تراث الطب المتجدد.. الحجامة علاج للجلطة والسكري وضغط الدم

 

شبكة النبأ: خلال السنوات القليلة الماضية انتشرت ظاهرة العلاج بالحجامة أو فصد الدم. لكن هذا لا يعني أنها كانت غائبة عن المجتمع العراقي. فهي موجودة دائما إلى جانب الطب الشعبي، أو ما يطلق عليه حاليا الطب البديل. وقد مارستها مجتمعات قديمة في الصين ووادي الرافدين وفي مصر الفرعونية. فضلاً عن اعتمادها من قِبل المسلمين كعلاج ناجع وتراث يجلب الصحة للمرضى.

لكن ظاهرة علاج الأمراض هذه وجدت صدى لها خلال السنوات العشر الماضية في العراق، وأصبحت واسعة الانتشار اليوم يلجأ إليها من يئس من الطب أو من لا يستطيع دفع تكاليف العلاج في العيادات أو المستشفيات، مع أن العلم الحديث لا يشجع عليها. ففي محافظة بابل، ومركزها الحلة نحو 100 كم جنوب بغداد يتوافد المرضى على الأشخاص الذين اكتسبوا تلك المهارة في معالجة العديد من الأمراض.

يقول الحاج مالك الشمري في حديث لـ نيوزماتيك "ورثت المهنة أبا عن جد منذ أكثر من أربعين عاما. وعيادتي الصغيرة تستقبل يوميا عددا لا بأس به من المرضى، منهم من عجز عن مراجعات الأطباء، ومنهم من لا يستطيع دفع تكاليف كشف الطبيب بسبب ضعف إمكانياته المالية، وبعضهم من يتجنب تعاطي الأدوية".

ويضيف الحاج الشمري "عالجت حالات مرضية عديدة منها أمراض الجلطة، والصداع المزمن، وارتفاع ضغط الدم، والسكر، والآم الفقرات وحتى بعض السرطانات"، مشيرا إلى أن "اغلب مرضاه تماثلوا للشفاء".

كؤوس الأوكسجين

لكن ما هي الحجامة؟، وما هي أنواعها والأدوات التي تستخدم فيها لمعالجة المريض؟

يجيب الحاج الشمري قائلا "الحجامة هي وضع كؤوس زجاجية خاصة في مناطق معينة من الجسم بعد تفريغ تلك الكؤوس جزئيا من الهواء وذلك لسحب الجلد أو امتصاص الدم من جروح طفيفة".

ويتابع الشمري "أستخدم في عملي عددا من كؤوس خاصة cupping and letting ، بعد حرق قطعة صغيرة من القطن أو إشعال قنديل صغير أو شمعة داخلها".

ويوضح أن "النار المشتعلة تؤدي إلى استهلاك الأوكسجين داخل الكأس وهي خمُس الهواء، ونتيجة لقلة حجم الهواء بعد فقده الأوكسجين يرتفع الجلد داخل الكأس مسحوبا ومعه كمية من الدم من منطقته ومن الأنسجة القريبة منها. هذا النوع يسمى الحجامة الجافة، وما يميزها عن الحجامة الرطبة هو تشريط الجلد الذي توضع عليه الكأس بواسطة مشرط بسيط ليتدفق الدم الهرم منه".

ويقول الشمري إن "علاج الحجامة لا يقتصر على الرجال  فقط، بل أن النساء يمارسنه أيضا. هذا العلاج كانت تقوم به القابلة التي نسميها الحبوبة أو الجدة".

تعلم الحجامة بروس اليتامى

أما العميد المتقاعد سمير حسون فيقول إن "ممارسة الحجامة لها ذكريات عند بعض العوائل في بابل. وكان بعض أفراد العائلة الواحدة يطبقونها على بعضهم تطبيقا للمثل الشهير (يتعلم الحجامة بروس اليتامى). ويطلق هذا المثل على من يمارس أي مهنة ويطبقها على أشخاص لأول مرة، من باب التعلم".

ويضيف حسون لـ نيوزماتيك "تعلمت الحجامة من أقراني في الجيش، وعلمتها لأفراد عائلتي الذين أصبحوا يطبقونها عليّ".

