النفط يفجر حرب عالمية باردة في القطب الشمالي

التعاون الجماعي بين الدول القطبية يعاني الاهتزاز والتصدّع

اعداد: صباح جاسم

شبكة النبأ: تحظى منطقة القطب الشمالي المتجمد منذ العام الماضي بأهمية خاصة للدول القطبية الثمانية (الولايات المتحدة، روسيا، كندا، النرويج، الدنمارك، أيسلندا، السويد وفنلندا)، وأصبح التنافس على استغلال موارد هذه المنطقة أحد مصادر قيام حرب عالمية باردة جديدة بين أمريكا وروسيا بدأت معالمها تظهر بوضوح خلال العام الجاري، وخاصة بعد الحرب الروسية الجورجية الأخيرة.

ويبدو أن صيغة التعاون الجماعي القائمة بين الدول القطبية منذ نهاية الحرب الباردة قد بدأت تتعرض للاهتزاز بقوة، لاسيما مع تغيير واشنطن وموسكو لسياساتهما في هذه المنطقة منذ عام 2007.

ووفقًا لدراسة أعدها كل من د. أرئيل كوهين، الباحث الأول في مركز دراسات روسيا وأوراسيا، وفي الوكالة الدولية لأمن الطاقة، ود. لاجوس ساسازدي، الباحث المتخصص في شئون السياسة الخارجية في مؤسسة هيرتيدج الأمريكية، والباحث جيم دولباو محلل السياسات الدفاعية وعضو مجلس تحرير مؤسسة البحرية الأمريكية، والتي نشرتها مؤسسة هيرتيدج يوم 30 من أكتوبر 2008، تحت عنوان: "الحرب البادرة الجديدة: إحياء الوجود الأمريكي في القطب الشمالي"، فإن القطب الشمالي أصبح يمثل في السنوات الأخيرة أهمية جوهرية لمصالح أمريكا، إذ أضحى ذات أهمية خاصة من الناحية الجيوسياسية والجيواقتصادية لكافة الدول الثمانية القطبية. بحسب موقع تقرير واشنطن.

ويعود ذلك إلى تقلص مساحة الرقعة الجليدية به بسبب التغيرات المناخية، حيث يسهل ذلك على الولايات المتحدة وكندا إمكانية استخدام الموارد النفطية والمعدنية من الممر الشمالي الغربي إلى الشاطئ الشمالي من أمريكا الشمالية، وخاصة مع تطوير أساطيل اختراق وتكسير الجليد في هذه المناطق.

وبالمثل، فإن روسيا الاتحادية تسعى بجدية لاستغلال طريق البحر الشمالي على طول الشاطئ الشمالي من أوراسيا، وهو ما تقوم به منذ العام الماضي، فروسيا لها نشاط خاص في هذه المناطق وتعزز تواجدها الكشفي والعسكري وتدعي أحقيتها في عديد من المناطق.

ووفقًَا لتقرير نشرته صحيفة هيرالد تريبيون البريطانية يوم 23 من سبتمبر الماضي، فإن القطب الشمالي قد تعرض في العام الجاري لثاني أكبر عملية انكماش لرقعته الجليدية بعد الانكماش الضخم والأكبر الذي حدث عام 2007، وهو ما رصدته الأقمار الصناعية التي تعمل لهذا الغرض منذ 30 عامًا. ويقول العلماء: إن هذا سيساعد على فتح الممرات البحرية إلى القطب الشمالي من جهة مناطق على الحدود الكندية - الأمريكية ومن جهة مناطق أخرى قريبة من الحدود الروسية.

موارد القطب الشمالي

تقدر هيئة المسح الأيكولوجي الأمريكية The U.S. Geological Survey أن القطب الشمالي يحتوي على أكثر من 90 بليون برميل من النفط الخام (13% من احتياطيات النفط العالمي التي لم تستكشف بعد)، وحوالي 47.3 تريليون سنتيمتر مكعب "سم3" من الغاز الطبيعي (30% من احتياطيات الغاز العالمي التي لم تستكشف بعد) ونحو 20% من الغاز الطبيعي السائل. وتقول بعض التقديرات الأمريكية: إن إمكانية إنتاج نصف هذه الكمية يكفي الطلب العالمي كله لمدة سنة وأربعة أشهر، ويكفي حاجات الولايات المتحدة من الطاقة لمدة ست سنوات.

