العِرَاقُ فِي عَهْدِ أوبَامَا

محمّد جواد سنبه

إنّ فشل (جون مكين) و صدمة الحسناء (سارة بيلن)، (التي أثارت دموعها أشجان القاصي والداني!!)، في الانتخابات الأمريكيّة، لا يعني فشل اشخاص في تجربة انتخابيّة، وإنّما يعني فشل سياسة حزب، في قيادة دور امبراطوريّة عظمى، على مدى السنين الثمان الماضية.

 سُئل زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس كارتر: (في كتابك أعطيت الرئيس بوش علامة f)) أو ساقط وكأنك تعطي علامات لتلاميذك في الصف, وخاصة (f) بالنسبة لأدائه في منطقة الشرق الأوسط, هل هذا يعني أن هذه العلامة الساقطة سوف تهيمن على ولاية الرئيس بوش حتى نهايتها ؟. فأجاب زبيغنيو بريجنسكي قائلاً:

 (إن علامة راسب ليس فقط في مجال الشرق الأوسط بل هي على الصعيد العام, أعتقد أنه على الصعيد السياسي وعلى المستوى الدولي والساحة الدولية كان أداؤه كارثياً, لقد ورث الولايات المتحدة التي لم تكن قوة عظمى فقط وهي لا تزال كذلك, بل ورث أيضاً دولة بالغة النفوذ وذات شعبية كبيرة قادرة على حشد دول أخرى في جهود بناءة من أجل الصالح العام بشكل أو بآخر, لكن عوضاً عن ذلك قام بتحويل أميركا إلى دولة هوت إلى أزمة عقيمة في العراق, وربما أدت إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة التي تفتقر أصلاً للاستقرار, وأدى إلى انتشار كره عالمي تجاه الولايات المتحدة, لذلك أعتقد أنه يستحق علامة راسب عن جدارة)(من مقابلة اجراها هشام ملحم /فضائيّة العربية/2/10/2007).

 إنّ السببين الخارجيين الأبرز، في فشل السّياسية الخارجيّة الأمريكيّة، في الشرق الأوسط، هما حرب العراق بالدرجة الأولى، وحرب افغانستان بالدرجة الثانية. وآفاق النجاح المتاحة أمام الرئيس (أوباما) في (العراق ـ إيران ـ سوريا ـ لبنان ـ فلسطين)، تكمن في معالجة مشاكل أربعة محاور هي:

1. محور إيران. لقد استفادت إيران بشكل كبير، من سياسة الرئيس (دبليو بوش الابن)، المعروفة بـ(الوقوف على حافة الهاوية). واستطاعت إيران بمهارة، التفوّق على سياسة بوش، من خلال التسويف والمماطلة، في كسب الوقت ونقل الأزمة إلى الإدارة القادمة. إنّ إيران تعلم، أنْ لا فائدة بعيدة المدى ترتجى، من عقد صفقة مع إدارة بوش، وهي تترنح من صدمات الفشل، وإنّ المكاسب ستكون أفضل بكثير، عندما يتمّ التفاهم مع الإدارة الجديدة. خصوصاً أنّ مؤشرات تخلي الجمهويون عن سدّة الحكم في أمريكا، قد لاحت بالأفق منذ بداية أيلول 2008، حيث كانت بواكير الأزمة الماليّة الداخليّة في أمريكا. لقد نجحت إدارة الرئيس (بوش) بتفكيك المفاعل النووي لكوريا الشماليّة، لكن الإيرانيين أظهروا صلابة متزايدة، أمام الضغوطات الأمريكيّة، في إنهاء ملف البرنامج النووي الإيراني، بالاستفادة من ساحة العراق كورقة ضغط مباشرة على الطرف الأمريكي، وكان لدعم روسيا لإيران الأثر الكبير في صمود الموقف الإيراني. وحرب جورجيا، اعادت إلى الأذهان صور الحرب الباردة، التي انتهت عملياً عام 1989. فكما تستخدم أمريكا جورجيا للضغط على روسيا، كذلك روسيا تستخدم إيران للضغط على أمريكا.

إنّ إيران الآن بوضع افضل للتفاوض والمطاولة، مع الحكومة الأمريكيّة الجديدة. أولاً، بسبب استقرار منهج السّياسة الإيرانيّة الحاليّة لغاية آذار 2009، حيث الإنتخابات العامّة في إيران. وثانياً، استقرار الإقتصاد الإيراني، وسيطرة إيران على متغيرات السّاحة العراقيّة وغيرها من السوح أيضاً. فإيران تريد من إدارة (أوبوما) التي وعدت بالتغيير، ما يلي:

‌أ- الاعتراف بحقّ إيران في امتلاك التكنولوجيا النوويّة.

‌ب- عدم التدخل في الشأن الإيراني الداخلي، و إيقاف دعم المعارضة الإيرانيّة التي تتلقى من أمريكا مبلغ 20 مليون دولار سنوياً، لزعزعة النظام الإيراني.

‌ج- إنهاء وجود منظمة مجاهدي خلق في العراق.

‌د- إيقاف التهديد الإسرائيلي للأمن القومي الإيراني.

هـ إيجاد تسوية للجزر المتنازع عليها في الخليج (طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى).

وـ إعطاء دور إيجابي لإيران في المنطقة.

زـ رفع الحظر عن الأموال المجمّدة الإيرانية، و رفع الحظر عن الشركات التجاريّة الإيرانيّة.