وحول فوائد الحجامة يقول حسون "الحجامة تعمل على تنشيط الجسم لأنها تخلصه من الدم الفاسد، وتجعل شخصا مثلي شارف على الستين قادرا على ممارسة عمله اليومي بشكل طبيعي".

من جانبه يقول بطل التايكواندو في بابل عباس الربيعي "راجعت عددا من الأطباء من اجل علاج الصداع الذي لازمني منذ مدة، وتناولت الكثير من الأدوية لكنها لم تنفع حتى وصفوا لي الحجامة كوسيلة للعلاج".

ويضيف الربيعي "لم اقتنع في وقتها بالحجامة، لكنني اضطررت إلى طرق باب أحد الحجامين، الذي عالجني، بعدها تمكنت من مزاولة التمارين بكل نشاط".

طب أم ماذا؟

ويرى الدكتور جواد كاظم البيرماني، صاحب كتاب "الحجامة والفصد في الدين والطب" أن "الحجامة تراجعت أهميتها بسبب سيطرة صناعة الأدوية على الممارسات الطبية مما جعل العلاج بالحجامة يبدو وكأنه دجل وشعوذة".

ويضيف البيرماني أن "الآثار الجانبية والنتائج السلبية لتعاطي الأدوية التي تؤثر على الإنسان دفعت بالعديد من الأطباء إلى إعادة التفكير في جدوى الطرق العلاجية التقليدية ومن بينها الحجامة. وهكذا عاد الاهتمام بها واستعادت مكانتها على أساس علمي،  وأدخلتها بعض الجامعات الأوربية".

ويوضح الدكتور البيرماني أن "أمريكا تعقد الآن دورات دراسية لتعلم الحجامة في كليات الطب البديل المنتشرة هناك وفي بعض الدول الأوربية والصين".

ويقول البيرماني إن "الطب الحديث اعترف بالحجامة كإحدى أفضل طرق العلاج للعديد من الأمراض، ولتنشيط الجسم والدورة الدموية دون آثار جانبية". لكنه يشير إلى أن "العديد من الأطباء في بابل لا يؤمنون بممارسة الحجامة ولا يعترفون بها كحقيقة علمية".

ويكشف الدكتور البيرماني أن "استطلاعا أجراه لمجموعة من الأطباء أظهر أن 34% منهم لم يسمع بالحجامة، و45% سمع بها ولكنه لا يعرف ما هي، و11% يعرف عنها معلومات قليلة ولكن لا يعرف كيف تجرى، و98% ممن عرفها وسمع بها ولا يؤمن بها، و100% لا يمارسها في علاجه للمرضى".

دماء هرِمة

ويوضح أن "الباحثين يتداولون الكثير من النظريات التي يحاول من خلالها الحجامون الغربيون والشرقيون وضع تفسير لآلية عمل هذه الطريقة العلاجية في تخفيف الألم وشفاء الأمراض، وإن اختلفوا قديما وحديثا في طرح تلك النظريات إلا أنهم يجمعون على أن الحجامة نجحت في تسكين الآلام وتحقيق الشفاء، والتخلص من الأمراض السامة والخلايا الهرمة، والمحافظة على توازن وانتظام وظائف الأعضاء، وتنشيط نقاط المقاومة المناعية، وتنشيط وتجديد الدورة الدموية".

ويلفت الدكتور البيرماني إلى أنه "أجرى تحليلات للدم من كل أنحاء الجسم فاكتشف مواد كيماوية عالقة في ظهر الإنسان تشعره بالألم، ودما هرما يختلف في مكوناته عن بقية أماكن جسم الإنسان".

يذكر أن من بين الجراحين المسلمين الذين كتبوا في الجراحة والحجامة على وجه الخصوص أبو الفرج بن موفق الدين يعقوب بن إسحاق بن القف الكركي 630-685 هجرية، في مؤلفه "العمدة في الجراحة" عام 681 هجرية. وتدرس رئاسة صحة بابل حاليا مقترحات بفتح عدد من الدورات للأطباء بغية التعرف على علاج الأمراض عن طريق الحجامة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 5/تشرين الثاني/2008 - 5/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م