أما وزارة الموارد الطبيعية الروسية، تقول: إن بإمكان روسيا استخراج ما يزيد عن 586 بليون برميل من النفط من أعماق مياه القطب الشمالي في مناطق تعتبرها روسيا ضمن أراضيها مثل: بارينتز Barents، بيشورا Pechora، كارا Kara، شرق سيبريا East Siberian، بحر تشوكشي Chukchi، وبحر لابتيف Laptev Seas؛ إذ يمكن أن تصل كمية النفط في هذه المناطق إلى 418 مليون طن (3 بليون برميل)، بينما تصل احتياطيات الغاز حوالي 7.7 تريليون سم3.

وتقول الوزارة أيضًا: إن الاحتياطيات غير المستكشفة حتى الآن تقدر بنحو 9.24 بليون طن (67.7 بليون برميل) من النفط، و88.3 تريليون سم3 من الغاز.

وإضافة لذلك، يحتوي القطب الشمالي على ترسيبات هائلة من المعادن النفيسة والأحجار الكريمة مثل الذهب والفضة والنحاس والحديد والمغنسيوم والهيدروكربون والبلوتينيوم والزنك والماس، وهي مواد أصبح لها سوق عالمي كبير وتشعل التنافس التجاري الدولي خاصة مع صعود الهند والصين وبعض الدول النامية الأخرى على المستوى الدولي.

وبالنسبة للولايات المتحدة، البلد الوحيد على الأرض الذي لم يتمكن من استخراج كميات معقولة من احتياطه النفطي، تبدو المناطق الأمريكية القريبة من القطب الشمالي محل جذب خاص إذا ما قورنت بالمحمية القطبية الشمالية الواقعة في ولاية ألاسكا the Arctic National Wildlife Refuge (ANWR)، حيث لا توجد قيود تشريعية، فيدرالية أو محلية، للتنقيب عن واستخراج البترول، كما أن الاعتماد على نفط هذه المناطق يجنب الولايات المتحدة التقلب الهائل في أسعار النفط العالمي الذي تجاوز قبل الأزمة المالية 147 دولارًا، ويجنبها كذلك عدم الاستقرار في مناطق أفريقية وشرق أوسطية وأمريكية جنوبية.

وإضافة لما سبق، فإنه مع توقع ارتفاع الطلب الأمريكي على الغاز الطبيعي السائل كمصدر رئيسٍ لتوليد الكهرباء، لابد وأن تعتمد الولايات المتحدة على توسيع نطاق تطوير منحدر شمال ألاسكا Alaska's North Slope، وهو المنطقة الممتدة من الحدود الشرقية مع كندا إلى بحر تشوكشي الخارجي وبحر بيوفورت ومنطقة ANWR ومنطقة الوسط في القطب الشمالي بين أنهار كولفيل وكانينج.

وتقول الإحصائيات :إنه بين أعوام 1977 و2004، أنتجت شركة برودهوي باي النفطية the Prudhoe Bar Oil أكثر من 15 بليون برميل نفط من مناطق قريبة من منحدر شمال ألاسكا، لكن معدل الإنتاج الآن في انخفاض هائل.

ووفق تقرير لوزارة الطاقة الأمريكية، فإن هذه المنطقة ربما تحتوي على 36 بليون برميل نفط، و3.8 تريليون سم3 من الغاز الطبيعي، بما يعادل الاحتياطيات الموجودة في نيجيريا. وفي عام 1988 قدرت برودهوي باي أن هناك أكثر من 25% من المخزون النفطي الأمريكي الخام يقع في مناطق بمنحدر شمال ألاسكا.

