أوباما بمواجهة أمة مأزومة وتحديات خارجية وصورة سيئة لأمريكا

 

شبكة النبأ: سيرث الرئيس الأمريكي القادم أمة مأزومة على كافة الصعد الداخلية والخارجية، ففي مذكرة من هاس إلى الرئيس الأمريكي القادم تحت عنوان "العالم يترقب" نشرتها مجلة نيوزويك قبل يوم من توجه الناخب الأمريكي لصناديق الاقتراع لاختيار رئيسه الجديد خلفًا، قارن هاس بين الولايات المتحدة عند تولي بوش قيادتها في أوائل عام 2001 وتلك التي سيتولى أوباما قيادتها في بداية عام 2009.

فقد تولى بوش أمريكا في عالم يسوده السلام والأمن وقوات أمريكية في فترة راحة طويلة وأسعار نفط بحدود 23 دولار للبرميل ونمو اقتصادي يفوق الثلاثة في المائة وارتفاع في قيمة الدولار الأمريكي الذي كان يساوي 116 ين والدِّين الأمريكي يقل عن ست تريليونات دولار، ورغبة دولية في التعاون مع الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لكن أوباما يرث حربين في العراق وأفغانستان وتوسيع نشاط القوات الأمريكية وصراعًا دوليًّا مع الإرهاب وارتفاعًا في أسعار النفط التي تجاوزت في بعض الأوقات حاجز 150 دولار للبرميل وانخفاضًا في قيمة الدولار فأصبح يعادل 95 ين وتراجع التأييد والتقارب الدولي للولايات المتحدة وعجزًا ماليًّا في السنة الأولي يصل إلى تريليون دولار وارتفاعًا في الدِّين الأمريكي إلى ما يقرب من عشرة تريليونات دولار أمريكي وتأزمًا اقتصاديًّا دوليًّا وهو ما يزيد عدم الاستقرار في كثير من الدول.

ويضاف إلى ذلك الإخفاق الأمريكي في إثناء إيران عن سعيها لامتلاك تكنولوجيا نووية، فرغم تزايد القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن التي بموجبها يتم فرض مزيدٍ من العقوبات على إيران والتلويح بالخيار العسكري، صعدت طهران من مواقفها العدائية ضد واشنطن وحلفائها في المنطقة وأسرعت في عملية تخصيب اليورانيوم والتهديد باستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة في حال لجوء واشنطن إلى الخيار العسكري، فضلاً عن تزايد النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط لاسيما في أمن منطقة الخليج وتدعيم طهران القوي لـ (حزب الله اللبناني وحركة حماس) ولدولة (سوريا) معارضة للولايات المتحدة الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط، وعملها، حسب عديدٍ من المسئولين الأمريكيين، على تهديد الاستقرار والأمن في العراق وتدعيمها للميلشيات والجماعات المسلحة في استهدافها القوات الأمريكية العاملة في العراق. بحسب موقع تقرير واشنطن.

كما تراجعت المكانة الأمريكية عالميًّا، حيث تراجعت القوة التأثيرية الأمريكية على حركة الفاعلين الدوليين والإقليميين. وفي ظل التراجع الأمريكي بدأت تلك الأطراف الدولية والإقليمية تأخذ مبادرات دولية وإقليمية لملء الفراغ الناجم عن تراجع النفوذ الأمريكي عالميًّا وإقليميًّا. فخلال الأسابيع الماضية واجهت الولايات تحديًّا مباشرًا من دول "صغيرة" لم تواجهه من قبل تمثل في طرد سفيرها من بلد بحجم بوليفيا، وطرد الآخر من فنزويلا لمجرد التضامن الاستعراضي مع بوليفيا.

وأخيرًا، تراجع الصورة الأمريكية عالميًّا، والنظر إلى المبادئ والقيم الأمريكية على أنها قيم عليا مثالية، ولم يُلاحظ هذا التراجع في الدول المعارضة للسياسة الأمريكية فقط، ولكن أيضًا في حلفائها أيضًا، فقد أظهر استطلاع لـ "بيو" في العام الماضي تراجع من لديهم رؤية إيجابية للولايات المتحدة في ألمانيا من 80% في عام 2000 إلى 30% العام الماضي، وفي تركيا من 52% إلى 9%، وفي مصر كان نسبة من لديهم صورة إيجابية عن الولايات المتحدة لا تتعدى الـ 20%، وفي اليابان 11%، والأرجنتين 18% و32% في أندونسيا.

وخلال السنوات الثماني الماضية تغيرت موازين القوى الدولية فلم تعد الولايات المتحدة هي المسيطر والفاعل الرئيس، وإنما أصبحت تنافسها قوى جديدة بل وقوى ما دون الدولة (Non – State Actor) والذي كان محور مقالة لهاس في مجلة الشئون الخارجية في عددها مايو- يونيو الماضي تحت عنوان "عصر بلا أقطاب The Age of Nonpolarity"، وهذا الأمر لا يعني تراجع المكانة الأمريكية، فحسب هاس مازالت واشنطن لديها القدرة على تشكيل مخرجات النظام الدولي ولكن قدرة التأثيرية والفاعلية الأمريكية في تراجع خلال الثماني سنوات الماضية، مما يدفع باراك أوباما لتبني سياسات جديدة، يرى هاس أنها تبدأ بمنطقة الشرق الأوسط، والتي لها كبير التأثير على السياسة والمكانة الأمريكية عالميًّا.

