان من المجالات التي
سيسعى الكونجرس إلى تخفيض مخصصاتها المالية لإنفاقها في مجالات
أخرى أكثر أهمية. ومن المجالات الأخرى التي قد يقوض الكونجرس من
عمل الرئيس بها هي اتفاقيات التجارة الخارجية حيث من الصعوبة تمرير
اتفاقيات التجارة الخارجية في مثل هذا الكونجرس، ولكن الشيء المهم
وهو مدى استعادة الرئيس سلطة تشجيع التجارة، وأعتقد أن الحاجة
إليها أضحت ملحة من أي وقت مضى. فكثير من الدراسات الأكاديمية
تُشير إلى أن اتفاقيات تجارية جديدة ستسهم في نمو الاقتصاد
الأمريكي والعالمي. وفي الوقت الذي نتطلع فيه لأي حوافز اقتصادية
لا أعتقد أن هناك حافزًا أفضل من الاتفاقيات التجارية.
أنت تشير إلى مفاوضات التجارة العالمية،
أو ما يسمى بجولة الدوحة؟
بالضبط. وعودة إلى ما كنت تسأل عنه، وهذا من شأنه أيضًا أن يكون
وسيلة لتعويض الانخفاض المحتمل في المساعدات الخارجية. التجارة هي
أفضل أداة لتنمية الدول الفقيرة في إفريقيا، وإنها قد تعمل على
التوسع الزراعي والصادرات الصناعية للولايات المتحدة. وذلك من شأنه
أن يكون وسيلة جيدة لتعويض الانخفاض في المساعدات الخارجية.
وفي قضايا البيئة يتوقع أن تكون بدايات إدارة أوباما مختلفة عن
بدايات إدارة بوش الابن فيما يخص القضايا البيئية.
البيئة مجال الأخر للتوقعات العالمية المعقودة على الرئيس
الأمريكي الجديد، وأعتقد أن الإدارة الجديدة سوف تميل إلى التفاوض
والحوار حول مشكلات البيئة، ولكن في ظل الأحوال الاقتصادية الصعبة
لن تكون مهمة سهلة. حيث يصعب أن توافق عديد من الدول مثل الصين
والهند على وضع قيود بيئية على تطورها الاقتصادي الذي هو في حالة
انخفاض حاليًّا، هو ما يثير تساؤلاً حول مدى القدرة للوصول إلى
اتفاقيات دولية في وقت تتوافر فيه الإرادة الأمريكية.
هل تنصح الرئيس الجديد أن يقوم بجولة إلى
أوروبا في بداية إدارته أو لقاء بدول حلف شمال الأطلنطي أو أشياء
من هذا القبيل؟ أتذكر أن الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي فعل
هذا في بداية إدارته؟
أعتقد أنها لن تكون على أولوية اهتماماته في بداية إدارته، ولكن
ما سيكون على قمة أجندته هي الأزمة المالية التي تواجهها الولايات
المتحدة، فليس هناك قضايا وتحديات بأوروبا تفرض نفسها على تعامل
الرئيس مع الأزمة المالية العالمية وأبعادها دخل الولايات المتحدة.
فالتحديات التي تواجه فريقه المسئول عن القضايا الخارجية ستكون
الأزمة النووية الإيرانية والحرب الدولية على الإرهاب في أفغانستان
وباكستان وبعض الشيء الأوضاع العراقية. كما أن هناك كثيرًا من
التحديات الخارجية التي تواجهها السياسة الخارجية الأمريكية على
المدى الطويل وهي الفجوة بين تحديات العولمة وهيكل المنظمات
الموجودة حاليًّا. فالقضايا الاقتصادية ستكون هي أولويات الإدارة
الجديدة. فالرئيس الجديد سيرث أمة مأزومة اقتصاديًّا، فالتحديات
الاقتصادية التي تواجهها واشنطن هي الأولى لأن يواجهها الرئيس
الجديد. |