وقد ذكر تقرير وزارة الطاقة الأمريكية أن بحر تشوكشي وبحر بيوفورت يحتويان على حوالي 14 بليون برميل من النفط و2 تريليون سم3 من الغاز. وبالتالي فإذا ما قدر استخدام هذه المناطق إضافة لمنطقة ANWR التي يقدر الاحتياطي بها بنحو 10 بليون برميل، فإنه يمكن للولايات المتحدة أن تنتج داخليًّا مليون برميل يوميًّا يمكن نقلها عبر خط أنابيب ألاسكا الذي تبلغ سعته التخزينية المعدل ذاته (مليون برميل يوميًّا)، فهذا الإنتاج اليومي سيوفر نحو 123 بليون دولار صادرات بترولية يوميًّا، كما يخلق ما مجموعه 7.7 بليون دولار في أنشطة اقتصادية جديدة، ويوفر نحو 128 ألف فرصة عمل.

أمريكا تعيد صياغة سياستها

ويقول معدو الدراسة :إنه على الرغم من أهمية القطب الشمالي للمصالح الأمريكية، فقد تجاهلت أمريكا هذه المنطقة لسنوات طويلة، وهي الآن بحاجة إلى بناء إستراتيجية متكاملة، دبلوماسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا وإعادة رسم الخرائط لتحديد الأماكن التابعة للأراضي الأمريكية في القطب الشمالي بدقة لإمكان استخدام الموارد الكامنة في تلك المناطق.

وتعود أهمية القطب الشمالي لأمريكا منذ أصبحت دولة قطبية بعد شرائها ألاسكا من روسيا في عام 1867، لكن طغت اعتبارات الأمن القومي الأمريكية في تلك المنطقة حتى نهاية الحرب الباردة. وفي عام 1991 التحقت أمريكا بالدول القطبية السبع حيث تم تأسيس إستراتيجية حماية البيئة في القطب الشمالي بين هذه الدول اعتمادًا على مبادرة من فنلندا.

وبعد سبع سنوات من وضع هذه الإستراتيجية، قدمت كندا مبادرة لبحث فرص التنمية في القطب الشمالي، ووقعت هذه الدول على إعلان أوتاوا، والذي تم بموجبه إنشاء مجلس القطب الشمالي Arctic Council في 19من سبتمبر 1996، ويضم المجلس سبع برامج للعمل هي:

برنامج الرقابة والتقويم الجغرافي.

حفظ الحياة الحيوانية والنباتية.

مواجهة الكوارث وحالات الطوارئ والاستجابة الفورية.

حماية البيئة البحرية والملاحية.

مجموعة عمل التنمية المستدامة.

برنامج تقدير الأثر المناخي على القطب الشمالي.

وبرنامج البحث العلمي.

ووفقًا لخطاب ألقاه مارجريت هايز Margaret F. Hayes، مدير مكتب شئون المحيطات بالولايات المتحدة، أمام برلماني مجلس القطب الشمالي حول سياسة أمريكا في القطب الشمالي، يوم 13من أغسطس 2008، فإن الولايات المتحدة قد أحدثت تغييرات جوهرية على سياستها في القطب الشمالي منذ عام ونصف، وتقوم منذ عام 2007 ولأول مرة منذ عام 1994 بمراجعة شاملة لأولوياتها في القطب الشمالي حيث لم تعد قضية الأمن وحدها هي المسيطرة على السياسة الأمريكية بعد نهاية الحرب الباردة.

وتعد هذه السياسة الجديدة استكمالاً لما بدأ في عام 2004، حيث ركزت الإدارة الأمريكية على قضايا حفظ البيئة والأمن الوطني والبحث العلمي، ولكن بعد التغيرات الدراماتيكية المناخية والتقلبات الدرامية في أسعار الطاقة وتقلص رقعة الجليد بالقطب الشمالي واستكشاف موارده الهائلة، فإن رؤية أمريكا منذ عام 2007 تقوم على عدد من المحاور هي: (الأمن الوطني، والحكم الدولي للمنطقة، وتمديد الجرف القاري وقضايا الحدود، التعاون العلمي الدولي، بناء سفن حديثة، الأولوية الاقتصادية وخاصة في مجال الطاقة، حماية البيئة وحفظ الموارد الطبيعية).