حربا العراق وأفغانستان

يرى كثير من المحللين داخل واشنطن وخارجها أن إصلاح السياسة الخارجية الأمريكية للإدارة الجديدة لابد أن يبدأ من التعامل مع التأزم الأمريكي في حربين ضاريتين أثقلتا كاهل دافعي الضرائب لارتفاع تكلفتها فضلاً عن الخسائر البشرية والتأثير على المكانة والفاعلية الأمريكية.

ويرى كثيٌ من المؤرخين أن الحرب الأمريكية في العراق حرب مكلفة خاضتها الولايات المتحدة بإرادتها، وللخروج من المأزق العراقي ينصح هاس إدارة باراك أوباما بخفض القوات الأمريكية العاملة في العراق والعمل على دمج الأقلية السنة العراقية في المؤسسات العراقية، والتعويل على الدول العربية في مساعدة الحكومة العراقية في تحقيق الاستقرار والأمن العراقيين واستئناف الحوار مع طهران حول مستقبل العراق.

وعلى عكس العراق تسير الأمور في أفغانستان عكس ما تريد واشنطن، حيث تزايدت قوة حركة تنظيم القاعدة وحركة طالبان، وتدهورت الأوضاع الأمنية، فضلاً عن ارتفاع حدة تجارة المخدرات، وهو الأمر الذي يستدعي زيادة عدد القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو، ولكن هاس يري أنها ستكون مؤقتة، والعمل على إعادة روح القومية الأفغانية. والعمل على تدريب القوات الأمنية والجيش الأفغانيِّ. والتحاور مع الدول التي لها مصلحة في أفغانستان (إيران، باكستان، الهند، الصين، روسيا وحلف الناتو)، والحوار مع قادة حركة طالبان للوصول إلى وقف إطلاق النار.

وفيما يخص باكستان يرى هاس أنه يجب النظر إلى باكستان وأفغانستان كقضية واحدة في ظل عجز إسلام أباد عن فرض سيطرتها على الحدود المشتركة بين البلدين والسيطرة على أراضيها، ومن ضمن الإجراءات للتعامل مع الدول الباكستانية، الهشة ديمقراطيًّا واقتصاديًّا، يدعو هاس إلى استمرار المعونات الأمريكية الاقتصادية والعسكرية للحكومة الباكستانية لتعزيز جهودها في محاربة الإرهاب، ولكن هاس يدعو إلى أن تكون تلك المعونات مشروطة باتخاذ سياسات وإجراءات معينة. ويدعو الإدارة الجديدة إلى التوقف عن شن هجمات على الحدود الباكستانية التي لم تأتِ بثمارها، ولكنها تعقد من الأمور في ظل ارتفاع عدد المدنيين المصابين فيها.

انقسام حيال إيران النووية

ومع عدم حل إدارة الرئيس بوش الابن الأزمة النووية الإيرانية وتصاعد الحديث عن احتمالية توجيه ضربة عسكرية، أمريكية أو إسرائيلية، ضد المنشآت النووية الإيرانية في ظل التمسك الإيراني بامتلاك تكنولوجيا نووية، يرفض هاس هذا النهج العسكري لإخفاقه في كثيرٍ من الملفات وما الحالة العراقية ببعيدة عن الأنظار. فالضربة العسكرية من وجهة نظر هاس قد تقوض السعي الإيراني ولكنها لا تحل المشكلة. ولكنها ستؤدي إلى استهداف طهران المصالح الأمريكية في أفغانستان والعراق، بجانب التهديد الإيراني المصالح الأمريكية بالمنطقة.

وعلى عكس الاتجاه الداعي إلى الحرب يدعو هاس إلى التعاون الأمريكي مع المجموعة الأوربية والصين وروسيا والاتفاق على الحوافز الدبلوماسية التي تقدم لطهران، وفي المقابل ستقتنع إيران، حسب هاس، بالتوقف عن تخصيبها اليورانيوم بصورة منفردة، أو في حال رفضها التوقف عن التخصيب قد تدفعها الحوافز الدبلوماسية إلى قيود على التخصيب والذي يبدد المخاوف الأمريكية من البرنامج النووي الإيراني. ويدعو أيضا إلى الحوار المباشر بين القيادات الإيرانية بدون شروط مسبقة، والحوار مع إيران، حسبما يشير رئيس مجلس العلاقات الخارجية، ليس جائزة لطهران لكنه أحد الأدوات المثلى لتحقيق الأمن القومي الأمريكي.

