شبكة النبأ: الرجل المناسب في
المكان الغير مناسب، أو لنقل الرجل الغير مناسب في المكان المناسب!
ولكن ما همنا من هذا كله! ان كان مناسبا او غير ذلك!، بيد ان
الواقع وحتمية الموقف يفرضان علينا ترجمة فورية للأحداث، فلو دققنا
أكثر آخذين بنظر الاعتبار الهيمنة العالمية التي حققتها الولايات
المتحدة، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لو جدنا اننا معنيين
وبشكل مباشر بهذا الأمر، خصوصا بعد غزو العراق في 2003.
فالانتخابات الامريكية وسباق المسافات الطويلة نحو البيت الأبيض،
خلال الشهور المحتدمة السابقة، خيمت بظلالها على الشارع الدولي
وأرقت السياسيين والمحللين لأكثر من عام، بين تحليل ورؤى وانطباع
وكلام وكتابة ولقاءات وبرامج و و و... ألخ.
حتى وجدنا ان هذا الامر يغلي بفوران مذهل على أشده في بلدانان
النامية وشعوبنا العربية الكريمة، وصولا إلى آخر اللحظات التي نال
فيها أوباما الفوز بهذا السباق، فما كان من شعوبنا إلا اقامة
الاحتفالات البهيجة، وكلٌ على طريقته، بين احتفال صحفي على الورق،
وحضور إعلامي مميز على شاشات التلفاز، وآخر بين العامة كما حصل في
الدول الافريقية، ذلك ان الرئيس الجديد للولايات المتحدة من أصول
سوداء، ولا اعرف ان كان ثمة احتفالات رسمية على مستوى القادة العرب
تلوح في الأفق، ام انهم سيكتفون بالتهنئة فقط.
المعيب في هذا الامر، ليس احتفالنا بغيرنا فحسب، بل مدى اخفاقنا
في تمثيل دور الآخر، ماعدا اننا نتباها بفوز الغير ونجاح
ديمقراطيته ـ مالو كانت هذه الديمقراطية حقيقية غير مبرمجة او
مدبلجة على طريقة سينما هوليوود ـ لنصبح كالمثل السائد (الصلعة
تتباها بشعر أختها) نفرح بديمقراطيته، وحريته، في حين ان آخر عهد
لنا بالإنتخابات، في وطننا العربي، كان قبيل خمسة آلاف عام ونيف.
وعلّ بعض الكتاب ذهبوا حد الممغالاة في فوز الديمقراطيين، من
اتكائهم على خلفية الرئيس الديمقراطي المرشح (أوباما) فبين تمثيله
للون العنصرية في الولايات المتحدة أولا، وانحداره من اصول أفريقية
ثانيا، وثالثا والاهم له خلفية اسلامية، فلااعرف ما لو انتبه
الكثير إلى ان أوباما حاول وفي أكثر من محفل ترجمة هذه الحقائق على
انها دخيلة لاتمت له بصلة، وهذا القول انما يعبر عن مصداقية الرجل،
فهو (أوباما) امريكي المولد، امريكي التربية، امريكي الطباع،
أمريكي الدين، والدين الأمريكي يختلف إلى حد بعيد عن أي دين في
العالم، وقد حاول الرجل إرسال رسالته هذه إلى الجميع، عبر آراءه
ونقاشاته، او موقفه الاخير بتنصيبه لكبير البيت الأبيض، وهو أحد
أركان العصابات اليهودية الذي طرد من بريطانيا، على خلفية أعماله.
وهنا يترجم جليا مدى سوء فهم الحسابات التي ينظر لها السذج بشأن
خلفية أوباما الدينية.
وعلى هذا يتحول أرق الإنتماء الديني والعرقي إلى كابوس مزمن لدى
الرجل، متمثلا في محاولة مستمرة لإثبات ولائه إلى السياسة
الأمريكية، وكلنا يعرف ان السياسة الامريكية قائمة على إرضاء
الحليف المدلل الصغير (إسرائيل)، ليثبت لهم العكس مما يروه هم او
يحاول جاهدا تغيير النظرة التي ينظر بها إليه، عبر ممارسة ضغوط
أكبر على المسملين.
وهذا الأمر من شأنه ان يخلق توترا قائما وعميقا بين الحالة
النفسية للرئيس الامريكي الجديد، وبين الشعوب الإسلامية عامة، او
المسلمين داخل الولايات المتحدة الامريكية خاصة، ذلك ان محاولة
اثبات نقيض الشيء تحتم الإتيان بفعل مغاير عن ماهية الشيء ذاته.
ومن الامور المهمة التي يجب ان تأخذ بالحسبان ان تاريخ
الإنهزامات والإنكسارات الذي تضج به أجندة الحزب الديمقراطي، يحتم
علينا قراءة الواقع السياسي القادم قراءة مغايرة عما كان عليه في
عهد الجمهوريين، فهذا التاريخ حافل بالتراجع عن القرارت الغير
مدروسة والخطوات الغير مبررة، رغم اننا نقول بأن لكل تجربة
معطياتها وخصوصياتها وراهنية موقفها. ذلك ان هذا اتضح جليا في حرب
فيتنام، او حتى مرحلة ما بعد الحرب في العراق عقب الحملة العسكرية
لعام 1991.
ما نأمله ـ كشعوب فقدت مبررات الحقة في تحقيق مصيرها بسبب من
مغامرات زعمائها ـ ان تسير القافلة العالمية صوب اجتماع الرأي
لحماية أرضنا، والتفكير الجدي في مسألة البيئة والاحتباس الحراري
والانشغال بهما، بدل الانشغال الدؤوب بالحروب المستمرة.
ولعل النقطة السوداء في الرقعة البيضاء، ستعطي ثمارها ولو بعد
حين تكون عملية المزاوجة بهدف البناء وطموحات التغيير الحتمية. |