ووفقًا لـ إيفان بلووم Evan T. Bloom، مدير الشئون العملية الأمريكية للقطب الشمالي، فإن أمريكا بدأت تستثمر جديًّا في برامج ووكالات متعددة منذ العام 2001، حيث طالب الرئيس بوش الكونجرس بتخصيص مبالغ تقدر حتى الآن بما يزيد عن 35 بليون دولار لدراسة التأثيرات المناخية وتطوير البحوث العلمية والتكنولوجية من أجل دراسة كيفية استغلال موارد القطب الشمالي.

ومنذ عام 2007 تعمل أمريكا على تثبيت حقوقها في القطب، وتسعى لتعزيز تواجدها في حدود 200 ميلٍ بحريٍّ (الميل البحري الدولي يساوي 1852 مترًا) للحافة الشمالية من بحر تشوكشي لغرض الاستكشاف والتنقيب عن مصادر الطاقة، وتعمل هيئة المسح الأيكولوجي على استكمال تحديد المناطق التي لأمريكا حقوق بها. وقد تم إنفاق أكثر من 360 مليون دولار سنويًّا منذ عام 2003 على الجهود العلمية والبحثية في القطب الشمالي.

وترى الدراسة أن الولايات المتحدة تتمتع بسيادة كاملة في أراضيها في القطب الشمالي، وذلك وفقًا لمبدأ الرئيس هاري ترومان، والذي أعلن أن الهيدروكربون وأية موارد طبيعية قد تكتشف في الجرف القاري الأمريكي تعد ملكًا خاصًّا لأمريكا، كما أن الولايات المتحدة ليست عضوًا في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ولا تسري عليها أحكام هذه الاتفاقية.

وقد شاركت الولايات المتحدة الدول القطبية في مجلس القطب الشمالي في مايو 2005، حيث وافقت خمس دول قطبية منها روسيا وأمريكا على إعلان إيليوسات، نسبة لمكان انعقاد المؤتمر في هذه المنطقة في جرينلاند بالدنمارك، والذي أقر تعهد هذه الدول بالحفاظ على الإطار القانوني للتواجد في القطب الشمالي.

ويجادل البعض بأن عدم انضمام الولايات المتحدة لاتفاقية قانون البحار يمكن أن يؤثر على إثبات حقوقها في القطب الشمالي، إلا أن دول القطب الشمالي الأخرى والتي هي عضو بالاتفاقية ما تزال غير قادرة على إثبات صحة ادعاءاتها بمناطق تراها حقا لها في القطب، وبالتالي يمكن القول: إن مبدأ ترومان قد أمَّن حقوق أمريكا في موارد هذا القطب منذ خمسينيات القرن الماضي.

وعلى الرغم من إعلان إيليوسات، فإن أمريكا وروسيا عمدتا منذ العام 2007 على تثبيت حقوقهما كل وفق طريقته الخاصة، بل ويعمل الطرفان على تعيين حدود لهما في القطب الشمالي، وهو الأمر الذي يمثل مرحلة لحرب باردة بينهما في المحيط القطبي.

ويرى معدو الدراسة أن أمريكا تحتاج لتثبيت حقوقها في القطب استكمال الخرائط والمسوح الأيكولوجية، فهي تمتلك خرائط لقاع المحيط الشمالي وللمحيط الخارجي للجرف القاري منذ عام 2003، إلا أن بسط الشرعية على مناطق تمتد لـ 200 ميلٍّ بحريٍّ تحتاج خرائط أكثر ملائمة. ووفقًا لتقرير صادر في عام 2007 عن مجلس البحث القومي الأمريكي، لم تقم أمريكا برسم خرائط تحدد بدقة الجرف القاري لأمريكا في الشمال وفي الشمال الغربي أيضًا حتى الآن.