وعلى النقيض من رؤية هاس لتعامل إدارة أوباما مع الأزمة النووية الإيرانية دعا جون بولتون John R. Bolton في رسالة إلى أوباما حملت عنوان "رسالة إلى الرئيس القادم Letter to the Next President" نشرتها صحيفة الديلي تلجراف Daily Telegraph اللندنية في الخامس من نوفمبر، إدارة أوباما إلى اختبار النوايا الإيرانية خلال الثلاث شهور الأولى حول نواياها دبلوماسيا. وفي حال عدم وجود نوايا إيرانية للتوقف عن تخصيب اليورانيوم، فعلى الرئيس التوقف عن الجهود الدبلوماسية واللجوء إلى الإستراتيجيات غير المرغوب فيها من قبل كثيرين، وهي استخدام القوة العسكرية والإكراه والضغط للتعامل مع النظام الإيراني لمنعه من امتلاك أسلحة نووية، وقبل العمل العسكري يطرح بولتون سياسة تغيير النظام.

الصراع العربي الإسرائيلي

وبالنسبة للصراع العربي – الإسرائيلي، الذي يعتبر أحد الأسباب الرئيسة للتأزم الأمريكي في المنطقة وتراجع الصورة الأمريكية عربيًّا، أشار هاس إلى صعوبة تحقيق الولايات المتحدة ما تعهدت به كثيرٌ من الإدارات الأمريكية من قيام دولتين، لاسيما في وقت تتسم به الحكومتان الإسرائيلية والفلسطينية بالضعف، ولذا يدعو أوباما إلى صياغة رؤية إستراتيجية عادلة تسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وألا يكون الالتزام الأمريكي بتدعيم إسرائيل عقبة للضغط على تل أبيب لوقف بناء المستوطنات، ويدعو الإدارة الجديدة إلى العمل على تشجيع الدول العربية والاتحاد الأوربي لمساعدة الفلسطينيين لتحسين أحوالهم المعيشية.

ويطرح هاس على الرئيس الجديد ضرورة مشاركة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في المفاوضات ولكنها مشاركة مشروطة بوقف إطلاق الصواريخ على البلديات الإسرائيلية. وفي مذكرته لأوباما لم يتطرق هاس إلى " اللاءات " الثلاث لحركة حماس، لا الاعتراف بإسرائيل ولا التخلي عن السلاح ولا الاعتراف بالاتفاقيات السابقة، كأحد الأسباب لمنع حماس من المشاركة في المفاوضات كما كان الحال في فترتي بوش. ويدعو إدارة أوباما أيضًا إلى لعب دور الوسيط في محادثات السلام السورية – الإسرائيلية.

التوافق على حل الأزمة المالية

الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد قد تؤدي إلى التوحد بين الأغلبية الديمقراطية والأقلية الجمهورية للتعامل مع تلك الأزمة الطاحنة. فكثير من المراقبين يتوقعون أن يكتسب الديمقراطيون تأييد الجمهوريين المعتدلين في الكونجرس الجديد لتمرير التشريعات الكبرى المتعلقة بالأزمة المالية وغيرها من القرارات التي تحتاج لإجماع.

وقالت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب: إنه بقطع النظر عن عدد المقاعد التي يحصل عليها حزبها الديمقراطي "أطالب الشعب الأمريكي بتوجه جديد" وأضافت قائلة: "الجزء المهم جدًّا من التغيير هو الشراكة الحزبية".

وأضافت: إن مجلس النواب ، مستعد للعمل مع أوباما ولاسيما بشأن حزمة حوافز جديدة لتخفيف أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير. وقالت بيلوسي في مؤتمر صحفي في مقر الكونجرس: "أولوياتنا سارت حذو أولويات حملة أوباما. نمو اقتصادنا. وتعليم أولادنا وصحة شعبنا وإنهاء الاعتماد على النفط الأجنبي وإنهاء الحرب في العراق."

من جانب آخر أعرب سيناتور جمهوريون في مجلس الشيوخ عن استعدادهم للعمل مع الرئيس الديمقراطي المنتخب باراك أوباما. وقال زعيم الأقلية الجمهورية ميتش ماكونيل الذي أعيد انتخابه بفارق بسيط جدًّا في معقله كنتاكي :"أهنئ الرئيس المنتخب أوباما وسأعمل معه باسم الشعب الأمريكي".

وأضاف: "إن الإدارة الجمهورية على استعداد للاستماع إلى أفكاره ليطبق الوعود التي أطلقها في حملته الانتخابية والرامية إلى خفض الضرائب وزيادة أمن الطاقة والحد من النفقات ومعالجة عبء ديون وطنية هائلة". وبدوره قال زعيم الغالبية الديمقراطية في مجلس شيوخ هاري ريد عقب إعلان نتائج الانتخابات: " لدينا تفويض، وليس تفويضًا من حزب أو عقيدة بل هو تفويض حقيقي من أجل التغيير، من أجل الأمل".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/تشرين الثاني/2008 - 15/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م