2. محور (سوريا ـ حزب الله لبنان ـ منظمة حماس الفلسطينيّة). لسوريا أراض تغتصبها إسرائيل منذ حرب عام 1967، ومن مصلحتها التعاون مع أيّة جبهة ضاغطة، تعمل معها بالضدّ من إسرائيل. وبما أنّ إسرائيل هي العمق الإستراتيجي للمصالح الأمريكيّة في المنطقة العربيّة. إذن يتحتّم على سوريا الضغط على إسرائيل، بالتحالف مع حزب الله لبنان، الموالي لإيران و المعادي لإسرائيل. وتأكيداً على زيادة الضغط، تحالفت سوريا مع منظمة حماس، التي ترفض التسوية مع إسرائيل والمتعاونة مع ايران أيضاً. واصطفت سوريا إلى جانب إيران، للضغط على أمريكا، وبالتالي الضغط على إسرائيل، لنيل حقوقها المغتصبة. ولكلّ عنصر من هذه العناصر، مصالحه في المنطقة. و من ناحية أخرى، أنّ لسوريا مشروعاً قوميّاً، بقت لوحدها تناضل من أجله، بعدما تنازلت عنه مصر، في زمن السادات الذي وقّّع اتفاقيّة (كامب ديفد). وسوريا أيضاً تريد أنْ يكون لها دور اقليمي في المنطقة، لإدامة متطلبات مصالحها التي تطمح اليها.

3. محور العراق. بعد احتلال أمريكا للعراق في 9 نيسان 2003، وتفكيك القوات المسلحة العراقيّة، أصبحت الساحة العراقيّة ميداناً عملياً لصراع (أمريكي إيراني، أمريكي سوري، أمريكي لبناني، أمريكي فلسطيني)، وما جرى في العراق من أحداث مأساويّة، هو نتيجة لهذه الصراعات الاقليميّة. ولازال السّاسة العراقيون، يتشبثون بدعم أمريكا لفرض السيطرة على الساحة العراقيّة.

4. محور الدول العربية الرافضة للتغيير الأمريكي في العراق. تقع دول الخليج العربي في الصف الأوّل من هذا المحور، وتليها دول عربية اخرى داعمة لها تقع في الصف الثاني بعد هذه الدّول، مثل مصر وليبيا واليمن والمغرب وغيرها. هذا المحور ينظر بقلق شديد من فرض التجربة الديمقراطيّة في العراق، فهذه الدول كانت مطمئنّة من وجود نظام صدام في العراق، بالرغم من عدم انضباطه، بيّد أنّ السيطرة عليه كانت ممكنة. وهذه الدول لا تريد أنْ يكون العراق مثالاً يحتذى به، في نجاح التجربة الديمقراطيّة، فحين ذاك ستتجرأ شعوب هذه الدّول، بالمطالبة بتغيير انظمة الحكم فيها بشتى الطرق، خصوصاً أنّ سجل هذه الدول، يشهد الكثير من القمع والكبت السّياسي، وخروقات لحرية الرأي وحقوق الانسان. وهناك محاور اخرى مثل محور (باكستان ـ افغانستان) ومحور (الصين ـ الهند)، وهذه المحاور لها تاثيراتها الخاصة، (لأنّها جزء من معادلة التوان بالضد أو مع أمريكا) وإنْ كانت غير مباشرة على ساحة الصراع الاقليمة لمنطقتنا.

في ضوء هذه المعطيات، يتعيّن على الرئيس (أوباما)، أنْ يحث مؤسسات صنع القرار السّياسي في أمريكا، لإيجاد حلول لمشاكل هذه المحاور. وعليه أيضاً اقناع مؤسسات القرار الأمريكيّة، بإجراء تسوية شاملة مع جميع هذه الاطراف. ومن المعلوم أنّ السّياسة الخارجيّة الأمريكيّة، لا يرسمها الرئيس الأمريكي، وإنّما الرئيس الأمريكي، ينفّذ سياسة تتبناها مؤسسات القرار الأمريكيّة، التي تضع مصالح أمريكا الإستراتيحيّة، في الاقتصاد و الأمن القومي فوق جميع الاعتبارات. فلا اعتبار من ذهاب (جورج دبليو بوش)، ومجيء (باراك حسين اوباما). نعم ستتغير التكتيكات المرحليّة، من أجل تحقيق مكاسب نوعيّة، لصالح الإستراتيجيّة الأمريكيّة بعيدة المدى. وبدون ذلك ستبقى الساحة العراقيّة بؤرة متوترة، لأنّها وسيلة ضغط مهمّة ومزدوجة التأثير، بين أطراف الصراع الإقليميّة من جهة، و أمريكا من جهة أخرى. وكلّ طرف يحاول استثمارهذه الساحة، لصالح تحقيق مصالحه الخاصّة. فالعراق لا يستقر أبداً، إلاّ عند تحقيق أحدى هاتين الحالتين:

1. حصول حالة التوازن في مصالح جميع الأطراف الداخلة في الصراع.

2. التراضي السلمي على توزيع الأدوار بين أطراف النزاع، عبر عمليّة تنازل كل طرف للطرف الآخر، مقابل تحقيق مكاسب مرضية، يقدمها كلّ طرف للآخر، و بشكل شامل في المنطقة. قال بريجنسكي في مقابلة اجرتها معه وكالة(سويس انفو بتاريخ 7 نيسان 2007):ــ (... سيتعيّـن على الرئيس القادم بعد بوش أن يتوفر فيه القَـدر الكافي من الوعي السياسي وحُـرية الحركة لاتِّـخاذ ما يلزم من تعديلات يتطلّـبها نجاح الولايات المتحدة في اقتناص الفرصة الثانية لإصلاح وضعها الدولي).

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/تشرين الثاني/2008 - 11/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م