وتعد هذه الخرائط هامة لتحديد امتداد الجرف القاري لأجل استخدام الموارد الطبيعية، وحفظ الحقوق في حالة التنازع مع دول قطبية أخرى، وعلى سبيل المثال لكل من كندا وأمريكا مطالب في مناطق واحدة بالجرف القاري، وكذا يمكن للخرائط المساعدة في مواجهة الادعاءات الروسية مع أمريكا وكندا.

من جانب آخر، فإن الاستخدام الأمريكي لتلك المناطق يحتاج إلى بناء أساطيل سفن حديثة لشق طرق الجليد وذلك لإمكانية رسم هذه الخرائط، حيث لم ينتج من هذه السفن إلا ما يحمي الشواطئ، وتم بناء سفينتين فقط لغرض الاستكشاف صممتا للعمل مدة 30 عامًا، وهنا تحتاج الولايات المتحدة بناء أسطول حديث خارق للجليد ما بين 8 إلى 10 سنوات.

روسيا تشعل حربًا جديدة

منذ عام 2001 صارت روسيا قوة حقيقة في القطب الشمالي، فقد قدمت لمؤتمر الأمم المتحدة لقانون البحار طلبًا رسميًّا بحقها في مساحة 1.2 مليون م2(660.00 ميل مربع) تمتد من سلسلة ارتفاع تحت قاع المحيط الشمالي في لومونسوف وحتى سلسلة ارتفاع ميندليف، ولم تقبل لجنة الأمم المتحدة هذا المطلب، وطالبت روسيا ببيانات ومعلومات إضافية.

وما كان من روسيا إلا أن أرسلت بعثات استكشاف علمية شملت سفنًا مزودة بقوى نووية لكسر واختراق الجليد، زودتها بوسائل إعلام تغطي عمل هذه البعثات، ورفعت العلم الروسي على سطح المحيط في لومونسوف بعد جمع عينات من التربة قالت روسيا: إنها مطابقة لمناطق أراضي أوراسيا.

وخلال هذه البعثات أعلن أرتور شيلنجروف، رئيس البرلمان الروسي (الدوما)، أن هذه المناطق بالقطب الشمالي ملك لروسيا ويجب تثبيت حضورنا هناك، ما جعل الأمر خارج نطاق عمل البعثات العلمية وضد روح القانون الدولي.

ورغم إعلان الولايات المتحدة رفض هذا الإعلان، فإن روسيا أكدت حضورها بالقطب الشمالي خلال السنوات الماضية، وبدأ نشاطها الجاد في عام 2007، فقد أصدر الرئيس السابق فلاديمير بوتين في أغسطس من العام ذاته أوامره بتنظيم رحلات استكشافية مكثفة ومهمات علمية لقاع القطب الشمالي ورحلات جوية حوله، واستخدم سلاح الجو الروسي قاذفات إستراتيجية مثل TU-95 (Bear) لاختراق الجليد من أجل امتداد مناطق الكشف العلمي، بل شملت هذه المناطق التي جابها الطيران الروسي مساحة تبلغ 18 ضعفًا من مساحة ألاسكا كلها. ومنذ أغسطس 2007، نفذت القوات الجوية الروسية أكثر من 90 مهمة فوق المحيط القطبي المتجمد الشمالي وفوق المحيطين الأطلسي والباسفيكي.

وقد امتد هذا النشاط للبحرية الروسية، فظهر أول تواجد لها منذ نهاية الحرب الباردة في القطب الشمالي، وذكر الجنرال فلاديمير شامنوف رئيس قسم التدريب بوزارة الدفاع الروسية أن البحرية الروسية يجب عليها أن تطور أسلحة حديثة وغواصات كجزء من إستراتيجية روسيا العسكرية لمواجهة التهديدات المحتملة في القطب الشمالي.

وفي 14 يوليو 2007 أعلنت البحرية الروسية تعزيز تواجد أساطيلها في القطب الشمالي لغرض الاستكشافات البحرية، وشمل ذلك منطقة سبيتزبرجن التي تتبع أيكولوجيا لدولة النرويج.

وفي أعقاب الحرب الروسية الجورجية، أخذت روسيا تعمل على توتير العلاقات مع الولايات المتحدة في كل مكان، ولم تستثنِ القطب الشمالي من ذلك، إذ وقع الرئيس الروسي ميدفيديف قانونًا في أغسطس الماضي يسمح للحكومة بالعمل لاستخراج ترسيبات النفط والغاز في الجرف القاري دون الرجوع لأحد، ووضع هذا القانون قيودًا على الشركات التي تقل خبرتها عن 5 سنوات، كما أقر بحق الحكومة في 50% من الموارد المستخرجة.

وألمح ميدفيديف أيضًا إلى سياسة روسيا الجديدة والدائمة في القطب الشمالي، حيث ذكر أنه وفقًا للقانون الدولي تنوي روسيا تأسيس حدودٍ للجرف القاري ويحق لها استكشاف واستخراج مصادرها الطبيعية.

وفي 17من سبتمبر الماضي، كما نقلت وكالة فوكس نيوز، أمر الرئيس الروسي بتشكيل فريق أمني لترسيم الحدود رسميًّا في القطب الشمالي، وأبلغ مجلس الأمن القومي الروسي بأن ذلك مهمة إستراتيجية روسية. وصرحت نيكوليا باتروشيف، مديرة المجلس، بأن "روسيا سوف تدافع عن حقوقها ومصالحها الطبيعية في القطب الشمالي ضد الادعاءات والتنافس من أمريكا وكندا والنرويج والدنمارك، وأنه لابد من أن ندافع عن الحدود الشمالية لروسيا حيث يقع القطب الشمالي، وتشير تقديراتنا إلى أن هذه المنطقة تمثل 18% من أراضينا، ونقول أن 20 ألف كيلومتر مربعٍ من حدود الدولة تقع في هذه المنطقة".

وخلال العام الجاري، قامت سفن وأساطيل تكسير الجليد الروسية برحلات متعددة للقطب الشمالي. وتمتلك روسيا أكبر أسطول لاختراق الجليد في العالم، فلديها 18 سفينة، سبعة منها مزودة بالقوى النووية. وتسعى روسيا لبناء كسارات جليد جديدة تعمل بالقوة النووية في عام 2015، ويقدر الخبراء بأن روسيا تحتاج بناء ما بين 6 إلى 10 كسارات جليد تعمل نوويًّا في الـ 20 سنة القادمة لحفظ تواجدها العملياتي في المناطق التي تدعي تملكها في القطب الشمالي.

وإضافة لذلك أنشأت روسيا مركزًا لبناء سفن مجهزة للتنقيب عن النفط في سيفردوفينسك، ومن المقرر الانتهاء من هذا المشروع في عام 2010، حيث ستكون الأولى من نوعها في العالم، وتتمكن من العمل في درجات حرارة تقل عن الخمسين تحت الصفر، ومزودة بقوالب معينة لكسر الجليد. وهذا النوع تنتجه الآن شركة جازبورم المرتبطة بالحكومة الروسية.

وبالتالي فإن روسيا، وفقًا لرأي معدي الدراسة، تعمل عسكريًّا وفنيًّا على إحكام سيطرتها على نفط القطب الشمالي، متبعة إستراتيجية متكاملة من شقين متعارضين، فهي تقول أن سياستها تعتمد على حل النزاعات في المنطقة مع الدول القطبية وفق القانون الدولي والاتفاقيات الدولية ممثلة باتفاقية 1958 بخصوص الجرف القاري في القطب الشمالي، والتي وقَّع عليها كل من روسيا وكندا والنرويج والولايات المتحدة والدنمارك، واتفاقية 1982 لقانون البحار، بينما ينافي الشق الآخر ذلك، فطموحات روسيا في القطب الشمالي تعود للقرن الـ 19، والآن في القرن الـ 21، تقوم روسيا بتعزيز هذه الطموحات عبر التهديدات العسكرية وتعزيز التواجد العسكري في مناطق ترى أنها ملك لها في القطب الشمالي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 26/تشرين الثاني/2008 - 26/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م